لبنان.. هل تكون الفيدرالية حلا لأزمة اللاجئين؟
لبنان.. هل تكون الفيدرالية حلا لأزمة اللاجئين؟
المنسقة العامة لمؤتمر الفيدرالية: نظام الفيدرالية يحافظ على التعددية ويحمي من الطائفية
كاتب سياسي: نظام الفيدرالية يراه البعض طريقا للتقسيم.. والفوضى تزيد أزمة اللجوء السوري اشتعالا
أستاذ علوم سياسية: الحل الوحيد المستدام لأزمة اللاجئين هو تأمين الظروف اللازمة لعودتهم الآمنة
رئيس بلدية القاع: يجب إسقاط صفة النازح عمّن لا تنطبق عليه الشروط
كبير القانونيين في المنظمة الدولية للاجئين في الشرق الأوسط: على الحكومة توفير مساحة كاملة لمفوضية شؤون اللاجئين
المتحدثة باسم مفوضية شؤون اللاجئين في لبنان: يجب احترام حق اللاجئين في العودة طواعية في الوقت الذي يختارونه
لبنان- بلال نوالدين
عندما انتهت الحرب الأهلية اللبنانية بتوقيع اتفاق الطائف توقع اللبنانيون أن الأزمات ولّت إلى غير رجعة، ولكن الرياح جرت بما لا تشتهي سفنهم، فشبح التقسيم الذي يهدد كيان أي دولة خلال الحرب، حمله اللبنانيون معهم إلى يومنا هذا، فغالبا ما تتردد عبارات الفدرلة والتقسيم، وبين من يرى أن هذه المشاريع تهدد مستقبل لبنان، يرى البعض الآخر أن تطبيقها هو السبيل الأوحد لخلاص لبنان من مشكلاته السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
مؤخرا ارتفعت الأصوات الداعية للفدرلة، ونُظمت الكثير من المناظرات والمؤتمرات حول هذا الطرح، حتى إن البعض ذهب لوصف الفدرلة بالحل المناسب لأزمة اللجوء السوري في لبنان، وذلك على قاعدة أنه إن كان أغلب اللاجئين مسلمين، فما المانع من نقلهم إلى مناطق لبنانية ذات غالبية مسلمة، وهكذا تحل هذه المعضلة طالما أن عودتهم إلى سوريا تبدو صعبة في الوقت الحالي.
بين الموافقة والرفض
الحديث القديم الجديد عن ضرورة حل أزمة اللاجئين، قسم اللبنانيين كما كل مرة، وأيضا قسم اللاجئين بين مؤيد ومعارض لذلك الطرح.
وليد، نزح إلى لبنان عام 2013 هربا من معارك حمص، ولكنه اليوم يحن إلى مدينته، يقول وليد: بصفتي لاجئًا سوريًا يعيش في لبنان منذ عدة سنوات، فأنا على استعداد للعودة إلى وطني، فعلى الرغم من التحديات والشكوك التي تنتظرنا في سوريا، لا يمكننا الاستمرار في إثقال كاهل اللبنانيين ومواردهم.
ويتابع: نحن يجب أن أكون ممتنًا للدعم والمساعدات التي قدمها لنا لبنان، لكن حان الوقت للعودة إلى الوطن وإعادة بناء بلدنا، آمل أن يواصل المجتمع الدولي دعمنا ونحن نبدأ هذه الرحلة الصعبة.
أما ابن بلده سالم الذي لجأ إلى بيروت في بداية الأحداث، فيرفض دعوات الترحيل، معتبرا أنها غير واقعية على الإطلاق، فيقول: "أعتقد بقوة أنه يجب السماح لنا بالبقاء هنا، لقد هربنا من بلدنا بحثًا عن الأمن والأمان، ووفر لنا لبنان منزلاً مؤقتًا، نحن لسنا هنا بالاختيار، بل بالضرورة".
ويضيف: "لقد أصبحنا جزءًا من نسيج هذا البلد وساهمنا في اقتصاده ومجتمعه، وأحث الحكومة اللبنانية والشعب اللبناني على الاستمرار في دعمنا في هذه الأوقات الصعبة وتزويدنا ملاذ آمن حتى نتمكن من العودة إلى ديارنا بعد توفر الظروف الملائمة".
في السياق، يدافع زياد عن وجود اللاجئين، معتبراً أن الحديث عن ضرورة ترحيلهم حديث عنصري بامتياز، فيقول: "يجب السماح للاجئين السوريين بالبقاء في بلدنا.. لقد مروا بمصاعب وفظائع لا يمكن تصورها في بلدهم ولا يمكننا إدارة ظهورنا لهم الآن".
ويضيف: "إنه واجبنا الأخلاقي أن تزويدهم بالدعم والمساعدة اللازمين حتى يتمكنوا من العودة بأمان إلى بلدهم، يجب أن نرحب بهم بأذرع مفتوحة ونظهر لهم التعاطف واللطف الذي يستحقونه".
في المقابل، تقف الشابة اللبنانية ياسمين التي ترى أن الترحيل بات أمرا ضروريا، وإن لم يكن الترحيل حلا ممكنا فالحل بالنسبة لها هو إرسال اللاجئين إلى المناطق الأكثر ترحيبا بهم في لبنان.
تقول ياسمين: "أؤمن بشدة أن الوقت قد حان لعودة اللاجئين السوريين إلى وطنهم، بلدنا لم يعد قادرًا على استيعاب هذا العدد الكبير من اللاجئين، لقد شكلوا عبئًا على اقتصادنا وبنيتنا التحتية والنسيج الاجتماعي لفترة طويلة، لقد حان الوقت لهم للعودة وإعادة بناء بلدهم.
وتتابع: "إنني أحث الحكومة على اتخاذ الخطوات اللازمة لإعادتهم إلى أوطانهم في أقرب وقت ممكن، وإذا كان البعض من اللبنانيين سعيدا ببقاء السوريين فليؤمن لهم مسكنا في منطقته".
النظام الفيدرالي
تقول المنسقة العامة للمؤتمر الدائم للفدرالية رشا عيتاني إن "النظام الفيدرالي هو نظام اتحادي وبعيد كل البعد عن مفهوم التقسيم، وهو على العكس يهدف لتوحيد المقسم، وتضيف: "الدعوات للنظام الاتحادي قد زادت في الآونة الأخيرة، بسبب وعي جزء كبير للجهود التي قمنا بها في المؤتمر".
وعن إيجابيات هذا الطرح، توضح عيتاني لـ"جسور بوست" أن "الفيدرالية تعالج لب المشكلة في لبنان وسبب العلة المتمثلة في النظام المركزي وفي ظل دولة تعددية، فالفيدرالية تؤمن التنمية العادلة في المناطق، وتشجع على المنافسة التنموية المناطقية.
وتتابع: "كما أنها تخفف من نتائج النظام المركزي كسيطرة طائفة على باقي المكونات الأخرى، بالإضافة إلى كل ما ينتج عن هذا النظام مثل الخلاف على السياسة الخارجية والدفاع والمال".
وتضيف مشيدة بالفيدرالية قائلة إن "النظام الفيدرالي/الاتحادي يحافظ على التعددية ويحمي من الديمقراطية العددية التي بحال تبنيها سوف تساهم بقمع الطائفة الأكبر عددا لباقي الطوائف".
رشا عيتاني
وردا على سؤال حول موقف المؤتمر لملف اللاجئين السوريين، فتجيب عيتاني بأن "حل أزمة النازحين السوريين موجود وسنطرحه خلال مؤتمرنا الدولي القادم المحدد في ١٣ و١٤ يونيو تحت عنوان: طريق السلام، معًا نحو شرق أوسط ديمقراطي".
والجدير بالذكر أن بعض الأحزاب اللبنانية باتت في الفترة الأخيرة تتحدث بشكل علني على طرح الفيدرالية، في ظل تدهور الأزمة السياسية-الاقتصادية بعد ثورة 2019.
الفيدرالية مرادف للحرب
من جهته، يرى الكاتب السياسي غسان جواد أن “الواقع اللبناني المأزوم وفي ظل فشل الدولة المركزية لاسيما ما جرى بعد ١٧ أكتوبر من انهيارات لقطاعات خدماتية كالكهرباء، ووصول الانهيارات إلى مؤسسات الدولة من الطبيعي أن تخرج دعوات للمطالبة بتغيير النظام السياسي، ومن هذه الدعوات الدعوة إلى الفدرالية في لبنان الفدرالية”.
ويضيف لـ"جسور بوست" أن " المشكلة في لبنان أن الفيدرالية ارتبطت في الحرب الأهلية بمفهوم التقسيم وأصبحت جزءاً من الدعاية السلبية في الحرب ولذلك وقعها على مسامع الكثير من اللبنانيين هو واقع سلبي ولكن فكرة إعطاء شكل من أشكال الصلاحيات للبلديات، توسيع صلاحيات المحافظ، القائم مقام، البلديات قد يسمى هذا لا مركزية إدارية، وهذا موجود في اتفاق الطائف وهذا لا إشكال عليه إلا عبر طرح البعض يطرح اللامركزية الإدارية والبعض يطرح اللامركزية المالية وهذا قد يسبب إشكالاً".
ويكشف جواد أن "هناك مخاطر لمشروع الفدرلة الذي يريده البعض، خصوصاً إذا كانت فدرلة طائفية وهو أن تؤدي إلى التقسيم وأيضاً إلى إنتاج أزمات وربما إلى إنتاج مزيد من التوترات والحروب. ولذلك الأفضل هو تطبيق الإصلاحات الموجودة في إنفاق الطائف وهي متوازية بين الدولة المركزية من جهة المجلس وإنشاء مجلس الشيوخ وقوانين استقلالية القضاء.. وأيضاً، فاتفاق الطائف ينص على اللامركزية الإدارية وهذه اللامركزية يمكن التوافق على شكل من أشكالها بين اللبنانيين من أجل جعل جميع المكونات اللبنانية مرتاحة وفي الوقت نفسه الحفاظ على وحدة البلد".
غسان جواد
ويقلل جواد من فكرة التقسيم قائلا: "هناك بعض العقول الموجودة في العالم التي تخاف الآخر ولا تريد الآخر وهي ليست موجودة في طائفة دون غيرها ولكن النسب تتفاوت.. وأحياناً في الأزمات وأمام فشل الدولة المركزية تصعد نبرة المطالبة بالفدرالية، بما معناه التقسيم.. وهذه أفكار ليس لديها رواج كبير في لبنان ولا تعبر عن واقع وحقيقة ما يفكر به اللبنانيون الذين يميلون جميعهم إلى إصلاح النظام السياسي وتطبيق المدرجات الموجودة في الدستور التي هي سلة متكاملة تراعي هواجس الجميع".
وردا على ما الذي يمكن فعله لمعالجة أزمة اللاجئين، يقول جواد: "إن الحل الأنسب في لبنان اليوم لأزمة النزوح، ليس بطرح فدرالي ولا بطرح تقسيمي ولا بطرح فيه شكل من أشكال رفض الآخر والعيش معه، فالأزمة في موضوع اللجوء السوري والنزوح السوري هي بالفوضى التي تشوب هذا الملف لأنه من البداية لم يَجرِ تنظيمها بشكل جيد، وكل صوت كان يرتفع لتنظيمه كان يخمد بالاتهامات وغيرها".
ويكشف جواد عن ضغوط دولية تمارس على لبنان "لمنع الدولة من التعامل بجدية مع هذا الملف تم مارستها في الـ١٠ سنوات الماضية وهناك ضغوط مارستها الجمعيات التي تتقاضى الأموال من الغرب وتستفيد على ظهر اللاجئين، أيضاً لديها جيوش إلكترونية كانت تتهم كل صوت يطالب بتنظيم ملف اللجوء بأنه عنصري إلى أن وصلنا اليوم أن هذا الملف أصبح أكبر من قدرة لبنان على الاحتمال في ظل الأزمة الاقتصادية القائمة ولا بد من التعامل مع المواقف بشكل علمي لحل هذا الملف".
ويضيف: "اليوم هناك نازحون اقتصاديون ونازحو حرب، ففي موضوع لاجئي الحرب يجري طرح خطة لإعادتهم إلى سوريا بالتنسيق مع الدولة السورية والأمم المتحدة وأيضاً من ليس لديه صفة لاجئ حرب وهو نازح اقتصادي ومقيم تجري تسوية أوضاعه إما بإعطائه إقامة وإما بإعادته إلى بلدة إذا لم يكن يستوفي شروط الإقامة إذا لن يكن هناك أسباب غير مهمة أو موجبة لبقائه ومنها ما يثار حول المخاطر الأمنية وعدم وجود بنى تحتية، عدم وجود الكثير من الحاجات التي يحتاج إليها الإنسان كل هذه الملفات يجب تشريعها، ويجب معرفة ما عدد لاجئي الحرب الذين لا يمكنهم العودة لأسباب أمنية، وما عدد النازحين الذين يمكن أن يعودوا وهناك مكان لعودتهم؟ وقدرة الدولة السورية على استيعابهم، هذا الملف بحاجة إلى خطة وإلى قرار سياسي ودولي وأعتقد أن هذا غير متوفر".
يُذكر أن الدولة اللبنانية كانت قد بدأت في الأشهر الأخيرة التنسيق مع الدولة السورية عبر جهاز الأمن العام اللبناني، لإعادة من يرغب من السوريين بشكل طوعي.
اللجوء لا يُعَالج بالفيدرالية
يتوافق أستاذ العلوم السياسية والباحث في معهد الشرق الأوسط تشارلز ليستر مع طروحات جواد، إذا يعتبر أن "أي نقاش حول الفيدرالية لا يقدم حلاً دائمًا لأزمة اللاجئين في لبنان كون أن حجم وجود اللاجئين هو ببساطة أكبر من اللازم".
ويضيف لـ"جسور بوست" أنه "في نهاية المطاف، الحل الوحيد المستدام لأزمة اللاجئين، سواء في لبنان أو تركيا أو الأردن أو أي مكان آخر، هو تأمين الظروف اللازمة لعودتهم الآمنة والكريمة عن طوعياً".
تشارلز ليستر
ويرى ليستر أن "تناول الملف اللبناني من الزاوية الطائفية هي نتيجة طبيعية للديناميكية السياسية الفريدة للبلد، لكنها أيضًا مقلقة للغاية، حيث لا ينبغي أبدًا تصنيف اللاجئين من منظور طائفي أو أخلاقي، ولكن كضحايا وكائنات بشرية، إذ لا يؤدي إضفاء الطابع الطائفي على المحادثة إلا إلى زيادة خطر العنصرية التي تدفع إلى الأمام سياسات قصيرة النظر ستفشل في حل الأزمة وستجعلها على الأرجح أسوأ".
وبحسب العديد من المنظمات الحقوقية، فقد ازداد خطاب الكراهية تجاه اللاجئين كثيرا في لبنان مؤخرا، وهذا غرض الكثير منهم للمخاطرة عديدة تهدد حياتهم.
بلدة القاع نموذج للمجتمعات المضيفة
وفي القاع، التي هي بلدة لبنانية تقع على الحدود السورية، تظهر صورة اللجوء السوري بشكل أوضح.
يقول رئيس بلدية القاع بشير مطر لـ"جسور بوست" إن "اللاجئين السوريين أكثر منا بأربع أو خمس أضعاف في قريتنا بغض النظر عن الأزمة الاقتصادية والعمالية وكل ما ينتج عنها، لكن هل يحمل واقعنا أن يبقى لدينا هذا العدد على المدى الطويل".
ويضيف: "نحن خلال فترة دعم البنزين والطحين كنا نتنافس مع السوري لنحصل على بنزين أو المازوت لتشغيل المياه، في المستشفى هناك تنافس، ليس لدينا إمكانيات وليس لدينا بنى تحتية تتحمل هذا العدد إن كانوا سوريين أو أوكرانيين أو أياً ما يكون".
ويقدر عدد السوريين في القاع بـ٣٣٠٠٠ شخص، ونحو ٨٠%- ٨٥% منهم مسجلون بالأمم.
بشير مطر
ويسأل مطر: "ماذا لو أن النظام لم يصلح وضع السوريين، وبالتالي لم يرجع السوريين إلى بلادهم، فماذا سيحل بنا في النهاية؟ ٣٣ ألف سوري على أرضنا ومن الممكن أن يزداد عددهم في حال حدوث أزمات أمنية أو اقتصادية، لأن الحدود مفتوحة لا سيما من الجانب السوري".
ويتابع: "نحن نقول إن الذي ليس لديه مشكلة مع النظام عليه العودة وليس لدينا مشكلة أن يأتي إلى لبنان بشكل نظامي، النازح السوري الذي لديه مشكلة يمكنه البقاء رغم أن هناك الكثير من السوريين يقومون بالمصالحات مع النظام ويدخلون إلى سوريا".
ويذكر مطر بموضوع المساعدات المالية التي يتقاضاها اللاجئون بالدولار وعن مدى تأثير ذلك على الاقتصاد اللبناني سلباً، فيوضح أن “بعض السوريين الموجودين من الذين يقيمون على الحدود يذهبون ويعودون ليلاً ونهارا من وإلى سوريا، فيهربون الدولار”، كما يتحدث مطر عن المضاربة التي تحصل في سوق العمل حيث يقبل اللاجئ (الذي يسمى لاجئًا لأسباب اقتصادية) براتب قليل، بينما يبقى اللبناني عاطلا عن العمل.
وعن الحلول التي يقترحها للأزمة يقول: "اليوم نحن مع أن تسقط صفة النازح عن أي أحد لا تنطبق عليه صفة النازح، فالذي ذهب للانتخاب والموالي للنظام الذي يأخذ دولارات ويشتري بيوتاً في سوريا أو الذي ابنه في الجيش وهو مقيم هنا فليرحل، وأما الذي لا يذهب إلى سوريا قطعا، فيترك إلى مرحلة ثانية لنحل أزمته.. ويجلس في منزله معززا مكرما كونه نازحاً بسبب سياسي وأمني ويبقى مقيماً هنا".
وحول قدرة البلدية على ترحيل اللاجئين، يقول مطر: "نحن ليس لدينا الحق بالترحيل ونتعامل مع السوريين جميعهم نفس التعامل إنسانياً، كما أريد أن أقول للأشخاص الذين يتهموني بالعنصرية إننا كنا نقف كثيرا مع السوري إذا كان معه حق.. ونساعدهم في الأوقات الصعبة".
ويختم مطر كلامه بالقول: "سمعت من الكثير أن المفوضية تقول إنه من يذهب إلى سوريا ويعود يبقى نازحاً ولا تنزع عنه صفة النازح عنه، أنا لا أفهم المعايير المعتمدة لكن إذا أرادوا تطبيقها فليطبقوها في أوروبا وليس في لبنان".
يجب تجاوز عقلية التصارع
وتعليقا على الخطاب اللبناني بخصوص اللاجئين، فيرى كبير القانونيين في المنظمة الدولية للاجئين في الشرق الأوسط جيسي ماركس أن "خطاب الحكومة اللبنانية المناهض للاجئين والأعمال العدائية الأخيرة ضد اللاجئين السوريين مقلقة للغاية، فعلى نحو متزايد، يستخدم المسؤولون اللبنانيون اللاجئين السوريين كبش فداء للأزمات الاقتصادية والسياسية في البلاد، من أجل الابتعاد عن فشلهم وكان لهذا تأثير كبير على المجتمعات المحلية، حيث لا يزال الاستياء من اللاجئين السوريين مرتفعاً".
ويكشف ماركس لـ"جسور بوست" عن قلقه من تصرفات القوى الأمنية اللبنانية، فيقول: "كان استخدام قوات الأمن في الدولة لتجميع وإعادة اللاجئين السوريين إلى سوريا مقلقًا بشكل خاص، فبصفته متلقياً للمساعدة الأمنية الأمريكية، فإن الجيش اللبناني يخضع لمعايير أعلى عندما يتعلق الأمر بحقوق الإنسان، ولذا تُعد مشاركة الجيش في هذه الجولات انتهاكًا لهذا المعيار ويمكن أن يكون لها آثار على التمويل المستقبلي".
جيسي ماركس
ويتابع: "إن سلوك الأمن اللبناني في هذا الصدد هو ببساطة غير مقبول، كما أن القوات المسلحة اللبنانية ليست لديها أعذار، خاصة أن لديها مديرية كاملة مكرسة للامتثال للقانون الإنساني الدولي وحقوق الإنسان، ولذلك على صانعي السياسات الضغط على قوات الأمن اللبنانية لوقف المشاركة في ترحيل السوريين، وإذا لم يكن هناك تقدم، فيجب إعادة النظر في مؤهلاتهم".
ويوضح ماركس أن السبب تخوفه ناتج عن أن "هناك حالات واسعة النطاق لاختفاء العائدين السوريين، أو التجنيد الإجباري، أو الاحتجاز، أو المضايقة من قبل القوات السورية عند عودتهم، بالنسبة للاجئين السوريين في لبنان الذين فروا إلى حد كبير من المناطق التي يسيطر عليها النظام، فإن الخوف من العودة مرتبط ارتباطًا وثيقًا بالتهديدات التي يشكلها انتقام النظام على سلامتهم".
وعن الحلول الممكنة للأزمة فيقول ماركس إن "هناك حلولاً دائمة واضحة للاجئين مثل الاندماج المحلي، والعودة الطوعية، وإعادة التوطين. وبالتالي، يجب على الحكومة اللبنانية، بالشراكة مع وكالات الأمم المتحدة والمانحين، متابعة هذه الخيارات كأهداف طويلة المدى".
ويضيف: "يجب على الحكومة اللبنانية توفير مساحة كاملة لمفوضية شؤون اللاجئين وغيرها من المنظمات الإنسانية لتلبية احتياجات اللاجئين السوريين. هذه الوكالات مكلفة بسد الثغرات حيث تفتقر السلطات اللبنانية إلى القدرات، وإذا لم تتمكن الوكالات من تنفيذ ولاياتها بالكامل، فإن الثغرات الرئيسية في الحماية وتقديم الخدمات والوصول ستؤدي إلى تفاقم الوضع لكل من اللاجئين السوريين والمجتمعات المضيفة".
ويكشف ماركس أن "هناك اعترافاً شبه عالمي بأن الظروف في سوريا ليست آمنة لعودة مستدامة وآمنة وكريمة، ولذا قد تكون إعادة السوريين بمثابة حكم بالإعدام على البعض بينما يعرض الآخرين لظروف غير مستقرة وغير آمنة بالإضافة إلى مجموعة من مخاطر الحماية".
ويتابع: "نحن بحاجة إلى تجاوز عقلية "هل يجب أن يبقوا أم يرحلوا؟" وتحويل جوهر صنع السياسة نحو مناقشة حول كيفية بناء قدرة الدولة اللبنانية على تلبية احتياجات جميع أولئك الذين يعيشون على أراضيها.. يبدأ ذلك بتحمل السياسيين اللبنانيين مسؤولية مستقبل بلدهم وعكس مسار التدهور الاقتصادي الحالي.. عندها فقط سيكون لدى المجتمع الدولي ثقة أكبر في عدم ضخ المساعدات الخارجية في الثقب الأسود، ومن الناحية الواقعية، فإن بناء حلول دائمة للاجئين السوريين يتجاوز قدرة لبنان، ولكنه يتطلب حلاً للحرب في سوريا".
إعادة التوطين حل جيد.. ولكن
تشير المتحدثة باسم المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في لبنان ليزا أبو خالد إلى أنه "على مدى 12 سنة كان لبنان وشعبه أصحاب كرم لا مثيل له في استضافتهم للاجئين السوريين.. ولكن منذ 2019 تفاقم الوضع في لبنان بشكل كبير مع حدوث أزمات متعددّة ومتتالية، ما زاد تأثيراً بالإضافة للأزمة السورية على المؤسسات والبنية التحتية والاقتصاد في لبنان".
وبحسب الأمم المتحدة فإن لبنان يستضيف أكبر عدد من اللاجئين بالنسبة إلى عدد سكانه في العالم.
ووفقا لأرقام المفوضية، فقد تم تقديم ما مجموعه 9.3 مليار دولار أمريكي من خلال خطة لبنان للاستجابة للأزمة (LCRP) منذ عام 2015 للتخفيف من تأثير الأزمة السورية على لبنان، بما في ذلك تقديم المساعدات وتأمين الخدمات للسكان وتعزيز الاستقرار الاجتماعي.
وتشمل خطّة الاستجابة للأزمة الدعم لكلّ من اللبنانيين واللاجئين.. ومنذ عام 2011، يشكلّ حجم دعم المجتمع الدولي للبنان، ومن ضمنه وكالات الأمم المتحدة على اختلافها، والمنظمات والجمعيات الدولية والمحلية غير الحكومية، أكثر من 13.2 مليار دولار أمريكي كمساعدات إنسانية وتنموية.
ومؤخرا توقف توزيع المساعدات للاجئين بعدما اتخذت المفوضية قرارا بمنح الأموال بالدولار بدلا من الليرة اللبنانية، ما أدى إلى استياء الحكومة اللبنانية التي طالبت بتوضيحات في هذا الشأن.
ليزا أبو خالد
وتنفي" أبو خالد" لـ"جسور بوست" الاتهامات التي وجهتها الحكومة اللبنانية بشأن قيام المفوضية بابتزاز الدولة، فتقول: “المفوضية لم تطرح قضايا تتعلق بالتعليم أو بالحصول على عمل، بل تناولت قضايا تتعلق بالحماية الدولية، وتواصل المفوضية المشاركة في مقترحاتٍ بنّاءة لمعالجة وضع اللاجئين في لبنان وضمان حمايتهم، بما في ذلك القضايا المتعلقة بمشاركة الداتا والتسجيل وغيرها من القضايا المهمّة”، وتضيف: "تشمل المناقشات مسألة مشاركة الداتا، والتي كانت المفوضية ولا تزال، مستعدة للمشاركة في مناقشات ملموسة عنها بما فيها داتا عن اللاجئين السوريين المسجلين قبل تعليق التسجيل من قبل الحكومة اللبنانية أو عن تسجيل الولادات.
وتؤكد "أبو خالد" أن “المفوضية تواصل دعوتها لاستئناف تسجيل اللاجئين السوريين في لبنان، ولطالما كانت المفوضية شفافة بشأن موقفها هذا، وتدعم العودة الطوعية والآمنة والكريمة للاجئين، كما أن المفوضية لا تدعو إلى تجنيس اللاجئين السوريين في لبنان، بل تسجيل حديثي الولادة السوريين المولودين في لبنان حتى يتمكنوا من الحصول على الجنسية السورية”.
وعن صحة إرجاع بعض اللاجئين من لبنان بشكل قسري فتوضح أبو خالد أن “مفوضية تحترم حق اللاجئين الأساسي في العودة بحرية وطواعية إلى بلدهم الأصلي وفي الوقت الذي هم يختارونه، لأن معظم اللاجئين يقولون للمفوضية إنهم ما زالوا قلقين بشأن السلامة والأمن: السكن، تأمين الخدمات الأساسية وسُبل العيش".
ووفقا للمفوضية فمن خلال المعلومات التي ذكرها بعض اللاجئين وبحسب تقارير عدة، تلحظ المفوضية زيادة في عدد المداهمات في صفوف سوريين، كما تلقت المفوضية أيضًا تقارير عن سوريين محتجزين بهدف ترحيلهم في ما بعد، ومن بينهم من هو معروف ومسجلّ لدى المفوضية.
وتكشف أبو خالد عن أن “رسالة المفوضية الإنسانية تملي عليها إيجاد حلول للجوء، على أن تعمل المفوضية على المستوى الدولي للمساعدة في معالجة مخاوف اللاجئين والنازحين داخليًا الذين يفكرون في العودة، وتسترشد جهود المفوضية باحتياجات اللاجئين ووجهات نظرهم ومخاوفهم وقراراتهم، في إطار آليات العمل التي تحكمها سيادة لبنان”، وتضيف: "تواصل المفوضية العمل مع الجهات الفاعلة الرئيسية لإيجاد حلول طويلة الأجل للاجئين السوريين، بما في ذلك إعادة توطين اللاجئين في دول ثالثة كما العودة الطوعيّة، الآمنة والكريمة إلى بلدهم سوريا، ولتحقيق هذه الغاية، تعمل الأمم المتحدة مع كل المعنيين، بما في ذلك الحكومة السورية والدول المضيفة، لمعالجة المخاوف التي يعتبرها اللاجئون عقبات أمام عودتهم بأعداد كبيرة".
وردا على سؤال حول ما إذا كانت إعادة التوطين حلا، تقول أبو خالد "إن إعادة التوطين في بلد ثالث يظلّ حلاً رئيسياً للعديد من اللاجئين الذين لديهم احتياجات خاصة ولا يمكنهم العودة إلى سوريا؛ إنّ حصص إعادة التوطين إلى بلدان ثالثة التي تمنحها الدول تنقذ الأرواح وتوفر فرصة لبداية جديدة. كما أن إعادة التوطين في بلدان ثالثة ذات أهمية حاسمة كحل دائم في السياق اللبناني".
وتشير الأرقام إلى أنه في عام 2022، تم تقديم طلبات 9،656 لاجئ لإعادة التوطين في 13 دولة، 57% منهم أطفال، وهذه زيادة بنسبة 17% مقارنة بعام 2021، وتمثل طلبات إعادة التوطين المرفوعة من لبنان 40% من إجمالي الطلبات المرفوعة من منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا و8% من الطلبات العالمية. وبحسب المفوضية فهذا يعني أن لبنان هو دولة ذات أولوية عالية لإعادة التوطين وتواصل الدعوة لتوفير المزيد من حصص إعادة التوطين إلى بلدان ثالثة للاجئين السوريين في لبنان.
وتكشف الإحصاءات أنه تم إعادة توطين ما يقارب 8،300 لاجئ في بلدان ثالثة، من لبنان في عام 2022. وهذه زيادة بنسبة 24% مقارنة بعام 2021، وتشكلّ 39% من إجمالي المُعاد توطينهم من الشرق الأوسط وشمال إفريقيا و14% على مستوى العالم.
وبحسب التقديرات الرسمية للحكومة اللبنانية، والتي تُعتمد أيضاً كرقم تخطيطي للمنظمات المحليّة والدولية، هناك 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان.
ووفقا لأبو خالد "فتبعاً لقرار الحكومة اللبنانية، توقّفت مفوضية اللاجئين عن تسجيل اللاجئين السوريين في لبنان منذ مايو 2015. ومنذ ذلك الحين، تواصل المفوضية اعتماد أعداد اللاجئين المسجلين قبل عام 2015. واعتبارًا من نهاية شهر مارس الماضي، هناك 805،326 لاجئًا سوريًا مسجلاً في لبنان".
ويذكر أن الميثاق العالمي بشأن اللاجئين، يؤكد أهمية إعادة التوطين في بلدان ثالثة من أجل تقاسم الأعباء والمسؤوليات.