الطريق إلى السعادة

الطريق إلى السعادة

ما هي السعادة؟

إذا رجعنا إلى الفلاسفة اليونانيين سنجد أرسطو يربط بين السعادة وفعل الخير وتحقيقه، وعنده أن الفضيلة تقود إلى السعادة، هذا نجده بالتفصيل في كتاب “الأخلاق إلى نيقوماخوس”، أهم الدراسات التي قام بها أرسطو في مجال الأخلاق، بما فيها السعادة، ويؤكد أرسطو -بشكل واضح- مركزية الصداقة في السعادة الإنسانية.

 

أما عند أفلاطون فنجد صدى السعادة بين سطور، “جمهوريته” الخالدة، والسعادة عند أفلاطون ليست شأناً شخصياً بقدر ما هي قضية تتعلق بالمدينة ككل، وعليه لا يمكن تحقيق السعادة في جمهورية أفلاطون بصورة شخصية، بل جماعية، ولهذا يقول: “إنما كان هدفنا أن نكفل أكبر قدر ممكن من السعادة للدولة بأسرها، فالسعادة إذن هنا هي سعادة المدينة ككل، والتي تتحقق بالانسجام بين جميع أطرافها وشرائحها”.

 

من بين أفضل الكتب والكتابات التي صدرت باللغة العربية في هذه المنطقة، يأتي كتاب عميد الأطباء النفسيين في مصر الدكتور أحمد عكاشة والذي يحمل عنوان: “الطريق إلى السعادة”.

 

يرى البروفيسور عكاشة أنه من الواجب على الدولة أن يكون هدفها هو إسعاد المواطن ولا يوجد أي وطن في العالم غير الولايات المتحدة الأمريكية ينص دستورها على أن الدولة يجب أن تسعى إلى إسعاد المواطن، وبالطبع يقصد بهذه الجملة الاهتمام بالبنية التحتية للدولة من توفير المسكن، الطعام، المواصلات، سيادة الأمن، التعليم والصحة.

 

يتواكب مفهوم السعادة علمياً مع الصحة النفسية، وجودة الحياة، ورضا النفس والنفس المطمئنة، والفضيلة، وراحة البال، والقدرة على الحب.

 

هنا تبدو السعادة عملية عقلية، والعدوى بها واضحة في الابتسامة والضحك، ولنا مثل في نوادي الضحك بالهند، حيث تدخل وتجد الكل يضحك دون سبب، وتجد نفسك بعد دقائق تضحك معهم دون سبب.

 

لقد تمكن العلم من اكتشاف الشبكات العصبية المخية الكهروكيميائية المسؤولة عن التعاسة بكافة أنواعها من اكتئاب، قلق، وسواس قهري، هلع، هوس، الفصام والاضطرابات البارانويدية، إلخ، إلخ، مع وجود العلاجات المختلفة كتنظيم الخلل الموجود في الشبكات المخية الكهروكيميائية سواء بالعلاج المعرفي أو الدوائي أو تنظيم إيقاع المخ الكهربائي.

 

ولكن حتى الآن لم نعرف المعادلة الكيميائية للسعادة، نعم نعرف الموصل الكيميائي للبهجة، ونعرف الموصل الكيميائي للطمأنينة ولكن للسعادة نتمنى اكتشاف تنشيط الشبكة العصبية المسؤولة عن ذلك، يقول البروفيسور عكاشة.

 

يؤكد صاحب هذا العمل الخلاق أن حلاوة الأمل هي مقياس لسعادة الإنسان وجودة الحياة، فبدون الأمل تنعدم الحياة ويتوقف الزمن، وينتهي التمتع بمباهج الحياة، وعنده أن العلاقة واضحة بين الأمل وطول الحياة، فالأمل يعطي القوة والمناعة لمقاومة المرض والبقاء على قيد الحياة.

 

تبدو السعادة والرضا هما مغنم وهدف لكل إنسان، والأمل يبدأ من الطفولة ولا يتوقف، فالإنسان الذي يتمتع بصحة نفسية سوية هو القادر على إيجاد الأمل حتى في سن التسعين، وفقدان الأمل معناه الموت أو الانتظار، فالأمل يعطي الهدف، ووجود الهدف يعزز قوة الفرد والشعوب، وعندما يتوحد الأمل في الشعب يبدأ المواطن العمل بروح الفريق، ويبذل الجهد لانتمائه للوطن، ويضحي في سبيل هذا الأمل، بل يختفي إيثار الذات ويصبح الشعب يعمل في نغم موحد وتنقلب السحنة الاكتئابية إلى ابتسامة عليها الأمل.

 

هل من حدود أو تداخلات بين الصحة النفسية والسعادة النفسية؟

 

مرة أخرى -وبحسب المؤلف- تختلف الآراء وهي تواجه علامات الاستفهام هذه.. فهناك من ينادي بأن الصحة النفسية هي التوافق مع المجتمع في القيام بالمسؤولية والإنتاج. غير أن هذا غير صحيح.. فلو كانت الصحة النفسية كذلك لما ظهر الفنانون والمخترعون والعلماء.. إن هؤلاء عادة يخالفون المجتمع وتقاليده.. وهكذا فإن التوافق مع المجتمع يلغي تماماً التطور.

 

ويقول البعض الآخر: الصحة النفسية هي القدرة على العطاء والحب دون انتظار لمقابل. ويفسرها البعض الآخر إنها التوازن بين الغرائز والرغبات الخاصة، والذات والضمير، وأحياناً نعرف الصحة النفسية على أنها القدرة على التأرجح بين الشك واليقين.

 

وفي كل الأحوال فإن أساس السعادة النفسية هو إحساس الفرد بانتمائه إلى أسرة.. عقيدة.. مجتمع.. وطن.. فالإنسان لا يشعر بالسعادة إلا إذا حقق ذاته.. وتحقيق الذات لا ينبع من الامتلاك ولا من المال.. ولا من القوة.. ولا حتى السيطرة، ولكن ينبع من أساس أنه يخدم فكرة معينة.. ينتمي إلى شيء مع من حوله، وأن امتداده سيستمر حتى بعد وفاته.. ولا يمكن أن يحدث ذلك إلّا بعملية الانتماء العقائدي الأسري، الديني، والإنساني الذي يَجُب كل الانتماءات.

 

لقد تقدم العلم وتطورت الحضارة.. واكتشفنا الكثير من أسباب المرض النفسي والعقلي.. وأصبحت مباهج الحياة ومغرياتها بلا نهاية.. واستغرق الإنسان في الاستمتاع بنهم بكل ما تصل إليه يده.. غير أن هذا لم يحل دون وجود المرض النفسي والعقلي.. ولم يكف الإنسان عن المعاناة أو التفكير في مأساته اليومية.

 

لقد ثبت أن العلم وحده عاجز عن إسعاد الإنسان.. لكن سوف يسترد الإنسان سعادته وسكينته إذا عاد إلى الإيمان.. والانتماء.

 

لقد ثبت أن خير وسيلة لمقاومة القلق والاكتئاب هي أن يعيش الفرد في نسيج اجتماعي صحي وأن يسعد بالإنجاز.

 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية