مهرجان كان.. فيلم "إن شاء الله ولد" يدعم المرأة.. و"وداعاً جوليا" يفتح جراح السودان

مهرجان كان.. فيلم "إن شاء الله ولد" يدعم المرأة.. و"وداعاً جوليا" يفتح جراح السودان

تحضر قضية المرأة باستمرار في النقاش العربي، بحكم أن وضعها لا يزال يحتاج إلى الكثير من الشجاعة السياسية لدفعه نحو الأفضل، ويبقى الفن، وفي مقدمته السينما، رافعة مهمة في تحريك هذا الملف والإسهام في كسر الجمود حوله من قِبل المخرجين التواقين لمجتمعات أخرى، تنال فيها المرأة مكانتها الحقيقية.

قد يكون هذا هو المنطلق الذي حفز المخرج الأردني أمجد الرشيد على الخوض في الموضوع عبر فيلم "إن شاء الله ولد"، المشارك في مسابقة "أسبوع النقاد" بمهرجان كان السينمائي، لا سيما معاناة النساء الأرامل مع قوانين الإرث، اللاتي يكافحن في الغالب بصمت في العديد من المجتمعات العربية، علما بأن إحدى قريباته عاشت الأمر نفسه، "لقد دفعني الأمر للتساؤل عما كان سيحصل لو قالت هذه المرأة لا للتقاليد؟"، حسب ما يقول الرشيد.

ويقصد بـ"لا"، أي رفض الاحتكام لهذه القوانين التي تخول أقارب الزوج، في حال لم ينجب ذكورا، الاستفادة مما تركه من ممتلكات وأموال، وهذا أمر يبدو مستحيلا بالنسبة لها في مجتمعات تحكمها قوانين قاسية معها، "فالظلم الذي يتعرض له النساء لا يقتصر على طبقة اجتماعية أو ديانة"، وفق المخرج الأردني.

اختيار الرشيد لهذا الموضوع، كان بحكم تفشيه بكثرة في المجتمع، حسب تصريحاته، وكان جميع من يتحدث لهم عن العمل يقولون: إن هذا "حصل مع أختي أو جارتي"، وفق وكالة "فرانس برس".

وبالتالي، فهو يفضح نوعا من النفاق في الخطاب السائد بالمجتمع العربي حيث يشيد الكل هنا وهناك بدور المرأة، لكن الواقع شيء آخر.. وسعى بالتالي إلى وضع هذه المجتمعات أمام هذا التضارب بين الخطاب والممارسة، "نسمع دائما مقولة إن المرأة نصف المجتمع، فكيف يمكن حرمانها من كل حقوقها؟ كيف نريد للمجتمع أن يتطور؟".

معاناة مع الذكورية

يحكي فيلم "إن شاء الله ولد" قضية أرملة تضطر إلى مواجهة قوانين قاسية، ستزيد من معاناتها بعد فقدان زوجها في مجتمع ذكوري لا يرحم، ويتآمر عليها الجميع لتجريدها من الجزء الأكبر من الميراث، فقط لأن زوجها الراحل لم ينجب ولدا ذكرا يخلفه.

ويفضح الفيلم الظلم الذي تتعرض له هؤلاء النساء في شخص الممثلة منى حوا التي تلعب دور نوال، الزوجة التي فقدت زوجها، حيث تواجه ترسانة من القوانين غير المنصفة، خاصة منها المتعلقة بالإرث، والتي تخول للمقربين من المتوفى الاستفادة من الميراث، لأنه أنجب منها مولودا أنثى فقط.

وسيمارس عليها العم شتى الضغوطات، بذريعة نيل حقوقه الشرعية، بدون مراعاة الظروف الاجتماعية الصعبة التي تهدد أرملة شقيقه وطفلته، وستجد نوال نفسها وحيدة في مواجهة هذه العاصفة خاصة بعد أن تحالف أخوها مع العم حتى لا تثار، حسبه، فضيحة في العائلة، وللتخفيف من ثقل هذه الضغوط ضدها اختلقت منى قصة أنها حامل.

"إن شاء الله ولد" هو أول فيلم أردني يشارك في مهرجان كان السينمائي، ونالت هذه المشاركة تقدير الكثير من المهتمين السينمائيين، لأهمية الموضوع وشجاعة المخرج في تناوله، والذي يترقب اليوم ردود فعل الجمهور الأردني غير المعتاد على مشاهدة قضاياه سينمائيا، بل لا يزال "حساسا بدرجة كبيرة" حيال ذلك، حسب المخرج نفسه.

وداعاً جوليا

على غرار الأردن، شارك السودان لأول مرة في تاريخه بمهرجان كان من خلال فيلم "وداعاً جوليا" للمخرج السوداني محمد كردفاني. 

ويطرح المخرج التعقيدات المجتمعية والسياسية التي تنخر السودان، وتسببت في معظم مآسيه إن لم يكن كلها، ويضغط بقوة على مكامن الجرح في هذا النسيج المترامي الأطراف.

"القبلية، العنصرية والاستقطاب"، ثلاثة أمراض وقف عندها المخرج، تسبب فيها أنه "لدينا ميل سامٍ جدا إلى الافتخار بكل ما يقسمنا من: جنس، قبيلة، عرق، ودين.. هي الأشياء التي يفتخر بها الناس عادة، ولذلك نعيش حروبا باستمرار.. يجب أن نبني هوية جديدة، نعتز فيها بما لا يفرقنا كالحرية، والعيش المشترك والشفقة".

ويضيف: "الشعور بالذنب هو الذي دفعني إلى كتابة هذه القصة في البداية.. عندما رأيت أن نتيجة الاستفتاء بلغت 99 بالمئة لصالح الانفصال، (يقصد انفصال جنوب السودان)، أدركت أن القضية ليست سياسية وإنما عنصرية، وأدركت أيضا أني كنت أنا بدوري مذنبا، وشعرت أني مطالب بأن أبتعد عن بعض الأفكار المحافظة المتوارثة من العائلة والمجتمع. كل شخصيات الفيلم تمثلني في مراحل مختلفة من حياتي، إذاً نعم شعرت بأني مذنب لانفصال جنوب السودان.. شعرت بالذنب وأنا أفكر في علاقاتي السابقة، بشأن سلوكي المحافظ والقمعي إلى حد ما، وعندما بدأت أرى الأشياء بشكل مختلف، شعرت بالحاجة إلى كتابة كل ذلك".

ويتحدث الفيلم عن قصة جريمة في الخرطوم قبل الاستفتاء الذي منح الاستقلال لجنوب السودان، تورطت فيها امرأة "مونى" التي تؤدي دورها الممثلة إيمان يوسف، وهي من عائلة ثرية وتنتمي إلى الشمال، حيث ستُشغل خادمة من الجنوب، وهي عارضة الأزياء سيران رياك في دور جوليا، للتغطية على قتل زوجها دهسا بالسيارة.. وتسجل هذه الجريمة كدفاع عن النفس بحكم العلاقات التي يتمتع بها زوجها.

ورغم الجريمة المرتكبة، يقدم المخرج هذه المرأة بضمير حي، أشعرها بالذنب تجاه القتيل وعائلته، وهكذا قامت بالبحث عن زوجته "جوليا" التي لم تكن تعرفها في السابق، وعرضت عليها عروض عمل مقنعة لكي تقبل بالعمل لديها، وكانت تتعامل معها ومع أبنائها كأفراد من أسرتها.

شعور منقسم

على غرار الفيلم الأردني "إن شاء الله ولد"، حظي فيلم "وداعاً جوليا" بمتابعة كبيرة وتقدير من قبل النقاد كعمل انتفض ضد سموم مجتمعية وسياسية تنخر جسد البلد، وهذا كان بشجاعة مخرج ليس بجديد على الميدان، وكان له في السنوات الأخيرة حضور على الساحة السينمائية العربية، وحازت أعماله عددا من الجوائز بينها فيلمه القصير "نيركوك" المتوج بـ"الفيل الأسود" لأفضل فيلم سوداني في 2017.

وبشأن تزامن مشاركة فيلمه مع الأحداث التي تعيشها بلاده، قال كردفاني: "شعوري منقسم بشكل كبير.. من ناحية أشعر أني سعيد جدا وتشرفت، ومن ناحية ثانية أشعر بأن قلبي محطم وبالذنب للاحتفال بهذا النجاح في وقت يفر فيه مواطنو السودان من الحرب ومن القصف".

وعن حظوظ عرض "وداعاً جوليا" يوماً ما في السودان، يجيب المخرج: "قبل اندلاع الحرب، كنت قررت عرضه في السودان، سأعود إلى بلادي بمجرد أن تتوقف القنابل، وآخرون سيعودون أيضا، وأعرف أننا سنعيد بناءها.. ومن الأشياء التي سنشيدها قاعات السينما التي تم هدمها في جميع ربوع البلاد، ليس من المفروض أن تكون هذه القاعات من الطراز الرفيع؛ مجرد جهاز للعرض وشاشة بيضاء كافيان".


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية