حصاد الحريات.. 2022 عام الصراعات والتظاهرات والحقوق الغائبة في السودان

حصاد الحريات.. 2022 عام الصراعات والتظاهرات والحقوق الغائبة في السودان

 

السودان - الفاتح وديدي

ارتفع عدد ضحايا احتجاجات السودان في 2022 وبعد مرور أكثر من عام على اندلاع المظاهرات المطالبة بعودة الحكم المدني، إلى (120) قتيلاً، بالإضافة إلى 8050 جريحاً، بعضهم تغيرت حياتهم إلى الأبد بسبب الإصابة، فيما ما زال المئات ضمن عداد المفقودين، طبقاً للجنة أطباء السودان، وهو ما يكشف حجم ومؤشرات أزمة الحريات خلال المرحلة الحاسمة التي تمر بها البلاد.

الحق في التظاهر:

وأدانت الآلية الثلاثية، التي تضم كلا من الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي والهيئة الحكومية الإفريقية للتنمية (إيقاد) استخدام "القوة المفرطة" ضد المتظاهرين السودانيين، ودعت السلطات السودانية إلى التحقيق في مقتل وإصابة العشرات خلال الاحتجاجات المطالبة بالحكم المدني والديمقراطية وتقديم المسئولين عنها للعدالة بأسرع ما يمكن.

وطبقاً لبيان نشرته بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم المرحلة الانتقالية في السودان (يونيتامس)، فقد أكدت الآلية الثلاثية حق كل فرد في التجمع السلمي وحرية التعبير، مشيرةً إلى أن مبعوثي أطراف الآلية يواصلون العمل "من أجل استعادة فترة انتقالية مستدامة تسمح بتشكيل حكومة مدنية وديمقراطية وخاضعة للمساءلة، وذات مصداقية لتحقيق السلام والتنمية في البلاد".

من جهته، طالب مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، فولكر تورك، السلطات بضبط النفس، وإصدار التعليمات الواضحة لقوات الأمن باحترام حقوق الإنسان، مطالباً عناصر الشرطة والجنود بـ"عدم النظر إلى المتظاهرين كخصوم".

وبحسب تورك، فإنّ التقدم المهم الذي حصل بين عامي 2019 و2021 نحو الإصلاح القانوني والمؤسسي في السودان توقف، معتبراً أننا “نجد أنفسنا الآن في مفترق طرق حاسم”، منوها إلى أن أحد أكبر التحديات الماثلة هي بناء الثقة بين السلطات والشعب، مشدداً على أن احترام حقوق الإنسان يبني هذه الثقة.

مؤشر حرية الإنترنت:

استنادًا لمؤشر حرية الإنترنت لعام 2022، الصادر عن منظمة "فريدم هاوس" المختصة بالبحوث المتعلقة بالديمقراطية والحرية السياسية وحقوق الإنسان، تراجعت حرية الإنترنت على الصعيد العالمي للعام الثاني عشر على التوالي. 

وقد تم توثيق أعلى الانخفاضات في روسيا وميانمار والسودان وليبيا، متبوعة بالغزو غير القانوني وغير المبرر للجيش الروسي لأوكرانيا.

وبحسب المنظمة يجري حظر مواقع الويب ذات المحتوى السياسي أو الاجتماعي أو الديني غير العنيف، مما يقوض الحق في حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، استهدفت غالبية هذه الكتل مصادر موجودة خارج البلاد، وشكلت القوانين المحلية الجديدة تهديدًا إضافيًا للتدفق الحر للمعلومات من خلال تركيز البنية التحتية التقنية وتطبيق اللوائح المعيبة على منصات وسائل التواصل الاجتماعي وبيانات المستخدم.

مؤشر الحريات الدينية:

خلا تقرير وزارة الخارجية الأمريكية عن الحريات الدينية في العالم للعام الجاري 2022 من اسم السودان، بعد أن ظل اسمه راتبا في العقود الأخيرة. 

وسمى وزير الخارجية الأمريكي الدول التي تضمها قائمة الانتهاكات بموجب قانون الحرية الدينية الدولي لعام 1998، لانخراطها في انتهاكات خطيرة بشكل خاص للحرية الدينية أو التسامح معها، وذكر منها بورما وجمهورية الصين الشعبية وكوبا وإريتريا وإيران ونيكاراغوا وجمهورية كوريا الديمقراطية الشعبية وباكستان وروسيا وطاجيكستان وتركمانستان.

مؤشر الصراع والعنف:

منذ بداية العام الحالي وحتى أكتوبر 2022 قتل 829 شخصا وأصيب 973 آخرون، مع نزوح أكثر من 265 ألفاً جراء النزاع القبلي في السودان، بحسب أحدث تقرير أممي.

وأفاد بيان صادر عن مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية "أوتشا"، أنه "نتيجة الصراع والعنف نزح عشرات الآلاف من الأشخاص في أجزاء من ولايات غرب كردفان والنيل الأزرق في أعقاب موجة من الاشتباكات القبلية".

وذكر المكتب الأممي أنه "تم الإبلاغ عن 288 حادثا أمنيا بسبب النزاع المحلي والهجمات المسلحة في جميع أنحاء البلاد في العام الجاري بما في ذلك 34 حادثا في أكتوبر الماضي" وفق البيان.

حرية التعبير وحقوق الصحفيين:

اعتقل خلال العام الجاري أكثر من (12) صحفياً وصحفية أثناء تأدية عملهم في تغطية المسيرات السلمية المطالبة بالحكم المدني، وتعرض (14) صحفيا وصحفية للاعتداء الجسدي، كما استدعت السلطات أكثر من (5) صحفيين لمقرات السلطات الأمنية، مع اقتحام (4) مقار لقنوات إعلامية، بالإضافة لمنع مراسل من قنوات (بي بي سي) من تأدية عمله في ولاية نهر النيل، بحسب نقابة الصحفيين السودانيين.

وتقول مسؤولة الحريات بنقابة الصحفيين السودانيين لـ"جسور بوست"، إيمان فضل السيد، إن “حالات الانتهاك ضد الصحفيين في عام 2022 بلغت نحو (60) حالة، راوحت بين الاعتداء الجسدي والاعتقال والبلاغات والمحاكمات ومصادرة المعدات ومداهمة مؤسسات الإعلام”.

إيمان فضل السيد

إيمان فضل السيد

وقال الأمين العام السابق للمجلس القومي للصحافة والمطبوعات، حسام الدين حيدر لـ"جسور بوست"، إن التدخلات في حرية التعبير والعمل الصحفي وصلت لحدود منع صحيفة "الجريدة" وهي صحيفة مستقلة تصدر محليا في السودان.

وأشار حيدر إلى أن التدخل جاء عبر المجلس الأعلى للصحافة والمطبوعات، ووزارة الإعلام، اللذين يتدخلان –بحسبه- بتجاوز القوانين المنظمة للعمل الإعلامي والصحفي، بيد أنه أشار إلى أن الصحفيين واصلوا عملهم.

 

أبرز الانتصارات:

يؤكد حسام حيدر لـ"جسور بوست" أن انتخاب الصحفيين لنقابتهم هذا العام عزز من قيمة استردادهم حرية الصحافة للعمل بصورة مستقلة.

وبحسب إيمان، فقد اضطلعت نقابة الصحفيين الوليدة التي تأسست قبل ثلاثة أشهر بالعديد من الأنشطة، إذ عملت على التواصل مع النقابات المحلية والإقليمية والدولية لدعم عملية التحول الديمقراطي في السودان وتفعيل حرية (1987) للنقابات، كما أن لديها خططاً للدفاع عن الحريات المدنية وحظيت بدفاع وقبول وسط المجتمع الدولي والأحزاب الديمقراطية، وهو ما يؤكد وعي الشعب السوداني بأهمية تكوين النقابات.

إلى ذلك، اعتبر  المدير السابق لوكالة السودان للأنباء "سونا" محمد عبدالحميد، أن أكبر مكاسب للحرية والتعبير السياسي تمثلت في نيل نقابة للصحفيين انتخابات تنافسية شهدت قبول النتيجة لكل المشاركين فيها.

 انتكاسة الإعلام الرسمي:

ويرى عبدالحميد أن الأجهزة الإعلامية الرسمية فقدت حس النقد وشهدت انتكاسة خلال العام بالمقارنة مع ما كانت عليه بعد ثورة ديسمبر، ويقول عبدالحميد لـ"جسور بوست" إن الأجهزة الرسمية كانت قد حققت انفتاحاً أكبر لوجهات النظر المختلفة، لكن الآن أصبحت أجهزة الإعلام الرسمية أبواقاً لا تنطق إلا بما تقوله الحكومة، مما قلل من موضوعيتها.

انتخاب السودان بمجلس حقوق الإنسان

أعلن الجيش حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد بالتزامن مع بيانه الأول لتوليه السلطة، ومع ضغط الشارع والمجتمع الدولي والإقليمي حققت الحركة الجماهيرية مكسبا كبيرا بإلغاء حالة الطوارئ في مايو الماضي، وأعلن ذلك قائد الجيش عبدالفتاح البرهان، في مرسوم رئاسي وألحقه بدعوة للحوار بين السودانيين.

ويقول رئيس المفوضية القومية لحقوق الإنسان بالسودان دكتور رفعت ميرغني لـ"جسور بوست"، إن المفوضية القومية لحقوق الإنسان في السودان ظلت ترصد المعالجات التي حدثت خلال عام 2022 لبعض المشكلات التي كنا نلاحظ تعارضها مع القانون الدولي لحقوق الإنسان مثل إنهاء حالة الطوارئ، وأيضا إطلاق سراح المحتجزين على خلفية قانون الطوارئ.

وأشار لتحديات ظلت كبيرة، ومن ذلك اتساع رقعة العنف القبلي الذي أدى إلى سقوط ضحايا في بعض المناطق فضلا عن تحدي التعامل مع التجمعات السلمية، وتحدي الحقوق الاقتصادية والاجتماعية التي تأثرت بدرجة كبيرة بإحجام المانحين عن مواصلة التعاون مع السودان، ورأى أنه قرار أدى الى تراجع كبير في إعمال الحق في الغذاء الكافي والحق في الصحة والحق في التعليم، كما أدى إلى اتساع دائرة الفقر المدقع.

وأشار رفعت إلى أن عام 2022 شهد إعادة انتخاب السودان في مجلس حقوق الإنسان وهو ما يتطلب أيضا تدابير متعددة من أجل تنفيذ التعهدات الطوعية التي قدمتها الدولة.

على شفا الانهيار

شهدت الفترة من يناير وحتى مايو سقوط العديد من القتلى من الثوار والمتظاهرين ممن خرجوا للتعبير عن رأيهم ومطالبتهم بالحكم المدني. 

وفي زيارته للبلاد في نوفمبر الماضي، أعلن مفوض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان فولكر تورك، تأكيد 19 حالة اغتصاب وانتهاك جنسي خلال مظاهرات السودان، وقال فولكر ترك في مؤتمر صحفي بالعاصمة الخرطوم، في ختام زيارة استغرقت 4 أيام: "وثق مكتبنا بالخرطوم 19 حالة اغتصاب وانتهاك جنسي، وربما أكثر من ذلك خلال المظاهرات التي اندلعت في 25 أكتوبر 2021".

وأوضح تورك أن “السودان يمر بمنعطف خطير، لذلك زرته لأول مرة منذ تعييني في المنصب، وحقوق الإنسان يجب أن تكون في جوهر الانتقال بالسودان”.

وأشار المفوض الأممي إلى أن "إجراءات 25 أكتوبر 2021 أنهت التطور التشريعي والقانوني في البلاد، بينما انخفض دخل الفرد اليومي إلى دولارين، وارتفعت أسعار الكهرباء إلى 25 ضعفا كما ارتفعت أيضا أسعار الخبز والوقود والاقتصاد في حالة انهيار".

حرية التظاهر والتعبير السياسي دفع كلفته نحو (7) آلاف معتقل حسب إحصائية حديثة لهيئة محاميي الطوارئ أعلنت عنها في مؤتمر صحفي رصدته "جسور بوست"، حيث كشف صالح البشرى، عضو الهيئة أن مدينة أم درمان حظيت بالنصيب الأكبر من الانتهاكات، إذ أزهقت فيها أرواح فيها (48) قتيلاً منذ 25 أكتوبر 2021، بجانب رصد عدد (6) أشخاص مختفين قسرياً و(18) حالة اغتصاب.

وقال البشرى إن هيئته قيدت إجراءات لدى النيابات المختصة ورفعت مذكرة للنائب العام لوقف الانتهاكات، وقال إنهم قاموا بتدوين (36) بلاغاً بالقسم الأوسط، و(6) بلاغات بالقسم الجنوبي، وبلاغ بقسم المهندسين وبلاغ بقسم أبوسعد، و(3) بلاغات في القسم الشمالي كلها تحت المادة (21/130) من القانون الجنائي، ولفت البشرى لتحويل جزء منها لنيابة الشهداء فيما ظلت بقية البلاغات حبيسة الأقسام.

الإفلات من العقاب:

ويقول الأمين العام لهيئة محامي دارفور، الصادق على حسن، لـ"جسور بوست": “إن الجرائم المرتكبة بالآلاف ولكن هذه الجرائم صارت محمية بالحصانات مثل الاعتقالات الجزافية وممارسة التحرش والقتل من مسافات قريبة”.

ويضيف الأمين العام لهيئة محامي دارفور، إنهم "شرعوا في تحريك إجراءات جنائية بخصوص (17) حالة اغتصاب وتحرش جنسي ومباشرة إجراءات شكوى لاحتجاز أكثر من خمسمائة من المواطنين بولايتي شمال وغرب دارفور، وأكثر من ثلاثمائة منهم قضوا عدة أشهر بسجون (أردمتا) بمدينة الجنينة، كما لا يزال هنالك (77) محتجزا بسجن أردمتا بالجنينة، وعدد (109) محتجزا بسجن بورتسودان، بالإضافة إلى (69) محتجزاً في الفاشر أفرج عن عشرين منهم، وإيداع (49) بسجن (شالا). كما لا يزال هنالك (21) محتجزاً حسب قوله من محتجزي ولاية غرب دارفور بسجن الهدى بامدرمان، أما المصابون والجرحى نتيجة للحراك المدني  فعددهم كما يقول محدثنا أكثر من خمسة آلاف".

انفراجة في الأفق:

شهد شهر يونيو من عام (2022) أولى انفراجات الأزمة السياسية في السودان، وقالت السفارة الأمريكية بالخرطوم إن ممثلين عن قوى الحرية والتغيير في السودان اجتمعوا لأول مرة مع القادة العسكريين للبلاد.

وقالت السفارة في بيان إن المحادثات ركزت على حل المأزق السياسي الحالي، وتوسطت فيها السفارة السعودية والوفد الأمريكي في السودان.. وشكرت السفارة المشاركين لآرائهم الصريحة ومشاركتهم البناءة واستعدادهم لإنهاء الأزمة السياسية وبناء السلام والعدالة والديمقراطية في السودان، وهي العملية التي قادتها البعثة الأممية في السودان بقيادة رئيسها فولكر بيرتس.

وخلال العام الجاري زار الخبير المستقل لحقوق الإنسان بالسودان "أداما ديانغ" البلاد في فبراير ثم في مايو.

ويرى مهند عرابي رئيس شبكة المدافعين عن حقوق الإنسان في السودان أنه لا توجد أي مكتسبات في مجال الحريات، مناشدا السلطات السودانية بالعمل على إنفاذ حقوق الإنسان وضمانها وحمايتها والعمل على فتح التحقيقات في انتهاكات حقوقية بائنة وجبر الضرر بغية إنصاف الضحايا.

مهند عرابي

مهند عرابي

 ضحية كل 3 أيام

أما جعفر خضر، الناشط ضمن أبرز قادة الحراك الشعبي في السودان، فيشير إلى أن عام (2022) حدث فيه تضييق على الحريات، منوها إلى تعطيل العديد من الصحف مثل (الحداثة) و(الديمقراطي)، كما حجبت خدمات الإنترنت إبان المسيرات الكبيرة التي يسيرها المتظاهرين، وأغلقت المعابر للحيلولة دون وصول المتظاهرين لبعض المقار، كما توالت الاعتداءات على المتظاهرين السلميين ما أدى إلى سقوط (120) قتيلاً، بمعدل ضحية كل ثلاثة أيام، كما يقول.

جعفر خضر

جعفر خضر

 

القيادات النسوية

وفي السياق، قالت تهاني عباس علي، وهي قيادية نسوية وناشطة حقوقية، إن أبرز حقوق المرأة ضمن حالة حقوق الإنسان والحريات في أعوام ما بعد الثورة تمثلت في إلغاء قانون النظام العام، وهو قانون كان مسلطاً على النساء، لكن رغم تلك المكتسبات كانت هنالك ردة بظهور ما يسمى بلوائح السلوك في ست جامعات سودانية.

وأشارت تهاني عباس إلى عودة ظهور الحملات ضد بائعات الشاي، أو ما تعرف بـ(الكشات)، لكنها ترى أن أكبر الانتهاكات تمثلت في صدور حكم بالرجم على فتاة سودانية بمدينة كوستي بولاية النيل الأبيض، في يونيو الماضي.

تهاني عباس

تهاني عباس

وقالت تهاني إن المحاكمة لم تتوفر فيها أدنى مقومات العدالة، مشيرة إلى أن محكمة الاستئناف ألغت الحكم. 

وأشارت إلى أن أكثر من خمسين منظمة نسوية وناشطة في حقوق الإنسان تقود هذه الأيام حملات لمناهضة الانتهاكات، وأنهن من خلال تلك الحملة رصدن عدداً من الانتهاكات مثل ازدياد حالات الاغتصاب.


 


 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية