أزمة المياه في فلسطين.. حقوق ضائعة.. وملايين يهدد حياتهم "العطش"

أزمة المياه في فلسطين.. حقوق ضائعة.. وملايين يهدد حياتهم "العطش"

فلسطين- أحمد حرب

المياه تنعش المستوطنات الإسرائيلية وتزيد من إفقار المزارع الفلسطيني

مزارعون فلسطينيون: إسرائيل تستخدام المياه كسلاح لتهجيرنا من أراضينا

صوافطة: المياه المتاحة لنا لا تكفي لري المحاصيل الزراعية

فقها: المستوطنات الإسرائيلية تحصل على أضعاف المسموح للقرى الفلسطينية 

حمدان: البعض يستخدم المياه الملوثة بمياه المجاري بسبب القيود الإسرائيلية

 

لا يحلم المزارعون في من دول العالم سوى بالقدرة على زراعة أرضهم وغرس أشجارها وجني ثمارها بعد كد وتعب.. لكن في فلسطين وتحديدا في الضفة الغربية، وبينما يتواصل صوت الرصاص على إثر اشتباكات "متصلة ومنفصلة" ما بين الجيش الإسرائيلي والشبان الفلسطينيين، تواصل الأرض استغاثتها في صوت مكتوم، ويئن مزارعوها من ضيق الحال وقلة المياه، التي تذهب إلى المستوطنات الإسرائيلية، بحسب ما قاله بعض المزارعين لـ"جسور بوست".

يحكي المزارع الفلسطيني ضرار صوافطة، (البالغ 50 عاما)، من قرية كردلة، عن أبرز المشكلات التي تواجههم كمزارعين فلسطينيين، قائلا: "إخوتي لديهم 100 دونم من الأراضي الزراعية، وما هو مزروع منها 50 دونما فقط، بسبب حرمانهم من المياه التي تصل إلى أراضيهم من قبل إسرائيل، فيما تمنعهم من حفر الآبار والبرك المائية لري مزروعاتهم".

ويضيف في تصريحات لـ"جسور بوست": “نحن نعيش في القرية على 150 كوبا من المياه يفترض أن تكفي الجميع يوميا،و هي كمية قليلة جدا، وعدم وصول المياه لأراضينا ومحاصيلنا الزراعية ولبيوتنا يعتبر تعذيباً ممنهجاً”، مشيرا إلى أن "إسرائيل من خلال سياسة الحرمان من المياه للقرى الفلسطينية تحاول تهجرينا وعدم تمكيننا في أراضينا وتركها؛ لتدفعنا للعمل في المستوطنات في المجال الزراعي".

انتعاش المستوطنات

ويصف المزارع محمد فقها، واقع المزارع في القرية والأغوار الفلسطينية، قائلا: “في قرية بردلة في الأغوار يوجد بئران من المياه تنتجان 3000 كوب، يذهب إلى المستوطنات الإسرائيلية منها نحو 2600 كوب، ولصالح ثلاث قرى فلسطينية نحو 350 كوباً من المياه، هذه المعادلة دفعت كثيراً من المزارعين إلى ترك أراضيهم بدون زراعة أو الاتجاه نحو الزراعة البعلية، مما انعكس على حياتهم وأسرهم ومدخلاتهم اليومية”.

وقال فقها لـ"جسور بوست"، إن إسرائيل تمنع الفلسطينيين من حفر الآبار وهذه السياسة أضرت بالمزارعين والأراضي الزراعية في الأغوار ونابلس والخليل وغيرها من المدن الفلسطينية، مشيرا إلى أن نسبة الأراضي المزروعة من 20- 25% من مجمل الأراضي في القرى الفلسطينية وذلك نتيجة قلة المياه وعدم وجود الآبار.

ونوه إلى أن السياسة الإسرائيلية قائمة على إنعاش المستوطنات الإسرائيلية المحاذية للقرى الفلسطينية من خلال إمدادها بالمياه والعمال الفلسطينيين الذين فقدوا الأمل في زراعة أراضيهم بسبب قلة المياه الواصلة لهم.

سلاح للتضييق على الفلسطينيين

وفي السياق، يقول مسؤول ملف المياه في السلطة الفلسطينية، شداد العتيلي، إن قضية المياه بالأصل هي حق من حقوق الشعب الفلسطيني وتأجيل الملف إلى مفاوضات الوضع النهائي بين الفلسطينيين والإسرائيليين يعتبر حرماناً لكل الفلسطينيين وليس فقط المزارعين، مشيرًا إلى أن الإسرائيليون يستخدمون المياه كسلاح للتضييق على الفلسطينيين ودفعهم إلى القبول بالتهجير والارتهان لهم.

وقال العتيلي لـ"جسور بوست"، إن إسرائيل تحرم الفلسطينيين من الوصول إلى نهر الأردن منذ عام ١٩٦٧، كما أن اتفاقية أوسلو عام 1994 منحت 15% فقط من المياه للفلسطينيين وأبقت 85% منها للجانب الإسرائيلي، وفرضت الاتفاقية ما يسمى باللجنة المشتركة،  والتي تحكم على الجانب الفلسطيني تقديم أي مشروع للمياه سواء حفر آبار أو بناء شبكات أو محطات معالجة للجنة المشتركة للمصادقة عليها، وقد استخدمها الإسرائيليون كفيتو على حفر الآبار وأيضا على المشاريع الفلسطينية.

وكشف العتيلي، عن أن متوسط الاستهلاك المنزلي للمستوطن الوحد يصل يوميا إلى نحو 300- 600 لتر مقارنة بنحو 70- 80 لتراً فقط للفلسطيني، وفي غور الأردن يستهلك نحو 11 ألف مستوطن قرابة ثلث المياه التي يستهلكها قرابة 3 ملايين فلسطيني في الضفة الغربية.

وأشار مسؤول ملف المياه في السلطة الفلسطينية، إلى أن إسرائيل تسيطر على قرابة 60% من مساحة الضفة الغربية ومنها الأغوار وتحرم الفلسطينيين من الوصول إلى مصادر المياه، مؤكدا على أن جدار الفصل العنصري عمق التضييق على المزارعين في طولكرم وقلقيلية، وحال بينهم وبين أراضيهم أو آبارهم.

ويرى العتيلي أن الإسرائيليين نجحوا في رهن الشعب الفلسطيني لشركة المياه الإسرائيليلة “ميكروت”، حيث "وصل شراؤنا للمياه قرابة 91 متراً سنويا منها قرابة 13 مترا لقطاع غزة”، موضحا أن إسرائيل تقاطع قرابة 130 مليون شيكل سنويا كغرامات على المجاري التي تسيل في الأودية وتدخل إلى الخط الأخضر، وقد وصلت الاقتطاعات من أموال المقاصة إلى ١.٢ مليار شيكل متر عام 2000.

وأشار إلى أن وضع مشاريع المياه الفلسطينية سيئ للغاية، حيث إن هناك أكثر من 130 مشروعا للبنية التحتية للمياه وأكثر من 24 لمشاريع المياه العامة لا تزال عالقة في لجنة المياه المشتركة، بالإضافة إلى تأخير استيراد المعدات وقطع الغيار للإمداد بالمياه ومحطة معالجة مياه الصرف الصحي.

لم يبقَ أي مصدر للمياه

وعن معاناة المزارعين الفلسطينيين في القرى نتيجة حرمانها من المياه، يقول رائد موقدي، من مركز أبحاث الأراضي، إن كثيراً من المزارعين أصبح لديهم توجه إلى زراعات النخيل والبعلية أكثر من الزراعات المروية، مشيرا إلى أن هذا التوجه أثر في نمط الزراعة الفلسطينية وأدى إلى زيادة تكلفة الإنتاج الزراعي الذي بدوره أدى إلى انحسار الكثير من الزراعات وتقنين المساحات المزروعة والهجرة من قبل المزارعين إلى قطاعات أخرى، وتحويلهم من مزارعين فعليين إلى عمال بالمستوطنات الإسرائيلية. 

ونوّه موقدي إلى أن السلطات الإسرائيلية لم تبقِ أي مصدر للمياه في القرى الفلسطينية إلا وحُرم الفلسطينيون منه، فبالإضافة للآبار والينابيع التي تم تجفيفها بسبب حفر آبار عميقة لشركة "ميكروت" حُرم المواطنون مما تبقى من الينابيع، مثل: عين الحلوة، وأم الجمال، والساكوت، من خلال السيطرة عليها بشكل كامل وتسييجها، ومن ثم مطاردة المواطنين والرعاة في حال اقتربوا منها.

الحد من قدرة المزارعين

من جهته، يوضح الباحث في شؤون المياه والاستيطان، وليد أبومحسن، أن الحرب أو السيطرة على المياه من قبل إسرائيل بدأت منذ عام 1967 حيث عملت السلطات الإسرائيلية وتعمل على السيطرة على كل مصادر المياه وخاصة الآبار، مشيرًا إلى أن معظم الآبار تم إغلاقها من قبل إسرائيل.

وأوضح أبومحسن في تصريحات لـ"جسور بوست"، أن الإجراءات الإسرائيلية أدت إلى الحد من قدرة المزارعين الفلسطينيين على استغلال مواردهم الطبيعية وخصوصا المياه، وإجبارهم على تعويض النقص بشراء المياه من شركة المياه "ميكروت"، حيث وصلت كمية المياه المشتراة للاستخدام المنزلي نحو 90.3 مليون متر مكعب عام 2020، والتي تشكل ما نسبته 20% من إجمالي المياه المتاحة التي بلغت 448.4 مليون متر مكعب.

طرد المزارعين

واعتبر مسؤول ملف المياه في قرية قريوت جنوب مدينة نابلس، بشار القريوتي، أن إسرائيل ومن خلال سياساتها الهادفة إلى طرد المزارعين الفلسطينيين من أراضيهم أصبحت تستهدف كل المناحي الحياتية التي يستخدمها المزارع في حماية أرضه، حيث تفرض السلطات الإسرائيلية سيطرتها الأمنية على مناطق المصنفة "ج" ويمنع دخول الفلسطينيين من استغلال أراضيهم حتى لاستصلاحها وحفر الآبار التي يستخدمها المزارع الفلسطيني للري والزراعة.

وأوضح القريوتي في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست" أن إسرائيل في الآونة الاخيرة منحت كل المصادر المائية التي يستخدمها المزارعون الفلسطينيون للمستوطنين مثل الينابيع والآبار، ويقومون بتدميرها وتلويثها، مشيرا إلى أن هناك نقصاً كبيراً في المياه في مناطق جنوب نابلس، وخاصة أن هذه المناطق تقع بين مستوطنات إسرائيلية تضخ لها المياه، ومقابل ذلك يحرم الفلسطيني من استخدام هذه المياه الجوفية التي عملت إسرائيل على حفرها من خلال شركة "ميكروت" ، رغم أن الخطوط تمر بالأراضي الفلسطينية، وتقوم ببيعها للفلسطينيين بكميات محدودة. 

وأضاف القريوتي، أنه في السنوات الأخيرة تراجعت الزراعة من قبل الفلسطينيين نتيجة ضعف المياه وانعدام الينابيع والآبار، وهي معضلة تعاني منها كل القرى الفلسطينية، بالإضافة إلى أن ثلث أراضي الفلسطينيين مصنفٌ مناطق "ج" لا يسمح لهم بدخولها أو زراعتها أو حفر الآبار بها، مشيرا إلى أن نقص وضعف المياه في أراضي المزارعين الفلسطينيين هو هدف إسرائيلي لفرض هيمنتها وسيطرتها على كل مناحي الحياة.

التأثيرات البيئة

وتزايدت التأثيرات البيئية على الصحة العامة بسبب عدم وصول المياه إلى القرى الفلسطينية حيث إن نقص مياه الشرب يدفع المواطن للبحث عن مصادر مائية قد تكون غير موثوقة لسد العجز، وهو ما يسبب العديد من الأمراض وخاصة للأطفال، إضافة إلى أن عدم توفر مياه كافية لدى المواطن يدفعه لاستخدام المياه الرمادية أو المياه الملوثة للزراعة، كما يقول سامي حمدان من مجموعة الهيدروجين الفلسطينيين. 

ومجموعة الهيدروجين هي منظمة فلسطينية غير حكومية تأسست في عام 1987، تركز على قضايا المياه والصرف الصحي، حيث تراقب وتحلل وتعد تقارير عن الحالة المتغيرة لنوعية المياه والصرف الصحي والوصول إلى المياه والتلوث والبنية التحتية.

وبيّن حمدان في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، أن نقص المياه بسبب القيود الإسرائيلية على حفر الآبار الجوفية يجبر المزارع الفلسطيني في القرى على استخدام المياه غير المعالجة في ري المزروعات ومنها الخضراوات، مشيرا إلى أنه في منطقة وادي الباذان والنصارية يستخدم عدد من المزارعين مياه الينابيع المخلوطة بمياه مجاري نابلس في ري مزروعاتهم، وقد تم تشكيل لجنة من قبل مجلس الوزراء للبحث في حلول لهذه المشكلة لكن حتى الآن بلا أي نتيجة.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية