رئيس مركز «حقي لدعم الحقوق والحريات»: مليشيات الحوثي تعتمد على الأزمات لتبقى بالحكم
في حوار مع «جسور بوست»..
هاني الأسودي: دفاع الحوثيين عن قضية غزة لا ينبع من دوافع أخلاقية
الانتهاكات في اليمن ترقى إلى جرائم الحرب ويجب إحالتها للمحكمة الجنائية الدولية
حرية الصحافة في خبر كان.. والجرائم وصلت إلى قتل الصحفيين نتيجة التعذيب
أجرى الحوار: سلمان إسماعيل
يعيش اليمنيون أسوأ أزمة إنسانية في العالم، أدت إلى انتشار الأمراض والأوبئة، وانهيار قدرة المواطنين على مواجهة أعباء المعيشة اليومية، واضطر ملايين اليمنيين للهجرة أو اللجوء خارج البلاد، بعد تعثر مسار الثورة على نظام علي عبدالله صالح في 2011، وسقوط العاصمة صنعاء في أيدي مليشيات الحوثي التي حولت حياة اليمنيين إلى جحيم.
وبعد مفاوضات مباشرة احتضنتها الرياض بين الحكومة اليمنية الشرعية وممثلين عن مليشيات الحوثي الانقلابية العام الماضي، رأى البعض أنها تدعو للتفاؤل بشأن اقتراب التسوية السياسية ووقف الحرب والانقسام، جاءت حرب غزة لتحدث تحولا دراماتيكيا في كل ملفات الشرق الأوسط وأزماته.
وتحدث رئيس مركز حقي لدعم الحقوق والحريات اليمني، هاني الأسودي، في حوار مع «جسور بوست» عن استغلال مليشيات الحوثي العدوان الإسرائيلي على غزة، لرفع رصيدها الشعبي، عبر إطلاق صواريخ ومسيرات باتجاه إسرائيل، وصولا إلى قطع الطريق على السفن الأمريكية والإسرائيلية والبريطانية في البحر الأحمر، بشكل أثر سلبا على حركة التجارة العالمية، فيما تراجع الحديث عن أي تسويات سياسية تتعلق بالوضع اليمني الراهن. وأثر ذلك على مستقبل اليمنيين.
كيف تصف المشهد الحقوقي في اليمن؟
يعيش اليمن الآن في ظل أزمات صنعتها مليشيات الحوثيين، فهم لا يمكنهم الاستمرار بالحكم بدون هذه الأزمات، ويمكن وصف حكمهم أنه قائم على القوة والغلبة ولذلك فإن استمرار عنفهم تجاه اليمنيين هو منهجهم للاستمرار في الحكم.
والمشهد اليمني في أسوأ حالاته، والانتهاكات الحوثية تتزايد، وبالتالي يزداد حال الناس سوءا، وهذا تكرار لوضع الناس في عهد الإمامة، فقد مارست دولة الإمامة قبل ثورة 1962 في شمال اليمن أبشع أنواع الانتهاكات، وعاش اليمنيون خلال تلك الفترة في قحط وجوع وفقر، وكان يتم سلب أموالهم بالقوة، وها هو الوضع الآن يتكرر، ويشرع الحوثيون لقوانين تضمن الاستيلاء على ثروات الناس.
والأمر يتعلق بنظرة الحوثيين للناس، ففكرتهم قائمة على التمييز من ناحية النسب، وبالتالي هم يرون أنهم العرق الأصفى والأنقى، ويرغبون بتحويل باقي اليمنيين إلى مجرد أتباع، وهذا ما يرفضه اليمنيون، ولذلك ينتفضون عليهم إيمانا بمبدأ المساواة بين البشر.
وما أثر الحرب في اليمن على حقوق الإنسان الأساسية بعد 10 سنوات من سيطرة مليشيات الحوثيين على العاصمة صنعاء؟
حالة حقوق الإنسان في اليمن سيئة جدا خلال السنوات العشر الماضية، ومنذ دخول الحوثيين إلى العاصمة صنعاء يتم انتهاك الحقوق الأساسية لليمنيين، وعلى رأسها الحق في الحياة والحق في الحرية وحرية الصحافة والتعبير عن الرأي، بالإضافة إلى انتهاكات كثيرة للقانون الدولي لحقوق الإنسان تتعلق بالاعتقال التعسفي والاختفاء القسري وجرائم التعذيب، وغيرها.
وهناك أيضا جرائم تتعلق بانتهاكات جسيمة للقانون الدولي الإنساني تصل في كثير منها إلى جرائم ضد الإنسانية، فقد استهدف الحوثيون خلال السنوات الأخيرة عددا كبيرا من الأهداف المدنية قاصدين بها قتل أكبر عدد من المدنيين، ومارس الحوثيون أيضا جرائم تتعلق بهدم المساكن وتفجيرها فوق رؤوس ساكنيها.
وهل تؤمن الجماعات الدينية الراديكالية مثل مليشيات الحوثيين بأدبيات حقوق الإنسان؟
من الطبيعي ألا تؤمن الجماعات الراديكالية مثل مليشيات الحوثيين بمبادئ حقوق الإنسان بل إن كثيرا من الزعماء الحوثيين يعتبرون أن الدفاع عن الإعلان العالمي لحقوق الإنسان والعهدين الدوليين لحقوق الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والحقوق السياسية والمدنية بمثابة كفر بواح.
بل إن الحوثيين يزيدون سوءا عن غيرهم من الجماعات الراديكالية لأنها جماعة تقوم على فكرة التمييز الطبقي من ناحية الأنساب، ولذلك فهي تنظر إلى ما دونها كعبيد وإن كان تخفي هذه النظرة في بعض الأحيان إلا أنها تظهر كثيرا خلال ممارساتهم وأفعالهم وتصريحاتهم أيضا.
وكيف يمكن التصدي لهذه الانتهاكات أو المحاسبة عليها؟
مارس الحوثيون التجويع على مدينة تعز، واستخدموا القناصة لقتل النساء والأطفال والشيوخ، وكل هذه جرائم لا تسقط بالتقادم، وكان يجب أن تحال منذ وقت مبكر إلى المحكمة الجنائية الدولية، ودعني أضرب لك مثالا في انتهاكات الحوثيين لحرية الصحافة والتعبير عن الرأي، فعندما استولوا على العاصمة صنعاء كان هناك ما يزيد على 360 مطبوعة ورقية مصرحا لها لمختلف التوجهات الحزبية والفكرية، أوقفت جميعها، باستثناء المطبوعات الورقية والصحف التي تمجدهم أو تنساق خلف سياساتهم، وتصدر اليمن في عهدهم قائمة البلدان الأكثر انتهاكا للصحافة.
وجرى اعتقال الكثير من الصحفيين واختفاؤهم قسريا وتعذيبهم في السجون وأفضت كثير من هذه الانتهاكات إلى موت الصحفيين بسبب التعذيب.
هناك تقارير تتحدث عن انتهاكات مروعة بحق الأقليات الدينية في اليمن.. ما تعليقك؟
الأقليات الدينية في اليمن عانت كثيرا في عهد مليشيات الحوثيين، وهذا يعود إلى انتهاج الحوثي للفكر الفارسي الإيراني أيضا تجاه الأقليات، فهي دائما جماعات غير مرغوب بها لأنها تحد من سيطرة الحوثيين على الشعب، وبالتالي فلا بد من إنهائها والقضاء عليها ولذلك مارس الحوثي كثيرا من الانتهاكات تجاه الطائفة اليهودية التي كانت موجودة في اليمن، وجرى ترحيل ونفي الكثير منها خارج البلاد، وهي أيضا تمارس انتهاكات كثيرة تجاه البهائيين، وللأسف المجتمع الدولي يكتفي ببيان هنا أو إدانة شفوية في مكان آخر، وتظل هذه التوجهات الدولية غير كافية لإيقاف الحوثيين للحد من انتهاكات حقوق الأقليات. ونحتاج إلى أن تكون هناك سياسة عقوبات دولية واضحة تجاه الحوثيين للحد من انتهاكاتهم ليس تجاه الأقليات فقط ولكن تجاه اليمنيين كافة.
هذا يحيلنا إلى السؤال عن تقييم دور الأمم المتحدة والمنظمات الدولية في اليمن
موقف الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها هو الآخر غير واضح ومتذبذب في كثير من الأحيان على الرغم من حجم البلاغات والتقارير التي ترفعها منظمات المجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية، والتي تتضمن رصدا وتوثيقا لكثير من الانتهاكات الحوثية، إلا أن الموقف الأممي لا يزال مهادنا نوعا ما لانتهاكات الحوثيين، حتى قرارات مجلس الأمن التي تفرض بعض العقوبات على الحوثيين تتعلق بالمنع من السفر أو تجميد الأموال غير مجدية، ونحن بحاجة إلى عقوبات أكثر صرامة ليس على الحوثيين فقط بل على داعميهم أيضا في إيران. وهذا الموقف المتذبذب وغير الواضح يشجع الحوثيين على ارتكاب المزيد من الجرائم والانتهاكات للقانون الدولي لحقوق الإنسان والقانون الدولي الإنساني.
وكيف يسهم خطاب الكراهية الذي تتبناه مليشيات الحوثي على مستقبل السلام المجتمعي في اليمن؟
بالتأكيد خطاب الكراهية الذي ينتهجه الحوثيون قد أوجد شرخا مجتمعيا كبيرا وأدى إلى ظهور تمايز طبقي شديد، وقد شمل خطاب الكراهية تغييرا واسعا في المناهج الدراسية في المناطق التي تسيطر عليها مليشيات الحوثي، وخاصة للمراحل الابتدائية؛ وذلك لتكريس هذا الخطاب في نفوس النشء والشباب، وهذه ألغام فكرية قد تعصف بالمجتمع خلال السنوات المقبلة.
وهل أعطت حرب غزة مليشيات الحوثي قبلة الحياة؟
الحرب التي شنها الكيان الصهيوني على قطاع غزة أعطى مليشيات الحوثيين قبلة الحياة بالفعل، فقد استغل الحوثي هذه الحرب للتنصل من المطالبات الداخلية بصرف الرواتب وتحسين الوضع المعيشي للناس وإيقاف الحرب، وكانت هناك جهود لدفع الحوثيين إلى عملية سلام استطاعوا التنصل منها أيضا، حتى إيقاف عملية السلام.
وكما قلت مسبقا هذه مليشيات لا تستطيع الاستمرار في حكم اليمن في المناطق التي يسيطرون عليها إلا من خلال الأزمات، ولذلك فإن اصطناع الأزمات والحروب والتظاهر بالدفاع عن القضايا العادلة هو سبيلهم للاستمرار في الحكم، وجميعنا نعرف أن قضية غزة هي قضية عادلة ولكن دفاع الحوثيين عنها لم يكن نابعا من دوافع أخلاقية بل من دوافع مصلحية واضحة.
الحوثي يتحدى الولايات المتحدة وبريطانيا.. من يمكنه ردع الانتهاكات الآن؟
المجتمع الدولي لا يزال ينظر إلى انتهاكات حقوق الإنسان في اليمن بعدم مبالاة ولذلك فإن تحدي الحوثيين للولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا هو أمر ينطبق عليه المثل القائل «شر البلية ما يضحك»، فكل العصابات تعمد إلى القول بتحدي قوة عالمية، وكان تنظيم القاعدة يدعي ذلك، وكذلك فعل داعش، ورغم ذلك تعاون المجتمع الدولي لمنع انتهاكها لحقوق الإنسان، وهو الأمر نفسه الآن، فلا يمكن التعويل على العصابات في احترام حقوق الإنسان.
وإن كانت هناك إرادة دولية للحد من انتهاكات الحوثيين لحقوق الإنسان كان ينبغي لمجلس الأمن إحالة جرائمهم إلى المحكمة الجنائية الدولية منذ وقت مبكر، تنفيذا لتوصيات منظمات دولية بما فيها فريق أنشأه مجلس حقوق الإنسان في وقت سابق.
وما مستقبل المفاوضات التي رعتها السعودية بين الحوثي والحكومة الشرعية؟
مليشيات الحوثيين ينظرون لعملية السلام كمصلحة تكتيكية لا كمصلحة دائمة، ولذلك فإن انخراطهم في المفاوضات التي تتبناها السعودية يعود إلى مدى احتياجهم لهذه المفاوضات في خطتهم العسكرية.
وفي الوقت الراهن قدر الحوثيون تشتيت الانتباه بجرائمهم في البحر الأحمر، ولذلك هم من وجهة نظرهم يرغبون في تأجيل هذه المفاوضات لفترة من الزمن لابتزاز المجتمع الدولي لتقديم تنازلات أكبر، وهم يخضعون في قرارهم هذا للإرادة الإيرانية ومصالحها، حيث ترى إيران أنها قد تجني المكاسب من خلال ضغط الحوثيين في البحر الأحمر، خصوصا في ما يتعلق بملفها النووي.
في تقديرك هل يقبل الحوثيون التوصل لتفاهمات سياسية مع الحكومة الشرعية والمضي قدماً في التحول الديمقراطي؟
اليمنيون لا يعولون على خوض مليشيات الحوثيين للمفاوضات، لأنهم يدركون أنهم سينقلبون عليها قبل أن يجف الحبر الذي كتبت به، وهذا هو دأبهم في كافة اتفاقاتهم منذ الحوار الوطني في 2012، مرورا بمشاورات السلام التي عقدت في جنيف والكويت وستوكهولم.