بين نار الغربة ومخاطر العودة.. السوريون يخشون المصير المجهول في وطنهم

بين نار الغربة ومخاطر العودة.. السوريون يخشون المصير المجهول في وطنهم

شكّلت الحرب السورية على مدار السنوات العشر الماضية، أحد أكبر التحديات التي واجهت السوريين والعديد من الدول حول العالم، واتخذ ملايين منهم خيار الانتقال لدول أخرى بهدف البحث عن حياة أفضل وظروف أكثر أماناً.

دام الأمر سنوات، وبعد أن بدأت الأمور في الاستقرار دعت الحكومة السورية الحالية اللاجئين السوريين الموجودين في مختلف دول العالم إلى العودة لوطنهم، وتسبب ذلك في إثارة العديد من التساؤلات والتخوفات حيال حمايتهم والعيش بأمان في ظل الوضع الحالي.

ووفقًا للاجئين سوريين بدول عربية وأوروبية تحدثت معهم "جسور بوست"، ما زال العديد يرفضون العودة ويعتقدون أن الوضع الأمني والسياسي في سوريا لا يزال غير مستقر وغير آمن، وأن هناك أخطارا محتملة تتعلق بحرية التنقل والسفر وحرية التعبير وغيرها من الحقوق الأساسية.

وعلاوة على ذلك، فإن بعض الدول الأوروبية والأمريكية والكندية وغيرها، تمنح الحاليين من لاجئي سوريا تصاريح إقامة وحقوقا أخرى، وذلك يجعل بعض اللاجئين يريدون البقاء في البلدان التي تحتضنهم في الوقت الحالي.

وبحسب تقارير وكالة الأمم المتحدة لشؤون اللاجئين (UNHCR)، فإن عدد اللاجئين السوريين المسجلين لديها حول العالم بلغ حوالي 6.7 مليون شخص بتاريخ 31 ديسمبر 2020. 

وتظهر الإحصاءات أنّ هذه الأعداد تتوزع بين الدول، ففي تركيا يوجد 3.6 مليون لاجئ سوري، وفي لبنان حوالي 865 ألف لاجئ، بينما يعيش في الأردن حوالي 654 ألف لاجئ، وفي مصر حوالي 131 ألف لاجئ، وفي العراق حوالي 250 ألف لاجئ، وهذه الأعداد قابلة للتغيير، بسبب عدم استقرار الوضع في سوريا مما يدفع السوريين إلى الفرار خارج الحدود عند الضرورة إذا توفرت لديهم الفرصة للهرب.

ولا يوجد حتى الآن تقرير رسمي عن عدد اللاجئين السوريين الذين عادوا إلى سوريا مؤخراً بعد دعوة الحكومة السورية بالعودة إلى بلدهم، ولكن يتوقع أن يكون العدد محدودًا بسبب الظروف السياسية والأمنية والاقتصادية الصعبة التي ما زالت تواجه سوريا.

ويأتي هذا الرفض في ظل وجود عدة قوانين واتفاقيات دولية تحمي حقوق اللاجئين، بمن في ذلك اللاجئون السوريون. 

ومن بين هذه القوانين، اتفاقية جنيف لعام 1951 المتعلقة بوضع اللاجئين والبروتوكول الاختياري لهذه الاتفاقية الذي صدر في عام 1967، ويضمنا حماية للاجئين من الترحيل أو إجبارهم على العودة إلى البلد الذي هربوا منه، أو الانتقال إلى بلد آخر دون الحصول على ضمانات كافية بشأن أمنهم وحقوقهم. 

وبموجب هذه الاتفاقيات، يجب أن يتم التعامل مع اللاجئين بشكل عادل وإنساني، كما تجب حماية حقوقهم المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية. 

وبشكل عام، تشير الأمم المتحدة إلى أنه يجب توفير ظروف آمنة وكريمة لعودة اللاجئين إلى بلادهم، وذلك بالتعاون مع الحكومة المحلية والشركاء الإنسانيين، ويتطلب ذلك إعادة إعمار البنية التحتية وإعادة بناء المجتمعات المدمرة وتوفير فرص عمل وتعليم وخدمات صحية ونفسية.

كذلك يجب توفير حماية للاجئين الذين يرفضون العودة ويختارون بدلاً من ذلك الاستقرار في بلدان اللجوء الحالية.

"جسور بوست" ناقشت الأمر مع لاجئين سوريين في دول متفرقة، وكذلك خبراء دوليين للوقوف على رغبتهم الحقيقية وأمانهم الشخصي على حياتهم وحقوقهم.

عودة محرمة وثقة منعدمة

محمود حسن سوري لاجئ في ألمانيا، يسرد حكايته لـ"جسور بوست" قائلًا: "الخروج من سوريا لم يكن خروجًا عاديًا حتى تكون العودة بمجرد دعوة، لقد كان هروبًا من ظلم وفساد ودمار، لقد سجنت في "صيدنايا" عام 2016، ولا أعلم تهمتي ولا يوجد ما يقول إني مطلوب للعدالة أو إرهابي، كل القصة أن بطاقتي الشخصية كانت متلفة "مكسورة"، فسجنت.. من يقول إن هذا عدل وكيف أثق فيمن يستحل ضياع عمر إنسان بلا ذنب".

وتابع محمود: "لا أستطيع العودة إلى سوريا ومن معي من أصدقاء يرون ذلك أيضًا، خاصة بعد كل هذا الخراب والدمار، فلا توجد ثقة في النظام السوري، فبمجرد نزولنا للأراضي السورية سيتم قتلنا وكل من فر أو عارض النظام السوري، وهذا ليس باعتقاد شخصي، وإنما فكرة عامة وقناعة لدينا جميعًا".

Aucune description disponible.

وعن عودته وسط قوانين وحماية دولية تضمن له السلامة علق محمود بقوله: "القوانين التي يتحدثون عنها لعودة اللاجئين مؤقتة، بعد ذلك ستشن حملات اعتقال سرية، ومن ثم تبدأ التصفية".

واختتم محمود الحديث بقوله: "رغم اشتياقنا إلى وطننا ورغبتنا في أن يربى أولادنا في ثقافة إسلامية سورية كما تربينا، ورغم قسوة الغربة وتمييز نجده أحيانًا في الغرب، فإن الرجوع إلى سوريا لا يعني سوى شيء واحد وهو الموت".

طبيعة القاتل لن تتغير

بدوره عبر نادر علوي -لاجئ سوري في هولندا- عن غضبه إزاء تلك الدعوة رافضًا لها بقوله: "ظل العالم يصفه بأن المسؤول عما حدث في سوريا مجرم حرب، لما قبل سنة ماضية، قتل مليون شخص وهجر 10 ملايين آخرين ودمر البلد، كيف الآن يزيلون عنه التهم، كيف يمكننا التعامل مع قاتل، يعني إذا كان هتلر على قيد الحياة وأنا يهودي، هل يطلب مني أن أسلم عليه وأبرر له فعله".

وأضاف في تصريحاته لـ"جسور بوست"، لمدة 10 سنوات قتل وهجر الشعب السوري فكيف لنا أن نأمن ولماذا نعود، ما زلنا نهجر وما زلنا نقتل، وليس ثمة إصلاح حقيقي، لا عودة كما أنه لا ثمة تغيير.

وأتم، للأسف من عاد هم أطفال فقط، ومن سيعود من الشباب سيقتل ولن يستطيع أحد إنقاذهم، ليس ثمة ثقة في الحكومة ولا النظام السوري القائم.

Aucune description disponible.

لا عودة رغم الصعوبات

بنفس الرفض، أجاب سامر محمد لاجئ سوري في القاهرة يقول، استقبلنا المصريون كما الفاتحين، والحمد لله ننعم باحترام وحب، وإن كان بعضنا لا يشعر بالراحة في بلدان أخرى يعيشون فيها، فهذا يرجع إلى عدم الاندماج بالمجتمع، بسبب العيش في ظروف صعبة وغير مستقرة في بلد اللجوء، مثل العمل بأجر يومي قليل، أو التفكير في مستقبل الأطفال الذين ولدوا خارج سوريا، والرغبة في تعريفهم بأرض الأجداد.

وأضاف سامر في حديثه لـ"جسور بوست"، يجب أن يأخذ اللاجئ السوري في الاعتبار تطورات الأوضاع الراهنة في سوريا، حيث ما تزال هناك أزمات اقتصادية وسياسية وأمنية تؤثر على حياة المواطنين، وقد يواجه اللاجئ السوري صعوبات في إعادة بناء حياته في بلده، لذلك، ينبغي التفكير جيداً ووضع النقاط السلبية والإيجابية في ميزان الاعتبار قبل اتخاذ أي قرار بشأن العودة إلى سوريا.

Aucune description disponible.

القانون الدولي لا يحمي

تعقيبًا، قال أستاذ القانون الدولي مصطفى السعداوي، إن اتفاقيات جنيف الأربع تحمي الإنسان من شتى مظاهر العنف الجسيمة الواقعة ضده، ومن ثم هناك بعض الجرائم حال وقوعها ينعقد الاختصاص للقضاء الجنائي الدولي في المحكمة الجنائية الدولية، بمحاكمة مرتكب الجريمة، وإقليم "دارفور" في السودان خير مثال، حيث في الوقت الحالي البشير مطلوب من قبل المحكمة الدولية عن جرائم حرب وقعت في درافور، وعليه فالقانون الدولي يحمي المواطن السوري داخل دولته إذا لجأ النظام لجرائم، مثل الاغتصاب الجماعي، والتهجير وجرائم العنف والقتل خارج دائرة القانون، ولكن لا يتم التحقيق في الجرائم إلا بعد وقوعها، هو لن يحقق أمانا، ولكن سيعاقب على جرائم ارتكبت.

 

السعداوي يطالب بتنفيذ نظرية قاضي اليوم الواحد لمعالجة مشكلات النفقة

وأضاف أستاذ القانون في تصريحات خاصة لـ"جسور بوست"، حين تدخل القضاء الدولي سيترتب عليه قيام صراع دولي، فتحمي روسيا بشار الأسد وأمريكا ستطالب بتحقيق العدالة، وسيبقى العرب في المنتصف ما بين داعم لروسيا وبين من يرغب في الوقوف مع أمريكا، وستقام هذه المسرحية على جثث السوريين، ولذا فإن اللاجئين السوريين لديهم حق في تخوفهم.

وأتم، المواطن السوري هو من يستطيع الفصل في الأمر هل سيكون آمنًا أم لا، ولقد استقبل العالم وعلى رأسه مصر السوريين، وعوملوا كأصحاب أرض.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية