بعد التضخم والاحتجاجات وغلق المصانع.. هل انتهى العصر الصناعي الألماني؟

بعد التضخم والاحتجاجات وغلق المصانع.. هل انتهى العصر الصناعي الألماني؟

تحديات ضاغطة تواجهها أوروبا كلما اقترب فصل الشتاء، خاصة ألمانيا التي بات اقتصادها على الحافة، بعدما كانت تُعد الاقتصاد الأوروبي الأقوى، إلا أنها تعاني.. فهل انتهى العصر الصناعي الألماني؟

ويتصاعد الاستياء الشعبي مع تفاقم تبعات الحرب الأوكرانية لا سيما الاقتصادية منها، حيث تسجل معدلات تضخم مرتفعة مع شح في مصادر الطاقة وخاصة الغاز، مما يدفع بتلك الاقتصادات نحو الركود، بفعل حرب أوكرانيا، وما خلفته من عقوبات متبادلة ما بين الغرب وروسيا.

وفي أحدث مؤشرات تزايد الضيق الشعبي في ألمانيا تجمع عشرات الآلاف من المحتجين في 6 مدن، للمطالبة بالمزيد من العدالة في توزيع المخصصات الحكومية للتعامل مع ارتفاع أسعار الطاقة وتكاليف المعيشة، وبالتحول سريعا نحو وقف الاعتماد على استخدام الوقود الحفري.

ووفقًا لوسائل إعلامية نظم المحتجون مسيرات حاشدة في برلين ودوسلدورف وهانوفر وشتوتغارت ودريسدن وفرانكفورت، رافعين لافتات تحمل مطالبات بخفض التضخم وإيقاف محطات الطاقة النووية وزيادة دعم أسعار الطاقة للفقراء.

غلق وخراب بيوت

على حسب ما أوردته تقارير متخصصة، تنذر المؤشرات الاقتصادية في ألمانيا بمشكلة كبيرة، بسبب ارتفاع فاتورة الطاقة، إذ زادت حالات إفلاس الشركات بنسبة 34 بالمئة في سبتمبر 2022 مقارنة بالشهر نفسه في العام السابق، فيما توقع معهد الأبحاث الاقتصادية الألماني IWH أن ترتفع حالات الإفلاس 40 بالمئة في نوفمبر. 

وتتوقع دراسة لمؤسسة "إليانس ترايد"، ارتفاع عدد الشركات التي ستشهر الإفلاس إلى 16100 شركة خلال عام 2023.

ونوه نائب رئيس اتحاد الصناعات الألماني، فولكر تراير، بأن ثمة تهديداً باحتمال فقدان ألمانيا عدداً كبيراً من الشركات، لا سيما في قطاع الصناعة، والبعض يتحدث حتى عن احتمال ألا تعود ألمانيا دولة صناعية في المستقبل القريب، علما أن ما شكّل قوة ألمانيا حتى اليوم هو كونها دولة صناعية.   

وأضاف في تصريحات إعلامية: "من المبالغ فيه أن نقول إن الاستثمارات توقفت، فالشركات ما زالت تستثمر لكن استثماراتها الآن تقلصت أكثر بكثير من قبل، وذلك بعد أزمة الطاقة وانقطاع الغاز الروسي". 

وعن أهم الصناعات التي تأثرت، أوضح تراير: "الشركات المنتجة للمواد الأساسية مثل الزجاج أو المواد الكيماوية أو الغذائية أغلقت بعض مصانعها، والبعض الآخر أغلق أبوابه تماما".

دعم الصناعة

قال رئيس قسم الاقتصاد بأكاديمية السادات للعلوم الإدارية، إيهاب الدسوقي، إن ما تسببت فيه الحرب الروسية-الأوكرانية قلبت الموازين، فبعدما كانت ألمانيا دولة عظمى والاقتصاد الأوروبي الأكبر، وصل بها الحال إلى ما يشبه الدول النامية، حيث توقفت بعض مصانعها وتقلصت استثمارها بسبب نقص الطاقة، ورغم أن الحكومة الألمانية تحملت زيادات الطاقة عن الأفراد فإن ذلك لم يشمل المصانع والشركات، وهذا يجعلهم يدورون في دائرة مفرغة، حيث اضطرت الشركات إلى شراء الطاقة بأسعار مرتفعة وعليه رفعت أسعار منتجاتها مما تسبب في معاناة المواطن من جديد.

وأضاف الخبير الاقتصادي في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست": تطالب المصانع والشركات بدفع فروق أسعار الطاقة والمرتبات، ولا حل إلا بدعم المصانع وإيجاد حل جذري لأزمة الطاقة، والمشكلة الأكبر أن تلك المشكلات تعاني منها أوروبا جمعاء بل والعالم، حيث خرجت المظاهرات الفرنسية تحمل المطالب نفسها، وكذلك في إسبانيا وغيرها، وهم حقيقية معذرون، فلم يعتد الشعب الأوروبي على مثل هذه المشكلات، أوروبا تفقد رفاهيتها وسيهربون هذا الشتاء إلى المدن الأدفأ، وهذه فرصة عظيمة أمام الدول العربية في “عمل سياحة طويلة الأجل”، يستمتعون بالدفء والشمس ووفرة الغاز وستكون التكلفة أقل عليهم، ويجب على العرب استغلال الأزمة جيدا.

وتابع: حاولت ألمانيا مواجهة الأزمة فبدأت في استخدام الفحم ثانية، حاولت جلب الهيدروجين الأخطر من كندا، كما لجأت إلى دول عربية مثل مصر، المشكلة ليست سهلة وستستمر حتى إيجاد حل جذري لأزمة الطاقة.

آثار سلبية على الفقراء ومحدودي الدخل

أكد أستاذ الاقتصاد، وعميد كلية التجارة جامعة الأزهر الدكتور، محمد يونس، أن الحرب الروسية ألقت بظلالها على كل دول العالم المتقدم والنامي على حد سواء وإن اختلفت الدرجات، وبصورة خاصة على دول حلف الناتو وفي مقدمتها ألمانيا، حيث تعتمد الصناعة لديها على الطاقة الروسية والأوكرانية، والتي أثرت لديهم على جميع مناحي الحياة وليست الصناعة فقط، يساهم في ذلك الارتفاع الجنوني للطاقة الأمريكية البديلة.

وأضاف يونس: في الوقت الذي يتجه فيه العالم إلى مواجهة التغيرات المناخية وتحويل الصناعات إلى صناعات واستثمارات خضراء، عادت ألمانيا إلى استخدام الفحم اضطرارًا ولن ينجزها كبديل للطاقة البترولية، إنتاجية الفرد ستنخفض وكذلك الناتج المحلي، كما سترتفع الأسعار تباعًا، مما يؤدي إلى عجز في الموازنة العامة لاضطرارها إلى استيراد طاقة من دول أخرى بأسعار جنونية مثل فنزويلا، وسيضار الفقراء ومحدودو الدخل في هذه الدول وكذلك الدائنون.

وأردف: أمريكا بمثابة الشيطان الذي يعظ، ففي حين تتسبب في ارتفاع وتيرة الحرب وتعاني بسببها الدول الأوروبية، لا تقدم أمريكا يد العون إليهم، على العكس تستغل الأزمة في رفع أسعار الطاقة عليهم، وهو ما تسبب في إبداء بعض الدول الأوروبية استياءها بسبب ذلك، الضحية هنا دول حلف الناتو.

وأكد أستاذ الاقتصاد أنه لا حل إلا بخفض وتيرة الحرب ورجوع الأمور إلى نصابها مرة أخرى، فإذا نشبت حرب نووية فسنعود إلى ما قبل التاريخ.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية