«ميليشيات إلكترونية» تدافع عن المصالح الغربية!

«ميليشيات إلكترونية» تدافع عن المصالح الغربية!

يتفق عديد الأكاديميين والخبراء والمسؤولين السياسيين، فى معظم بلدان العالم، على أن الوسط الاتصالى العالمى الراهن ينطوى على قدر من العطب، ويتسم بقابلية للاختراق والتزييف.

ولذلك، فنحن لا نفاجأ عادة عندما ينطوى الخطاب السياسى المتبادل، فى أتون الأزمات والمعارك الثنائية والدولية، على قدر غير قليل من الاتهامات بشأن إساءة استخدام وسائل الإعلام والاتصال.

وفى الغالب، فإن اللوم يُلقى على عاتق بعض المستخدمين «من ذوى الأغراض الشريرة»، أو هؤلاء الذين لا يتمتعون بقدر مناسب من الثقافة الإعلامية، التى تمكنهم من تجنب تأثير حملات الدعاية السوداء وطوفان الأخبار المضللة.

وقد تأخذ بعض الانتقادات والاتهامات منحى آخر عندما تسلط الضوء على «الجماعات الإرهابية» أو التنظيمات التى تتخذ سندا أيديولوجيا، أو حتى بعض الدول بعينها، وعادة ما تكون تلك الدول عرضة فى الأساس لحملات تلطيخ السمعة أو الاستهداف على خلفية صراعات إقليمية ودولية.

وستكون روسيا، فى هذا الإطار، محلا لعديد الانتقادات، التى توجه لها الاتهام باستخدام الأسلحة السيبرانية والإعلامية للتأثير فى الرأى العام، وسيتم تقديم أدلة عديدة فى هذا الصدد تثبت التورط الروسى فى الدعاية المواكبة للانتخابات والأحداث الكبرى فى بلدان الغرب الرئيسية.

لكن أخبارا جديدة ترد لتوضح أن العوار الذى ينطوى عليه الوسط الاتصالى العالمى ليس صنيعة «المستخدم السيئ أو الساذج» فقط، ولا التنظيمات الأقل من الدولة ذات الأغراض المشبوهة وحدها، ولا الحكومات المستبدة والديكتاتوريات الظلامية فقط، ولكن أيضا بعض الحكومات التى تُعرف بوصفها ديمقراطية ومناصرة لقضايا الحريات وحقوق الإنسان تتورط فى إنتاج هذا العوار وتعميقه.

ويوم أمس الأول الجمعة، نشرت «بى بى سى» تقريرا مهما أفاد بأن شركتى «تويتر» و«ميتا» (التى تدير موقعى «فيس بوك» و«إنستجرام»)، أعلنتا رصدهما «حملة تروج للمصالح الغربية على منصاتهما»، وأنهما قامتا بإلغاء عشرات الحسابات التى تم استخدامها فى تلك الحملة، وهى حسابات ثبت أنها تنطلق من الولايات المتحدة الأمريكية والمملكة المتحدة، وتستهدف مناطق أخرى بعيدة من بينها منطقة الشرق الأوسط.

لدينا إذن دليل على رصد حملات منظمة ومنهجية تروج للمصالح الأمريكية على وسائط «التواصل الاجتماعى» الرئيسية، وأن تلك الحملات تنشط فى بلدان غربية متقدمة تحكمها حكومات ديمقراطية، لطالما نددت بالاختراقات الدعائية للوسط الإخبارى الناشط عبر المنصات الرائجة الجديدة.

ورغم أن شركتى «تويتر» و«ميتا» لم تقطعا بأن تلك الحملات تُدار لمصلحة الحكومتين الأمريكية والبريطانية أو بواسطتهما، فإن المكان الذى تنطلق منه هذه الحملات، والهدف الذى تسعى لتحقيقه، كفيلان بتوضيح أن فاعلا جديدا ينضم إلى قائمة المتهمين بإساءة استخدام الوسط الاتصالى العالمى، وأن هذا الفاعل يستخدم الآليات نفسها التى برع فيها «المستخدمون السيئون»، وعلى رأسها الحسابات المزيفة و«الميليشيات الإلكترونية».

لقد منحتنا وسائل «التواصل الاجتماعى» فرصا عديدة حين قصرت المسافات، وسهلت الاتصالات، ونقلت الأفكار والصور، وعززت مفاهيم الحداثة، لكن فى مقابل هذه الميزات والفرص الكبيرة ظهرت المخاطر الفادحة، ومنها خطر الخضوع لتأثير «الميليشيات الإلكترونية»، التى تستخدمها بعض الأطراف كأداة للدعاية وللتعبئة والحشد والاغتيال المعنوى وإشاعة الأكاذيب فى كثير من الأحيان.

والواقع أنه لا يمكن فصل المحتوى الإخبارى المقدم عبر مواقع «التواصل الاجتماعى» عن المحتوى الدعائى بسهولة، إذ تنشط «الميليشيات الإلكترونية»، فى عملية تسميم المحتوى الإخبارى على الشبكة وتحقق نجاحات كبيرة.

تقوم «الميليشيات الإلكترونية» بشن حملات لشيطنة أطراف معينة، امتثالا لأوامر مموليها، كما تقوم أيضا بحملات دعاية وترويج ومدح للحلفاء والأنصار.

لقد تحول الفضاء الإلكترونى، خصوصا فى صفحات «السوشيال ميديا»، إلى ميدان تضاغط وصراع، وهو ميدان لا تتورع عن النزال فيه حكومة ديمقراطية أو مستبدة، أو منظمة مدنية أو جماعة إرهابية، أو حتى رجال أعمال وأصحاب مصالح، وبسبب تفشى أثر تلك اللجان، فإن الدور الإخبارى لوسائل «التواصل الاجتماعى» يظل محل شكوك عميقة.


نقلا عن العربية


كاتب المقال: ياسر عبدالعزيز كاتب ومدرب ومستشار في مجالات الاتصال والإعلام. عمل مستشاراً ومدرباً لدى هيئة الإذاعة البريطانية في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية