في يومهم الدولي.. التعويض المالي لضحايا الرق "محلك سر"

في يومهم الدولي.. التعويض المالي لضحايا الرق "محلك سر"
ضحايا تجارة الرقيق

بهدف توثيق الاتجار بالرقيق كمأساة إنسانية لا تُمحى من ذاكرة الشعوب، وعدم اعتبارها حدثا عابرا بل فصلا من أحلك الفصول في تاريخ البشرية، فاقت مدته 400 عام رغم المقاومة الشرسة يحيي العالم اليوم الدولي لإحياء ذكرى ضحايا الرقيق في 23 أغسطس من كل عام، بهدف التركيز على الأسباب التاريخية لهذه المأساة الإنسانية ودراسة عواقبها وتحليل تفاعلات في العالم.

والرق هو استعباد البشر ويطلق على العبيد اسم الرقيق، وألغت فرنسا نظام العبودية عام 1794، إلا أن نابليون بونابرت أعادها مجددا عام 1802، لترتفع عدد البعثات الفرنسية التي تاجرت في الرقيق إلى 3 آلاف بعثة، نقلت على إثرها أكثر من 1.4 مليون إفريقي كعبيد.

وألغت الولايات المتحدة نظام العبودية عام 1860 لكنها عجزت عن طي صفحة الجرائم التي ارتكبتها القوى الاستعمارية الغربية بحق أبناء القارة السمراء على مدى أكثر من 3 قرون.

فيما ترفض فرنسا وإنجلترا، بصفتهما أكبر دولتين استعماريتين تقديم اعتذارات رسمية للدول الإفريقية عن فترة الرقيق الأسود، وتؤكدان أن مسألة التعويضات المالية تمثل معضلة قانونية تتعلق بإحصاء المستحقين للتعويضات. 

بدورها، قالت مديرة منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة "يونسكو" أودري أزولاي: "آن الأوان للقضاء على استغلال البشر قضاءً مبرماً، والعمل من أجل الاعتراف في كل مكان بوجوب تمكين كل فرد من التمتع بحقه في الكرامة تمتعاً غير مشروط على قدم المساواة مع سائر الأفراد".

وأضافت أزولاي، خلال كلمة بهذه المناسبة: "لنتذكر اليوم ضحايا ومناضلي الماضي ليتسنى لأجيال المستقبل جعل ذكرى أولئك الضحايا والمناضلين مصدر إلهام لاكتساب الشجاعة اللازمة لبناء مجتمعات عادلة".

اعتراف دون تعويض

ورغم المطالب المستمرة من الجمعيات الإفريقية لتقديم الدول الأوروبية اعتذارات رسمية وتعويض أهالي الضحايا، اكتفت فرنسا بقانون يعترف بأن العبودية وتجارة الرقيق جريمة ضد الإنسانية، وهو التشريع الصادر قبل نحو عقدين والذي تحتفل بإقراره في 10 مايو سنويا.

وجدد القانون الفرنسي الأمل لدى الأفارقة في طي صفحة 150 عامًا من إنكار جرائم الدول الأوروبية، التي أودت بحياة آلاف الرجال والنساء في المستعمرات الإفريقية، لكن باريس اكتفت بالاعتراف دون تقديم اعتذار أو دفع تعويضات.

بدورها أنشأت الولايات المتحدة الأمريكية، المتحف الوطني لتاريخ وثقافة الأمريكيين الأفارقة في واشنطن عام 2003، كما أسست لجنة في الكونغرس للنظر في ملف التعويضات المالية.

وكذلك أسست البرازيل -التي استقبلت أكثر من 4 ملايين إفريقي على مدى أربعة عقود- مفوضية الحقيقة حول العبودية، لوضع برنامج عمل للحكومة من أجل إقرار تعويضات للضحايا. 

ضحايا العبودية

وتقدر دراسات إفريقية، عدد ضحايا العبودية بنحو 40 مليون شخص، تم نقلهم عنوة بواسطة فرنسا وبريطانيا وألمانيا وإسبانيا وهولندا وبلجيكا، من بلادهم لاستخدامهم في تعمير قارتي أمريكا الشمالية والجنوبية قبل نحو 200 عام.

وتستند الدول الإفريقية في مطالبها بالتعويض المادي، إلى الاعتذار الذي قدمته ألمانيا لدولة نامبيا عن جرائم الإبادة الجماعية التي ارتكبها الجنود الألمان ضد قبائل "هيريرو وناما" أثناء الاستعمار الألماني لتلك الدولة الصغيرة. 

وكانت الدول الإفريقية أطلقت في عام 1999 دعوات لمطالبة الدول الاستعمارية الأوروبية، بتعويضها عن جرائم استعباد السود وتدمير بلادهم، مقدرة تلك التعويضات بنحو 777 تريليون دولار أمريكي.

وفي يوليو 2021، قالت مفوضة الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان ميشيل باشيليت، أمام المجلس الأممي، إن وراء العنصرية والعنف العرقي اليوم يختبئ الاعتراف الرسمي بمسؤوليات الدول والأطراف الأخرى، التي شاركت أو استفادت من الاتجار في الأفارقة المستعبدين عبر الأطلسي.

ودعت باشيليت إلى تحقيق العدالة التعويضية، لكل من تعرضوا لتلك الجرائم من مجموعات وعائلات حرموا من حقوقهم وحياتهم، مؤكدة أن الدول الغربية مطالبة بمجابهة موروثات الماضي وجبر الضرر، من أجل النهوض بالعدالة العرقية والمساواة في سياق القانون. 

بدورها قالت، الأكاديمية الفرنسية المشاركة في تأسيس فرع فرنسا لجمعية "بلاك هيستوري مانت" مابولا سوماهورو، إن بلادها حققت تقدمًا على المستوى الرمزي، لكن تحقيق العدالة لأحفاد من تعرضوا لجريمة الرق، لا يتم بالسرعة الكافية.

وأضافت سوماهورو، في تصريح لوكالة الأنباء الفرنسية "فرانس برس" في مايو الماضي: "نعم فرنسا لديها ضيق كبير من هذه الفترة من تاريخها، لكنها لم تتحرك باتجاه إقرار التعويضات المالية، كما فعلت دول أخرى مثل الولايات المتحدة".

تبعية تاريخية

بدوره، قال، رئيس وحدة الدراسات الإفريقية بمركز الدراسات المستقبلية (غير حكومي، مقره القاهرة) الدكتور محمد عبدالكريم، إن فرنسا بدأت تجارة الرقيق مبكرًا، عبر شركة غرب إفريقيا الفرنسية منذ القرن السابع عشر، وبالتالي تتحمل عبء 3 قرون من التجارة في الرقيق الأسود.

وأضاف عبدالكريم في تصريح لـ«جسور بوست»، أن الدول الإفريقية تطلب تعويضات بشكل رسمي، مقابل تهرب الدول الأوروبية، نظرا لتعقيد وتشابك هذا الملف وضخامة أموال التعويضات وأحقية المتضررين في الحصول عليها.

وأوضح: "من الأفضل أن ترفع الدول الإفريقية مطالب أفضل من الناحية التكتيكية، أبرزها تحسين العلاقات الإفريقية الفرنسية، والحصول على مكاسب أكثر واقعية نظرا لصعوبة الحصول على تعويضات مالية".

ولفت إلى أن المشكلة الأكبر في علاقات الدول الإفريقية بالدول الاستعمارية يغلب عليها التبعية، حيث ما زالت الدول الكبرى تنهب خيرات إفريقيا وتسيطر على قرارها السياسي والاقتصادي. 

ومضى قائلا: "الدول الاستعمارية كانت تحصل على العبيد الأفارقة عبر وكلاء محليين، وهناك قبائل وقيادات إفريقية كانت تعمل في جمع وبيع الرقيق من خلال البعثات التابعة للشركات الأوروبية".

وأضاف عبدالكريم: "هذا الإرث ضخم ويكبل العلاقة بين الأفارقة السود والأوروبيين البيض، لكن الحديث عن اعتذارات وتعويضات يظل غير منطقي بسبب كثرة الضحايا".

واختتم حديثه قائلا: "الأفضل الحديث عن علاقات حقيقية تضمن للأفارقة الاستفادة من خيراتهم دون نهبها وتحقيق تنمية اقتصادية وإنسانية في القارة السمراء".


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية