في ندوته بجنيف

مركز "جسور إنترناشيونال للإعلام والتنمية" يبحث جهود الأمم المتحدة في تحقيق السلام والتنمية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا

مركز "جسور إنترناشيونال للإعلام والتنمية" يبحث جهود الأمم المتحدة في تحقيق السلام والتنمية بالشرق الأوسط وشمال إفريقيا

عقد مركز "جسور إنترناشيونال للإعلام والتنمية" ندوة دولية في جنيف ناقش فيها حالة الحرب والسلام التي تعيشها العديد من الدول العربية، رغم استمرار جهود الأمم المتحدة المعنية بتحقيق الأمن والسلام لأكثر من عقد من الزمن، وتناولت الندوة التي عقدت في النادي السويسري للصحافة في جنيف جهود الأمم المتحدة في كلٍ من سوريا وليبيا واليمن، واستمرار حالة الحرب والصراع المسلح بهذه الدول في تأزيم جسيم لحالة حقوق الإنسان بتلك الدول، واستمرار فقدان الأمن والسلام والاستقرار بتلك الدول رغم استمرار عمل العديد من أجهزة وآليات الأمم المتحدة المعنية بتحقيق الأمن والسلام الدولي.  

وافتتحت الندوة بكلمة الخبير في قضايا الشرق الأوسط ورئيس مركز جسور إنترناشيونال محمد الحمادي الذي أكد أهمية مناقشة جهود وإنجازات الأمم المتحدة المعنية بتحقيق الأمن والسلام الدولي، وتحديداً الحاجة إلى بحث كل الجوانب المتعلقة بمنطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا. 

وأشار رئيس مركز "جسور إنترناشيونال" إلى أن سوريا وليبيا واليمن حالات صارخة في وضعها الإنساني والحقوقي، وتضع العالم والأمم المتحدة أمام مسؤولية أخلاقية كبيرة، حيث يجب أن يعمل الجميع وأن تتضافر الجهود من أجل تحريك وإنهاء هذه الملفات في أسرع وقت. 

وأكد الحمادي أن الأمم المتحدة انعكاس للدول وليست كياناً خاصاً، وقرارتها تنبع دائماً من مجلس الأمن، الذي يعكس بدوره تحرك الأمم المتحدة، مؤكداً أن هذا الكيان الذي أنشئ قبل تقريبا 75 عاماً، هدفه الأساسي هو نشر السلام والأمن في العالم، وأن تكون الشعوب قادرة على اتخاذ قرارها حتى تستطيع أن تحمي نفسها، وألّا تندلع الحروب وتتكرر المآسي كما حدث في منتصف القرن الماضي. 

وأوضح أن التحدي الكبير الذي عاشه العالم منذ ذلك الوقت حتى اليوم يكمن في كيف تستطيع الأمم المتحدة أن تحقق أهدافها، مؤكداً أن الأمم المتحدة التي تعلّق عليها الشعوب آمالاً كبيرة ما زال دورها قاصراً ولم يصل إلى المستوى الذي نحتاج إليه. 

وأضاف: لقد لاحظنا جميعا -بشكل أو بآخر- مع دخول القرن الحالي، أن هناك محاولة لهندسة النظام العالمي بطريقة تكون فيها الأمم المتحدة والمجتمع الدولي فاعلين بشكل أكبر، ولكن اليوم ومع أكثر من عقدين من هذا القرن نجد أن الحروب ما زالت مستمرة، والتحديات متصلة، وهو ما يضع الأمم المتحدة أمام التحدي الحقيقي، وهو تحدي البقاء، مشيراً إلى أنه قبل الأمم المتحدة كانت هناك عصبة الأمم، التي سقطت وفشلت بسبب الحرب العالمية الثانية وحروب في مناطق مختلفة من العالم.. فإلى متى ستصمد الأمم المتحدة؟ 

وأشار رئيس مركز "جسور إنترناشيونال" إلى أن الأمم المتحدة اليوم أمام هذا التحدي الكبير الذي يجب أن يشعرها بالخطر، وخاصة الحرب الأخيرة التي حدثت في أوكرانيا، والتي يبدو من بعض المراقبين أنها ستطول وسيدفع العالم ثمنها، ليس في روسيا وأوكرانيا وأوروبا بل العالم بأسره. 

وأوضح الحمادي أن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعاني من الحروب والمخاطر، فما إن تهدأ الحروب حتى يظهر الإرهاب، ولا يختفي الإرهاب إلّا وتعود مرة أخرى الحروب، وكأنه كُتب على هذه المنطقة أن تعيش التحديات الكبيرة، لذلك ربما تجدون شعوباً من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تعوّل على الأمم المتحدة بشكل كبير، حيث تعقد عليها الأمل وتعتقد أنها يمكن أن تسهم في تحقيق السلام في المنطقة، لكن في كل مرة تتحرك فيها الأمم المتحدة تصل إلى باب مسدود ونتائج غير التي تتوقعها الشعوب. 

وأشار الحمادي إلى أن آليات الأمم المتحدة واحدة من العوائق الرئيسية في أن تصل الأمم المتحدة إلى أهدافها وإلى تحقيق الأمن والسلام، فضلاً عن التحدي الآخر والمتمثل في مشكلة التمويلات، التي تواجه كثيراً من الملفات والأحداث في العالم، فكثير ما يتم ترديد أن التمويل غير كافٍ لإيجاد بعثات خاصة في مناطق النزاع، أو القيام بتحقيق في قضايا في مختلف أقطار العالم بشكل عام، وربما في منطقتنا بشكل خاص. 

محمد الحماديمحمد الحمادي، الخبير في قضايا الشرق الأوسط ورئيس مركز جسور إنترناشيونال

وأوضح الحمادي في كلمته أن منطقة الشرق الأوسط تنظر بسلبية إلى دور الأمم المتحدة في مواجهة بعض الأخطار الحقيقية الأخرى، مثل خطر الصراعات العنيفة والطائفية التي تدور لسبب أو لآخر، والتحديات البيئية والمناخية وحقوق الإنسان بكل تفرعاتها، حيث نجد أن الأمم المتحدة آخر من يصل، وآخر من يتفاعل بعد أن تكون الأمور تطورت بشكل كبير جداً، وتكون قد خرجت عن نطاق احتوائها. 

وأضاف: هناك من يتحدث عن دور ومستقبل الأمم المتحدة، ونحن متفقون جميعاً على أهمية وجود مؤسسة دولية كبيرة مثل الأمم المتحدة، وهو أمر ليس عليه خلاف، وليس بالجديد، فحتى الفلاسفة الكبار مثل فولتير وكانط وجان جاك وغيرهم تحدثوا منذ وقت طويل عن أهمية وجود منظمات عالمية تدير وتعمل على نشر السلام في العالم، لكن هذه المنظمة يجب أن تكون فاعلة، وأن تكون قادرة على أن تتخذ القرارات وليس كما هي عليه الآن، فعضو واحد يستطيع أن يعطل قراراً يتفق عليه العالم، حيث إن إشكالية وجود "الفيتو" في مجلس الأمن بلا شك عطل كثيراً من جهود الأمم المتحدة، وأضل الطريق أمام حل الكثير من القضايا. 

وأوضح الحمادي أن التحديات ربما لم تعد قاصرة على الحروب والصراعات، حيث أصبحت اليوم لدينا تحديات مرتبطة بالمناخ، وبوجودنا كبشر، مؤكداً أن الشرق الأوسط، منطقة جافة بشكل كبير، وتعاني التصحر وقلة المياه، وبالتالي عندما نتحدث عن دور الأمم المتحدة وأجهزتها الضخمة، يجب أن نتحدث عن دورها في هذه القضايا، فإشكالية المياه كبيرة، وهناك دول تعدت على حقوق دول أخرى في مصادر المياه، دون أن يكون للأمم المتحدة دور فاعل، وربما ستأتي في وقت متأخر جداً تكون فيه فكرة المواجهة المسلحة أصبحت خياراً! 

وأكد الحمادي دور الأمم المتحدة في القضية الرئيسة بالشرق الأوسط، وهي مسألة السلام والصراع العربي الإسرائيلي، الذي يمتد عمره مع عمر الأمم المتحدة، مؤكدا أنه فحتى هذا اليوم هناك العديد من قرارات الأمم المتحدة غير مفعلة، وغير منفذة وحبيسة الأدراج، ولا يتم اتخاذ أي قرار فيها. 

واختتم رئيس مركز جسور إنترناشيونال كلمته بالتأكيد أن كل ذلك يجعلنا نتحدث بصوت عالٍ، ونقول للأمم المتحدة إن عليها أن تطور من أدواتها وتغير من آلياتها، حتى تستطيع أن تكون موجودة بكيان حقيقي فاعل وقادر على التأثير، والتغيير، والذهاب إلى المستقبل، وبشكل أو بآخر نقول "حتى تستطيع الأمم أن تستعيد ثقة الشعوب فيها، تلك الشعوب التي وضعت آمالا كبيرة، منذ اليوم الأول لإنشاء الأمم المتحدة قبل تقريبا 75 عاماً".

وخلال الندوة تحدث السيد تيريي فالي، رئيس منظمة الجمعيات والشعب من أجل حرية التعبير، مستعرضاً الوضع الإنساني السيئ الذي يعيشه اليمن، وما يتعرض له المدنيون من انتهاكات وجرائم حرب أثرت على حياتهم وسلامتهم، وشدد على دور ورسالة الأمم المتحدة المتمثلة في تحقيق الغايات الرئيسية التي أنشئت من أجلها الأمم المتحدة، والتي يأتي في صدارتها حفظ الأمن والسلام الدولي.

فالي السيد تيريي فالي، رئيس منظمة الجمعيات والشعب من أجل حرية التعبير

وأكد فالي أهمية الدور الذي تلعبه هيئات وأجهزة الأمم المتحدة، لا سيما مجلس حقوق الإنسان، مستعرضاً القرارات التي أصدرها المجلس بشأن اليمن، والتي يمكن إدراك فشلها في تحقيق الغاية.

وأشار إلى أنه ورغم كثرة الاتفاقيات والتوافقات في اليمن، فإنّ عملية الالتزام بها دائماً مهددة وغير قابلة للصمود، مؤكداً أهمية التركيز على معاناة المدنيين في اليمن وضرورة توحيد الجهود والعمل لتحقيق الأمن والسلام باليمن، وتفهم التحديات والصعوبات التي تواجهها الأمم المتحدة لتحقيق الأمن والسلام باليمن في ظل عالم تغلب فيه المصالح والسياسة على القيم والمبادئ الإنسانية السامية.

الدكتور محمد سيكرو، مؤسس ورئيس مركز دراسات السلام والمصالحةالدكتور محمد سيكرو، مؤسس ورئيس مركز دراسات السلام والمصالحة

وشدد الدكتور محمد سيكرو، مؤسس ورئيس مركز دراسات السلام والمصالحة، في كلمته على أهمية البدء في عملية سلام ومصالحة فاعلة في سوريا، والعمل على معالجة أسباب فشل الأمم المتحدة في جهودها لتحقيق الأمن والسلام وحماية حقوق الإنسان في سوريا، مؤكداً أن فشل الأمم المتحدة هو في الحقيقة فشل لدول العالم.

وأشار سيكرو إلى أن المجتمع الدولي لا يولي قضية السلام والمصالحة في سوريا اهتماماً كافياً، وأن سوريا ليست ضمن أولويات النظام الدولي والأمم المتحدة، معتبراً أن أحد أهم الأسباب التي تحول دون الوصول إلى سلام واستقرار في سوريا، هو كثرة المحاور والتجاذبات السياسية التي تحول دون تمتع المدنيين بحقهم في السلام والاستقرار والسلامة، وعدم اعتماد منهجية دولية موحدة معنية بتطبيق السلام وبناء آلية دولية موحدة لبناء وتعزيز السلام بالعالم. 

وأكد مؤسس ورئيس مركز دراسات السلام والمصالحة أهمية توحيد الجهود للانتقال السلمي لدولة المؤسسات والقانون، وأن يتم العمل بشراكة حقيقية مع كل أجهزة وآليات وهيئات الأمم المتحدة، وأن يتم الأخذ بالاعتبار بتطلعات ومخاوف الشعب السوري التي لا يمكن أن يتحقق السلام بدونها، كما حذّر من عملية السلام المفتوحة التي تسمح باستمرار معاناة المدنيين والانغماس أكثر في الصراعات والحروب. 

السيدة آي كاري، الباحثة والمدافعة عن حقوق الإنسانالسيدة آي كاري، الباحثة والمدافعة عن حقوق الإنسان

واستعرضت السيدة آي كاري، الباحثة والمدافعة عن حقوق الإنسان، في كلمتها الوضع في ليبيا، حيث أكدت أن الحالة في ليبيا تعتبر مختلفة عن غيرها من الدول التي تعاني الحروب والصراعات المسلحة، فليبيا بلد يمتلك الكثير من الموارد والإمكانات التي يستطيع بها أن يكون واحداً من أكثر الدول تقدماً ونمواً. 

وأوضحت أن الأمم المتحدة لا تملك في الحقيقة آليات فاعلة وقوية لتنفي قراراتها أو التصدي للجهات والأنظمة التي تمارس الانتهاكات وترتكب الجرائم بحق المدنيين والشعوب، كما أنها تكون مجبرة أحياناً على التغاضي عن بعض النزاعات والصراعات التي تحدث بالعديد من دول العالم لأسباب عديدة تعود غالبيتها إلى مواقف الدول الكبرى ومقرراتها ومصالحها الدولية، وهو ما يعمّق من تلك النزاعات والصراعات ويعقد عملية الوصول إلى وضع حلول أو معالجات لها، وليبيا -مع الأسف الشديد- إحدى هذه الدول التي يحدد المجتمع الدولي مقارباته بشأنها بموجب ما يتحقق له من مصالح وغايات، كما أن الجماعات المسلحة والتيارات السياسية لها مصالحها وغاياتها التي تسعى إلى تحقيقها، وفي حالات كثيرة تتعارض تلك الغايات مع أهداف وغايات الأمم المتحدة. 

وأشارت إلى أنه من المهم جداً لتحقيق السلام في ليبيا الاستمرار في العمل مع مختلف الأطراف والسعي أولاً لحماية الإنسان والحرص على بناء مستقبل أفضل له وأن يتم العمل بشراكة مع الأمم المتحدة لمساعدة المتضررين من الصراع المسلح الذي امتد طويلاً، وألّا يتم القبول بالوضع الحالي من الانقسام أو الخضوع، وأن يكون الحوار الذي من الجيد أنه يصل إلى مقاربات جيدة في ليبيا بهدف الوصول إلى توافق بين مختلف الأطراف الليبية المنخرطة في الصراع، على أن يكون كل ذلك تحت مظلة الأمم المتحدة لضمان التأكيد على مسؤولياتها عن تنفيذ القرارات التي يتم التوصل لها أو الاتفاقيات التي يتم التوافق بشأنها.
 
 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية