الخبير اللبناني عماد رزق لـ«جسور بوست»: "صوامع القمح" الشاهد الصامت يلفظ أنفاسه الأخيرة (1-2)

الخبير اللبناني عماد رزق لـ«جسور بوست»: "صوامع القمح" الشاهد الصامت يلفظ أنفاسه الأخيرة (1-2)
عماد رزق

 "صوامع القمح اللبنانية" شيدت قبل نحو 5 سنوات على الحرب الأهلية، التي استمرت بين عامي 1975 و1990، لتكون هدفا شبه يومي للاستهداف والقصف، لكن أنينها صدح مع انفجار مرفأ بيروت قبل عامين، ليوشك الشاهد الصامت على لفظ أنفاسه الأخيرة في لبنان.

وفي مفارقة حزينة، تزامن انهيار أجزاء من "صوامع القمح" مع الذكرى الثانية لانفجار مرفأ بيروت في لبنان، ليفتح أبوابا من الشكوك والتساؤلات بشأن مصيرها، لا سيما في ظل عدم الانتهاء من تحقيقات الانفجار.

والثلاثاء، انهار الجزء الشمالي من صوامع القمح في المرفأ، ليتدمر قطاع واسع منها، باستثناء جزء صغير لا يزال صامداً، فيما فشلت جميع محاولات سحب الحبوب المخزّنة فيها بسبب التصدّع الذي طالها، بشكل يمثل خطورة على سلامة أي عملية تدخّل، وفق مصادر رسمية.

ويصنف انفجار مرفأ بيروت في أغسطس 2020 بأنه رابع أقوى انفجار بالعالم، وأشبه بالقصف الذري على "هيروشيما وناجازاكي"، إذ أسفر في حينها عن أكثر من 220 قتيلا و7 آلاف جريح، إضافة إلى أضرار مادية هائلة طالت أجزاء واسعة من العاصمة اللبنانية. 

ولا تزال التحقيقات في انفجار المرفأ متوقفة منذ ديسمبر 2021، على وقع التدخلات السياسية والحصانات الممنوحة لوزراء سابقين ونواب حاليين، واعتراض قوى سياسية نافذة على قاضي التحقيقات طارق بيطار، ما يثير غضبة الشارع اللبناني الطامح إلى إجلاء الحقيقة.

وبحسب تقديرات رسمية، فإن الانفجار وقع في العنبر رقم 12، الذي كان يحوي نحو 2750 طنا من مادة "نترات الأمونيوم" شديدة الانفجار، كانت مصادرة من إحدى السفن ومخزنة منذ عام 2014. 

وظلت صوامع القمح في مرفأ بيروت منذ تشييدها بين عامي 1968 و1970 تشكل مخزن الاحتياطي الإستراتيجي للأمن الغذائي في لبنان، إذ تضم 48 مخزنا لحفظ نحو 120 ألف طن من الحبوب.

ودمر الانفجار جزءا كبيرا من صوامع القمح الوحيدة في البلاد، والتي كانت تؤمن حوالي 85% من المخزون الإستراتيجي للحبوب، كما اندلع حريق في الصوامع استمر قرابة 3 أسابيع ليعجل بكتابة السطور الأخيرة. 

والغبار الذي غطى قسما من المرفأ بعد انهيار أجزاء خرسانية ضخمة من الصوامع مؤخرا، أطاح بمطالب أهالي ضحايا الانفجار ببقائها في موقعها إلى حين الانتهاء من التحقيق المتجمد، إذ يرى البعض أن مساعي هدم الصوامع المتهالكة تهدف إلى طمس معالم الجريمة.

"جسور بوست" حاورت مدير الاستشارية للدراسات والتواصل الإستراتيجي في لبنان، والأكاديمي المختص في العلاقات الدولية وإدارة الأزمات الدكتور عماد رزق، لإجلاء الحقائق بشأن تداعيات الحادث الأضخم في تاريخ البلد العربي المأزوم.

هل ترى شبهة جنائية وراء انهيار صوامع القمح بمرفأ بيروت، خاصة مع الحديث عن وجود نوايا لطمس الحقائق في تحقيقات حادث الانفجار؟

 ** في البداية حتى يتضح الأمر، فإن صوامع القمح تأسست بين عامي 1968 و1970 بدعم خليجي من دولة الكويت، ومنذ ذلك الوقت وهي تشكل الاحتياطي الإستراتيجي للأمن الغذائي في لبنان، إذ تضم 48 مخزنا يسع لأكثر من 120 ألف طن من الحبوب، ما يؤمن حوالي 85% من احتياجات البلاد.

ومع الحرب الأهلية بين عامي 1975 و1990 كانت صوامع القمح تتعرض لقصف صاروخي شبه يومي من الفصائل المتحاربة، ما أدى لتضرر جزء كبير منها، ولكن مع جهود الإعمار بعد انتهاء الحرب جرى ترميمها وإعادة استخدامها، حتى يوم الانفجار الكبير للمرفأ يوم 4 أغسطس 2020.

ووفق المعلومات الرسمية، كان يوجد في الصوامع يوم الانفجار حوالي 45 ألف طن من الحبوب، وتمكنت الدولة من استعادة حوالي 20 ألف طن منها، بينما تعذر استخراج المتبقي الذي استقر داخل الصوامع الخرسانية.

ومن خلال الصور الجوية التي التقطت للحظة انفجار المرفأ، يمكننا الاستنتاج بأن مبنى صوامع القمح كان له الفضل الأساسي في امتصاص قوة الانفجار، بسبب هذه الكتلة الخرسانية التي امتصت الضغط الكارثي، واستطاعت أن تحمي أكثر من نصف العاصمة بيروت، وبالتالي خففت من حجم الدمار الناجم عن الانفجار الذي كان يوازي قنبلة ذرية صغيرة.

وبالنظر إلى هذه المعطيات، فإن المعلومات الرسمية تشير إلى انحراف الصوامع يوميا بنسبة 0.57 مللي متر بسبب الارتفاع، ما ينذر بتهاوي وسقوط هذا المبنى الخرساني، لا سيما وأن تكلفة إعادة ترميمه مرتفعة جدا وغير مضمونة النتائج، بسبب تسريب المياه إلى قواعده وتفكك البنية الخرسانية داخله.

وما سبب عدم التدخل لإطفاء الحرائق التي اندلعت مؤخراً في صوامع القمح بالمرفأ؟

**اندلاع الحرائق داخل الصوامع مؤخرا نشب بشكل متقطع على مدى أكثر من 3 أسابيع، وجاء بسبب تعرض المخزون من الحبوب بفعل ارتفاع درجات حرارة الطقس إلى التخمر، ما أسفر عن خروج نوع من الغازات السامة، إلى جانب أن إطفاء الحرائق بالمياه كان سيؤدي أيضا إلى التعفن والتخمر للحبوب، وبالتالي زيادة الحرائق دون إخمادها كما يعتقد البعض.

ولذلك أعلنت وزارتا البيئة والصحة في لبنان عن إرشادات وقائية للحفاظ على السلامة العامة وتجنب أية مشاكل صحية محتملة ناتجة عن الغبار المتصاعد عن الحرائق والمحمل بغازات سامة.

كما نبهت الجهات المعنية أنه في حال حصول أي انهيار أو سقوط أجزاء من الصوامع، فسينبعث غبار مكون من مخلفات البناء وبعض الفطريات من الحبوب المتعفنة وسينثر في الهواء ويضر بصحة المواطنين.

 

هل لم تكن هناك أي فرصة للاحتفاظ بمبنى صوامع القمح في مرفأ بيروت، حتى ولو على سبيل أن يكون نصباً تذكارياً؟ 

**مؤخرا، الأمور أصبحت تشبه الدوامة بين اندلاع حرائق متواصلة، وتفكيك بين الحديد والباطون (الخرسان)، وبالتالي تنامي الاحتمالات بأن الانحراف اليومي لمبنى الصوامع سيزداد ومن ثم سينهار، إلى جانب أن تكلفة الترميم أو إعادة البناء مرتفعة لدرجة لن تتحملها الدولة اللبنانية التي تعاني ركودا في جميع القطاعات الاقتصادية وانهيارا على كافة المستويات.

والدليل على ذلك أنه حتى هذه اللحظة هناك عجز في رفع المخلفات الناجمة عن انفجار المرفأ قبل نحو عامين، والجميع يعلم أن هناك أكثر من 50 حاوية بداخلها مواد كيميائية عجزت الدولة اللبنانية عن تمويل عملية إخراجها من المرفأ، وبالتالي فإن الهيئة العليا للإغاثة في لبنان (ﻫﻴﺌﺔ اﺴﺘﺸﺎرﻴﺔ تضم ﻤﻨدوﺒﻴن ﻋن اﻟﻤﻨظﻤﺎت واﻟﻬﻴﺌﺎت اﻟﻌﺎﻟﻤﻴﺔ) هي التي قامت بدفع أكثر من 3 ملايين دولار إلى شركة ألمانية للقيام بهذه المهمة، والتي كانت تشكل تهديدا مباشرا على صحة سكان بيروت والأمن القومي اللبناني.

 

في الحلقة الثانية يتحدث الخبير اللبناني البارز عماد رزق عن الأسباب المحلية والدولية التي تقف وراء تعطل تحقيقات انفجار مرفأ بيروت...


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية