في إطار الدورة الـ52 للمجلس الدولي

الأمم المتحدة تناقش التأثير السلبي لـ"التضليل الإعلامي" على حقوق الإنسان

الأمم المتحدة تناقش التأثير السلبي لـ"التضليل الإعلامي" على حقوق الإنسان

ناقشت الأمم المتحدة، سبل مكافحة التأثير السلبي للتضليل الإعلامي على تمتع المواطنين بحقوق الإنسان وحماية كل أشكال التعبير في العالم.

جاء ذلك في إطار انعقاد الدورة الـ52 لمجلس حقوق الإنسان الأممي بجنيف خلال الفترة من 27 فبراير حتى 4 إبريل 2023، للاستعراض الدوري الشامل، بهدف توفير مساعدة تقنية للدول، وتوطيد قدرتها على معالجة تحديات حقوق الإنسان لديها.

وعقد المجلس الدولي حلقة نقاشية رفيعة المستوى لقياس الاستجابات للتضليل الإعلامي، التي ينبغي أن تكون راسخة في قانون حقوق الإنسان لحماية أشكال التعبير من قيود لا موجب لها وبناء ثقة الجمهور.

وأبرز المشاركون أن التدابير التي تعزز النظم الإعلامية القوية والوصول إلى المعلومات على نطاق واسع ووسائط الإعلام الحرة والتعددية تسهم في كشف المعلومات المضللة.

وأوضحوا أن المعلومات المضللة يمكن تحييدها بسهولة أكبر في الحالات التي يكون فيها التحقق من المعلومات مستقلاً.

وشجع المشاركون على وضع تدابير سياسية تعزز الدراية الرقمية والإعلامية والمعلوماتية، وحثّوا مؤسسات التكنولوجيا على استخدام إطار حقوق الإنسان لتوجيه ممارساتها التجارية.

التأثير السلبي

ترأس الحلقة النقاشية رفيعة المستوى رئيس المجلس الأممي لحقوق الإنسان، بحضور المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير إيرين خان، والمدير التنفيذي لمختبر سياسات المحتوى والمجتمع في جامعة ستانفورد، جولي أوونو.

وشاركت أيضا مديرة مركز الدراسات حول حرية التعبير والوصول إلى المعلومات، جامعة باليرمو بوينس آيرس، ونائبة رئيس مبادرة الشبكة العالمية أغوستينا ديل كامبو، وزميلة مشاركة في المعهد الملكي للشؤون الدولية معهد شاتام هاوس، كيت جونز.

وأتاح النقاش للدول والمنظمات الدولية وأصحاب المصلحة الآخرين ذوي الصلة، فرصة الوقوف على التحديات الرئيسية المتعلقة بالتضليل الإعلامي وتبادل أفضل الممارسات وتحديد الدروس المستفادة في مجال مكافحة التضليل الإعلامي من منظور حقوق الإنسان.

وفي الجلسة الافتتاحية شددت المفوضة السامية على أن التضليل الإعلامي بحد ذاته لم يكن عموماً سبباً في الاضطرابات المجتمعية، بل ساهم بالأحرى في تفاقم تلك العلل.

وأشارت إلى أن التضليل الإعلامي ينشأ على خلفية عدم المساواة البنيوية والتمييز العميق الجذور والمؤسسات الهشة بصفة متزايدة وفقدان الثقة في هياكل الحوكمة ومحدودية سيادة القانون.

وأوضحت أن انتشار التضليل الإعلامي يتزايد عندما يشعر الناس أن أصواتهم غير مسموعة، وفي الحالات التي يكون فيها الفضاء المدني محدوداً أو مغلقاً ويقيَّد التدفق الحر للمعلومات والنقاش.

الوصول للمعلومات

ولا يقتصر حق الإنسان في الوصول إلى المعلومات ونقلها على المعلومات التي تعتبرها الدولة دقيقة، وحذرت الدول من محاولة ترتيب ما هو مغلوط وما هو صحيح رسمياً.

وقال المشاركون إن ذلك يمكن إساءة استخدامه بسهولة لقمع الآراء والمعتقدات والمواقف السياسية والإضرار بالعمل الفني والعلمي والمناقشات العامة.

وأوضحوا أن استخدام معلومات مغلوطة لأغراض شائنة ليس بالأمر الجديد، داعين إلى بذل المزيد من الجهود لمعالجة الأسباب الكامنة وراء ضخ الروح في التضليل الإعلامي، التي سمحت له باكتساب الزخم.

وبالنظر إلى السرعة والحجم غير المسبوقين للمعلومات المتداولة في بيئة المعلومات، ينبغي أن ينصب التركيز على تقييم الكيفية التي تحدث بها التكنولوجيا ثورة في الاتصالات.

ويمكن للحملات المنظمة في شبكة الإنترنت التي غالبا ما تستخدم أدوات آلية لتضخيم الرسائل أن تخلق بسرعة انطباعات خاطئة عن الدعم الشعبي الواسع لأفكار معينة أو تأليب الرأي ضدها، وبالتالي يجب أن تهدف الجهود المبذولة لمعالجة التضليل الإعلامي إلى الكشف عن شتى أنواع مسؤوليات الجهات الفعالة الناشطة في هذا المجال.

وتطرقت المناقشات إلى أن الرقابة أضحت وسيلة غير فعالة لمعالجة التضليل الإعلامي، لأنها قد تؤثر بشدة على حقوق الإنسان، ولا يمكن لأي حل للتضليل الإعلامي أن يكون فعالاً إذا لم يجعل الحق في الوصول إلى المعلومات والحق في حرية التعبير هدفين أساسيين.

ودعت الدول إلى الحفاظ على فضاء مدني نابض بالحياة وتعددي، يمكن فيه للصحفيين والمدافعين عن حقوق الإنسان والأكاديميين والناشطين جميعاً أن يسهموا بأمان في المناقشات والمساعدة في فتح الخرافات وزيادة الوضوح بشأن المواضيع المستعصية.

وشجعت على إنفاذ تدابير السياسة العامة التي تدعم الصحافة المستقلة وتعزز تعددية وسائط الإعلام والدراية الرقمية والإعلامية، بهدف دعم اطلاع الأفراد على نظم المعلومات المعقدة، وتعزيز التفكير النقدي.

 وحثت الجلسة النقاشية، المسؤولين في الدول على التصرف بشفافية كاملة وتبادل المعلومات الدقيقة في الوقت المناسب لكسب ثقة الجمهور.

وفي هذا الصدد، تجب محاسبة المسؤولين في السلطة المشاركين في نشر معلومات مضللة بهدف قمع الخطاب الذي لا يروق لهم أو ترهيب ومضايقة الأصوات الناقدة.

وعلى ذلك دعت شركات التكنولوجيا إلى احترام حقوق الإنسان، وقبول إجراء تدقيق مستقل لخدماتها وعملياتها والتحلي بالشفافية، بشأن الطريقة التي يتم بها التعامل مع الإعلانات والبيانات الشخصية، وتزويد الباحثين بإمكانية الوصول إلى البيانات ذات الصلة بهدف فهم المعلومات المضللة ومعالجتها بشكل أفضل.

دعا المشاركون في الجلسة إلى إجراء مزيد من البحوث حول كيفية تحويل المجال الرقمي لتدفقات وسائط الإعلام والمعلومات، وإجراء مناقشات حول التضليل الإعلامي في إطار معايير حقوق الإنسان خاصة حرية التعبير والوصول إلى المعلومات والحق في الخصوصية.

توصيات حقوقية 

قالت المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير، إن تدابير التصدي للمعلومات المضللة متأصلة في مبادئ حقوق الإنسان المعترف بها عالمياً.

وأوضحت أنه يجب على الدول بصفتها الجهة المسؤولة الرئيسية عن حقوق الإنسان تعزيز الوصول إلى معلومات متنوعة وموثوقة وبطرق منها إتاحة البيانات الرسمية في شبكة الإنترنت وخارجها، والامتناع عن رعاية أو نشر المعلومات المضللة.

ودعت المقررة الخاصة الدول إلى تنظيم وسائل التواصل الاجتماعي بذكاء في ظل الاحترام الكامل للحق في المعلومات وحرية الرأي والتعبير.

وشددت على أنه لا ينبغي للحكومات إجبار أو حث المنصات على إزالة أو حجب المحتوى المشروع بموجب القانون الدولي، بل التركيز على حماية البيانات على نحو صارم وتحلي المنصات بالشفافية.

وحثت الشركات على بذل جهود إضافية لمعالجة نموذج إعمالها في مجال تكنولوجيا الإعلانات الذي يغذي المعلومات المضللة، والتحلي بمزيد من الشفافية وبذل العناية الواجبة وترسيخ المساءلة في مجال حقوق الإنسان في جميع عملياتها.

ودعت أيضا الشركات العالمية إلى استثمار المزيد من الموارد لتحسين فهم السياقات المحلية التي تعمل فيها والفئات الضعيفة، التي قد يستهدفها التضليل الإعلامي.

وأكدت أن التضليل الإعلامي مصطلح معقد يثير العديد من الأسئلة متعددة الأوجه، وأن هذه التحديات مضاعفة بالنسبة للمنصات العالمية.

وقالت إن الحد من الطلب على المعلومات المضللة يستدعي تعزيز الدراية الرقمية والإعلامية لتمكين الناس من اتخاذ قرارات مستنيرة بشأن المحتوى الذي يشاهدونه في شبكة الإنترنت.

ودعت قطاع التكنولوجيا إلى الاعتماد على الخبرات والاستخبارات المحلية التي يمكن أن تساعد في وضع المعلومات في سياقها، ومعالجة الأضرار الناجمة عن التضليل الإعلامي دون التعدي على حرية التعبير.

مخاوف وشكوك

وأعرب عدة متحدثين عن قلقهم من أن التضليل الإعلامي يمكن أن يقوّض الثقة الاجتماعية والصحة العامة وحقوق الإنسان والديمقراطية.

ولاحظ متحدثون آخرون أن جهات فاعلة مختلفة بمن في ذلك سياسيون أو موظفون عموميون، قد تستخدم المعلومات المضللة لدوافع متنوعة، مثل النهوض بالطموحات السياسية أو خلق انقسامات أو مهاجمة أكثر الفئات ضعفاً في المجتمع.

وأثار البعض مخاوف من أن المعلومات المضللة يمكن أن تسهم في نشر الصور النمطية السلبية وكراهية الأجانب ونظريات المؤامرة ومعاداة السامية وكراهية الإسلام، ومن أجل مكافحة التضليل الإعلامي بصورة فعالة.

بدورها، أبرزت المقررة الخاصة المعنية بتعزيز وحماية الحق في حرية الرأي والتعبير أن النقاش بين الدول الأعضاء يظهر مدى تعقيد المسألة.

وشددت على أن التضليل الإعلامي يشكل تحدياً لحقوق الإنسان لأنه يزدهر في الحالات التي تكون فيها حقوق الإنسان مقيدة.

وأشارت إلى أن منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلوم والثقافة وصفت المعلومات بأنها منفعة عامة، ودعت الدول إلى إعمال الحق في المعلومات، بما في ذلك عن طريق كفالة وسائط إعلام قوية وحرة وتعددية ومتنوعة ومستقلة، وتقع على عاتق الشركات مسؤوليات في مجال حقوق الإنسان تماشياً مع المبادئ التوجيهية للأعمال التجارية وحقوق الإنسان.

ومصطلح التضليل الإعلامي، يستخدم لوصف ظواهر معقدة لا يوجد لها تعريف متفق عليه عالمياً، ما يستدعي تفكيك المصطلح وفق سياقات وجهات فاعلة بغية تجنب مخاطر التعسف والرقابة.

ويعقد مجلس حقوق الإنسان (تأسس عام 2006) ما لا يقل عن 3 دورات عادية في العام، لفترات مجموعها 10 أسابيع على الأقل، وهي تُعقد في أشهر مارس (لمدة 4 أسابيع) ويونيو (لمدة 3 أسابيع)، وسبتمبر (لمدة 3 أسابيع).

يجوز لمجلس حقوق الإنسان -إذا طلب ثلث الدول الأعضاء (عددها 47)- أن يقرر في أي وقت عقد دورة استثنائية لتناول انتهاكات وطوارئ حقوق الإنسان.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية