بعد عام من الحرب الأوكرانية.. الرابحون أمريكا والصين وشركات الطاقة والسلاح

بعد عام من الحرب الأوكرانية.. الرابحون أمريكا والصين وشركات الطاقة والسلاح
الأزمة الروسية الأوكرانية

بعد عام على الحرب الروسية- الأوكرانية، تغيرت الكثير من مجريات الإنفاق والاستثمار في العالم ليس فقط على صعيد الحكومات والدول التي أعادت ترتيب أولوياتها، خاصة في ما يتعلق بميزانيات الدفاع، وإنما أيضا على صعيد الشركات التي انقسمت بين رابح وخاسر بسبب استمرار القتال الدائر والمستمر.

ففي الوقت الذي تعاني فيه الكثير من الصناعات من العراقيل التي تسببت فيها الحرب والعقوبات، تعيش شركات الأسلحة أفضل أيامها، بجانب شركات الطاقة التي استفادت كثيرا من الأزمة التي شهدتها أوروبا جراء بحث الدول عن موردين بعيدا عن روسيا. 

وتوقع معهد ستوكهولم الدولي لبحوث السلام، في تقرير له صدر مؤخرًا، أن تشهد صناعة الأسلحة ارتفاعا مستمرا بسبب الحرب، إلّا أنها ستواجه أزمة في سلسلة التوريد، على اعتبار أن روسيا تعد من كبار مصدري أجزاء الأسلحة في العالم. 

تصدرت شركات الطاقة مكاسب الأسهم في الأسواق الأوروبية خلال عام 2022، وسط توقعات بمواصلتها الصعود خلال العام الجاري، في ظل استمرار تداعيات الحرب الروسية في أوكرانيا، التي غيرت الكثير من المجريات في القارة الباردة والأسواق العالمية، وأدت طفرة ما تسمى بقطاعات الاقتصاد القديم، مثل النفط والتعدين إلى جعل أسهم الطاقة الأفضل أداء على مؤشر "ستوكس 600" للأسهم الأوروبية، بمكاسب وصلت إلى 30%. 

وعلى رأس الذين حققوا مكاسب تأتي الولايات المتحدة الأمريكية والصين وتركيا وفنزويلا.

ويرى الباحث في الشؤون الدولية تشو يوان شي، في مقال له، أن الحرب الروسية الأوكرانية التي كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي، كان لها جانب إيجابي بالنسبة للصين، إذ تساعد على تعزيز خفض التكلفة النسبية للإنتاج الصناعي، وتعزيز الطلب على السلع الصينية في البلدان الأوروبية والأمريكية، وزيادة صادرات بكين إلى السوق العالمية. 

وعلى امتداد عام، فترة قد لا تكون طويلة في تاريخ الشعوب، ما انفكت الدول النامية تدفع فاتورة حرب لم يكن طرفا فيها، ويتكبد الخسائر خاصة في الأمن الغذائي العالمي، الذي تأثر بشكل بالغ من الحرب بعد أن تعطلت طرق الإمداد بالحبوب الأوكرانية، التي تعتبر سلة العالم الأولى من القمح والزيت والذرة، ومن الصادرات الزراعية الروسية، وارتفاع تكاليف الشحن، فضلا عن ارتفاع كبير في أسعار النفط والغاز عقب قيام روسيا بوقف إمدادها لأوروبا بغازها عبر خطي الأنابيب /نور ستريم 1 و2.

حرب روسيا اوكرانيا لحظة بلحظة.. تحديث مستمر - الأسبوع

خسائر عالمية مشتركة

على مستوى العالم، يسهل احتساب الخسارة والربح لبعض الأمور والبيانات سريعة التداول، والتي لا يمكن إخفاؤها، وفي مقدمتها السلع المتداولة في الأسواق العالمية. 

ووفقًا للمتداول، فمن أهم التأثيرات التي حدثت بسبب الحرب الروسية- الأوكرانية ارتفاع سعر برميل النفط إلى 130 دولارا، قبل أن ينخفض سعره ويستقر عند 100 دولار لفترة، ليناهز حاليا مستويات 83 دولارا للبرميل. 

وبناء على مجموعة من الإحصائيات والتقديرات، فإن الزيادة في سعر النفط ستكون بما يعادل 10 دولارات لكل برميل، وهو الأمر الذي ستترتب عليه عوائد مالية كبيرة للمصدرين، مقابل استنزاف كبير للعملات الأجنبية لدى الدول المستهلكة، وهو ما تحاول أوروبا تجنب حصوله لضرره البالغ على تكاليف وأعباء الحياة لمواطنيها، في اتفاق تام مع الرؤية الأمريكية التي تحول دون حصول هذه الطفرة لتفادي الارتفاع غير المسبوق لمستويات التضخم. 

وتوسع مدى هذه التأثيرات ليطال الدول النامية والفقيرة والغنية على حد سواء، ولكن بدرجات من التفاوت، فالدول الإفريقية والآسيوية كانت المتضرر الأكبر من الحرب الروسية- الأوكرانية إذ توسعت مستويات الفقر فيها، وزادت مستويات العجز التجاري في موازناتها، الأمر الذي انعكس على الأمن الداخلي فيها، ودفع الملايين للهجرة واللجوء إلى مناطق غنية، خاصة إلى أوروبا والولايات المتحدة الأمريكية.

ووفقًا لمحللين، فإن الأزمة مستمرة، وزيادة على ارتفاع أسعار السلع الاستراتيجية بالكثير من الدول، خاصة في الدول النامية منها، ومحاولة العالم الخروج من تبعات أزمة جائحة كورونا، تقف الأزمة الروسية- الأوكرانية حاجز عثرة دون نهوض اقتصادي سليم ومستدام، وتعافٍ كامل يعيد لمحركات التنمية والنمو نسقهما الطبيعي، ما دفع بدول عدة للوساطة بين موسكو وكييف للجلوس إلى طاولة المفاوضات لحل خلافاتهما، دون أن يكون هناك طرف رابح وآخر خاسر، غير أن الرغبة المتبادلة بين روسيا وأوكرانيا في الخروج من الحرب بصورة المنتصر تصد أي محاولات لرأب الصدع بينهما إذ لم تفلح دول حليفة لموسكو في إذعان الرئيس فلاديمير بوتين للمطالب الدولية بوقف صوت آلة الحرب، تماما كما عجزت الدول الصديقة لكييف في دفع الرئيس فلوديمير زيلينسكي بالقبول للركون للحوار، ووقف الحرب بالحوار والقنوات الدبلوماسية. 

رابحون

قليلون هم من حققوا مكاسب سياسية أو اقتصادية من الحرب على أوكرانيا وتداعياتها، وكثيرون هم المضارون من تلك الحرب، وعلى رأس الذين حققوا مكاسب تأتي الولايات المتحدة والصين وتركيا وفنزويلا.

الصين

ووفقًا لتقارير صحفية، منحت الحرب بعض الفرص الرئيسية للصين، إذ أدت لإبعاد موسكو عن الغرب مع تعزيز الأخيرة علاقاتها مع بكين على اعتبار أن روسيا الشريك الأصغر للسلطات الصينية، وقد نمت التجارة بين البلدين بنسبة 29.5% في عام 2022، مع تفوق الميزان التجاري لصالح الصين. 

وأسهمت العقوبات الغربية في إضعاف جزئي للحكومة الروسية، وجعلها أكثر اعتمادا على الصين والأسواق الشرقية، ما يمكّن بكين من ربط موسكو بـ"أصول الموارد" وتوسيع وجودها في السوق الروسية من خلال القطاعات الصناعية والاقتصادية الرئيسية، ولعل اتفاقية الغاز الطبيعي ذات السعر الثابت التي وقعها البلدان في الماضي كانت من أبرز مكاسب بكين حاليا بعد الارتفاع الكبير في أسعار الطاقة في سياق حرب روسيا وأوكرانيا. 

ويرى الباحث في الشؤون الدولية تشو يوان شي، في مقال له، أن الحرب الروسية الأوكرانية التي كان لها تأثير سلبي على الاقتصاد العالمي، كان لها جانب إيجابي بالنسبة للصين، إذ تساعد على تعزيز خفض التكلفة النسبية للإنتاج الصناعي، وتعزيز الطلب على السلع الصينية في البلدان الأوروبية والأمريكية، وزيادة صادرات بكين إلى السوق العالمية. 

في المقابل، تأثرت الواردات الصينية من المنتجات الزراعية الأوكرانية، حيث كانت كييف أكبر مصدر للذرة إلى بكين منذ 2015، وكانت 75% من الذرة المستوردة من قبل الصين تأتي من أوكرانيا. 

أوكرانيا، باعتبارها دولة رئيسية في مبادرة الحزام والطريق الصينية، تتمتع بأهمية نموذجية قوية للتعاون بين الصين والدول الأخرى على طول الطريق. 

لكن احتمال تنفيذ بكين استثمارات استراتيجية على الأراضي الأوكرانية بات قريبا من الصفر. 

وتوضح المديرة التنفيذية لشركة "سينوفول" (sinnvoll) للاستشارات شين سونغ، في تصريحات صحفية، أن بكين فقدت فرصة المشاركة في مشاريع البنية التحتية بسبب محاولة الحكومة الأوكرانية الحالية كسب السياسيين الغربيين الذين يعارضون أي توسع صيني في المنطقة.

فنزويلا

كذلك، تعد فنزويلا ورئيسها مادورا بالذات من أكبر الكاسبين من جراء هذه الحرب، فقد كان الوضع قبيل الحرب قد وصل إلى القطيعة الكاملة مع الولايات المتحدة وأنصارها وحلفائها، وفرضت العقوبات على فنزويلا وقامت الولايات المتحدة و56 دولة من حلفائها بالاعتراف بالحكومة الموازية التي شكلتها المعارضة في عام 2019 بقيادة خوان جوايدو الأمر الذي أدى إلى قطع العلاقات بين البلدين، وازداد التوتر بين البلدين حتى وصل إلى احتمال غزو الولايات المتحدة لفنزويلا في عهد ترامب.

وتم طرد شركة البترول الأمريكية العاملة في فنزويلا في نهاية عام 2020، إلّا أن الحاجة إلى البترول الفنزويلي أدت إلى قيام الولايات المتحدة بتخفيف القيود المفروضة عليها واستأنفت شركة شيفرون الأمريكية أعمالها هناك وبدأ تصدير البترول من فنزويلا كما بدأت محادثات بين الحكومة والمعارضة وكل ذلك كنتيجة غير مباشرة للحرب على أوكرانيا. 

تركيا

أخيرا تأتي تركيا ضمن الدول المستفيدة من هذه الحرب، فقد تمكنت من خلال اتخاذها موقفا حياديا بين أطراف النزاع من الاحتفاظ بعلاقات طيبة مع الجانبين الأمر الذي مكّنها من القيام بدور الوسيط للتوصل إلى اتفاق الحبوب الذي تم بموجبه فتح البحر الأسود أمام السفن الأوكرانية والروسية المحملة بالحبوب حيث تقوم لجنة من إسطنبول بتفتيش السفن والسماح لها بمواصلة الإبحار إلى وجهتها، الأمر الذي خفف من الأزمة العالمية الحادة في الحبوب وأكسب تركيا مكانة على الساحة العالمية.

ونظرا لأن تركيا هي الدولة الوحيدة في حلف الأطلنطي التي لم توافق على العقوبات على روسيا فقد أصبحت هي نافذة الروس إلى العالم الخارجي، وقد لوحظ تدفق الملايين من السواح الروس إلى تركيا كما لوحظ الإقبال الشديد من الروس على شراء العقارات في المدن التركية خاصة أنطاليا حيث فاقت الوحدات المبيعة للروس هذا العام المئة ألف وحدة. 

المتضررون

قال أستاذ الاقتصاد، رشاد عبده، إن معظم الدول النامية، قد تضررت أشد الضرر من عواقب هذه الحرب على الاقتصاد العالمي واضطراب خطوط الإمداد وارتفاع الأسعار وندرة السلع، ويأتي على رأس الأكثر تضررًا أوكرانيا لأسباب واضحة، فهي الضحية الأولى التي يعيش سكان عاصمتها ومعظم المدن الكبرى في صقيع وظلام بسبب الضربات الروسية لمحطات توليد الكهرباء، فضلا عن فقدانها مناطق شاسعة في الجنوب والشرق، وهي المناطق الصناعية التي تمثل عصب الاقتصاد الأوكراني. 

خبير اقتصادي: الإجراءات الحكومية هدفها احتواء التضخم نتيجة للحرب الاقتصادية  العالمية بين روسيا والغرب - بوابة الأهرام

رشاد عبده

وأضاف في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، أن روسيا لحقها ضرر شديد أيضا، فقد فقدت الكثير من المكانة العالمية حيث كان من المتوقع أن تنتهي هذه الحرب لصالحها في أيام قلائل، وذلك على اعتبار أنها الدولة النووية الكبرى، وهي التي اجتاحت شرق أوروبا وهزمت الآلة العسكرية النازية الجبارة وأول من دخل برلين من حلفاء الحرب العالمية الثانية، لكن تعثرها لمدة عام واضطرارها للانسحاب من مناطق كانت ضمتها إليها أفقدها الكثير من وضعها الدولي، فضلا عن الآثار الاقتصادية للحرب واستنزاف الموارد في ظل عقوبات اقتصادية خانقة. 

واستطرد: الاستمرار في العناد فيه مزيد من الخسائر للدول النامية، لكن أمريكا لا تكترث طالما أنها المستفيد الأكبر منها، نعم، فإن أكبر اقتصاد استفاد من الأزمة كان الاقتصاد الأمريكي بينما يدفع ثمن الحرب الدول النامية والفقيرة.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية