"الإيكونوميست": احذروا عالماً بلا قوة أمريكية

"الإيكونوميست": احذروا عالماً بلا قوة أمريكية

 

في الحرب الروسية الأوكرانية، تقوم أمريكا وأوروبا بتسليح أوكرانيا، لكنهما لا تجرؤان على نشر قوات قتالية ضد روسيا، وفي المقابل، لا تجرؤ روسيا على ضرب الغرب.. يضمن الإرهاب المتبادل عدم قيام القوى النووية بمهاجمة بعضها البعض بشكل علني، تماماً مثلما تم منع الحرب الباردة من التحول إلى حرب ساخنة، على الرغم من احتدام الكثير من الصراعات بالوكالة.

ووفقا لمجلة "الإيكونوميست"، مع احتفال حلف شمال الأطلسي (الناتو) هذا الأسبوع بالذكرى الخامسة والسبعين لتوقيع معاهدة شمال الأطلسي، يشكر العالم سخاء "الردع الموسع"، الذي قامت أمريكا من خلاله بإيواء حلفائها الأوروبيين والآسيويين تحت مظلتها النووية، وهي قد فعلت ذلك جزئيًا لاحتواء الأعداء وجزئيًا لإثناء الأصدقاء مثل ألمانيا واليابان وكوريا الجنوبية عن التحول إلى أسلحة نووية بأنفسهم.

وتهدد عودة دونالد ترامب كرئيس بزرع الفوضى في وقت أصبح فيه التوازن النووي في العالم أقل استقرارا، إن تهديده بالسماح لروسيا "أن تفعل ما تشاء" بحلفائها في حلف شمال الأطلسي الذين ينفقون أقل مما ينبغي على الدفاع يهدد بتدمير الثقة التي تجعل الردع الموسع ممكنا، وهذا من شأنه أن يؤدي إلى الكابوس المتمثل في إتاحة الأسلحة النووية للجميع والذي سعت أمريكا دائماً إلى تجنبه.

وباعتبارها القوة الذرية الأولى في العالم، حاولت أمريكا منذ فترة طويلة منع الآخرين من التحول إلى أسلحة نووية، يسميها وونكس "مشكلة الدولة غير المكتملة": كلما زاد عدد الدول التي تمتلك أسلحة نووية، زادت رغبة الدول الأخرى في الحصول عليها، وكلما زاد احتمال حدوث أزمات خارجة عن السيطرة، زادت القيود المفروضة على القوة الأمريكية وزاد خطر تعرض أمريكا نفسها للأسلحة النووية.. كان الردع مع القوتين العظميين خلال الحرب الباردة مخيفا بما فيه الكفاية، ومع تزايد القوى النووية، فقد يصبح الأمر معقداً إلى حد مستحيل.

وقد حاولت أمريكا منع الانتشار النووي من خلال "إستراتيجية المنع" غير المعلنة غالباً ولكنها بعيدة المدى، والتي تقوم على 3 ركائز: القواعد والمعاهدات مثل معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية في عام 1968، وإكراه الأصدقاء والأعداء بالدبلوماسية والعقوبات والتهديدات بالعمل العسكري، والطمأنينة عبر التحالفات العسكرية والضمانات الأمنية.

ويعد الردع الموسع أمرا غير بديهي، حيث إن أمريكا تخاطر بوطنها من أجل حلفائها، وكان هذا الوعد، الذي كان حازما بما يكفي لردع الكرملين، محاطا دائما ببعض الشكوك، ولتعزيز هذه القوة، نشرت أمريكا قوات وأسلحة نووية في أوروبا، ومنحت حلفاءها دوراً في المهام النووية.

يرى "ترامب"، المتقارب مع الرئيس جو بايدن في استطلاعات الرأي، أن الحلفاء عبء وليسوا أصولًا، ولم يكن ازدراؤه ذا أهمية كبيرة في فترة ولايته الأولى، عندما كان العالم هادئا.. الآن أصبحت أمريكا متورطة بعمق في الحروب في أوكرانيا وغزة، وتتجمع سحب التوتر فوق تايوان. يلوح في الأفق سباق نووي بينما تصدر روسيا تهديدات وتقوم الصين ببناء ترسانتها النووية.

لا أحد يعرف على وجه اليقين ماذا سيفعل "ترامب" على الرغم من تهديده بإنهاء الحرب في أوكرانيا في يوم واحد، لكن تعليقاته، وروايات مستشاريه السابقين عن رغبته في ترك حلف شمال الأطلسي، والمقترحات المتهورة التي قدمتها اقتراحات مستقبلية مفترضة، تشير جميعها إلى تقليص أو التخلي عن الضمانات الأمنية الأمريكية لحلف شمال الأطلسي، وبالتالي للحلفاء بشكل عام.

ويشكل قيام الجمهوريين في الكونجرس على مدى أشهر بعرقلة مشروع قانون تقديم المساعدات لأوكرانيا وإسرائيل وتايوان نذير شؤم.

ويأمل الحلفاء، كما حدث في ولاية "ترامب" الأولى، أن يساعد الأعضاء ذوو التفكير التقليدي في إدارته بطريقة أو بأخرى في الحد من الضرر، لكن بعض الشخصيات تقول إن دول الناتو التي لا تنفق 2% من ناتجها المحلي الإجمالي على الدفاع لا ينبغي أن تتمتع بالحماية من خلال التعهد بأن الهجوم على حليف واحد هو هجوم على الجميع.

ويقترح آخرون حلف شمال الأطلسي "خاملاً"، حيث تسحب أمريكا قواتها البرية من أوروبا مع الحفاظ على المظلة النووية، تعد مثل هذه الأفكار هراء، ولا تستطيع أمريكا الدفاع عن شرق أوروبا العسكري من دون حماية خطوط الإمداد عبر الغرب المتخلف، وهل يخاطر ترامب بشن هجوم نووي على المدن الأمريكية لمساعدة الأوروبيين الذين لن يدافع عنهم تقليديا؟

وتفكر الحكومات الأوروبية في ما لا يمكن تصوره، ويحذر وزير الخارجية البولندي، رادوسلاف سيكورسكي، من أن الفشل في مواصلة تسليح أوكرانيا قد يدفع الحلفاء إلى “برامج الأسلحة النووية الخاصة بهم”.

وقال سياسيون من ألمانيا إلى كوريا الجنوبية أشياء مماثلة، ويتحدث آخرون عن "أوربة" حلف شمال الأطلسي واستبدال الأسلحة النووية التي تمتلكها بريطانيا وفرنسا بالأسلحة النووية الأمريكية، على الرغم من أن مخزونهما المشترك أقل من عُشر مخزون روسيا، وأن مذاهبهما بشأن حماية بقية أوروبا لا تزال في مرحلة جنينية. ويستعد الحلفاء الأوروبيون لتحمل المزيد من أعباء مساعدة أوكرانيا، على أمل أن يحصنوا أنفسهم ضد ترامب.

ولا يمكن لأي من هذا أن يحل محل الردع الأمريكي الموثوق، بمعنى أن العالم بدون القوة الأمريكية يعرض أمريكا للخطر لسببين: لأن الأعداء مثل روسيا والصين سوف يشعرون بالجرأة، ولأن الأصدقاء سوف يفقدون الثقة في حليفهم القديم، إن سياسة "أمريكا أولاً" الانعزالية، لن تؤدي إلا إلى تضخيم المخاطر النووية التي تواجهها أمريكا.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية