في قطاع غزة.. حروق بالغة من إصابات بالقصف تتعذّر معالجتها
في قطاع غزة.. حروق بالغة من إصابات بالقصف تتعذّر معالجتها
يصرخ الطفل أمير حبيب الهبيل في المستشفى المعمداني في غزة متألما من حروق نتيجة إصابته في قصف إسرائيلي على حي الشجاعية، وهو واحد من آلاف المصابين بحروق التي باتت تتعذّر معالجتها في القطاع المحاصر.
ويرقد أمير الهبيل (خمسة أعوام) في سريره بعيدا عن والدته المصابة بدورها والراقدة في غرفة أخرى في المستشفى والتي تقول في فيديو لوكالة فرانس برس في غزة "لا أستطيع الجلوس على السرير أو الجلوس بجانب أمير" الذي يجلس قربه خاله، وفق وكالة فرانس برس.
ويقول أمير وهو يذرف الدموع "والدي استشهد"، ثم يصرخ مجددا بينما يحاول إزالة أنبوب طبي عنه.
ويقول طبيب الطوارئ في المستشفى الدكتور أمجد عليوة لوكالة فرانس برس "تصلنا بشكل يومي حالات حروق من الدرجتين الثانية والثالثة نتيجة القصف الصاروخي ونتيجة استعمال أسلحة محرّمة دوليا من الجيش الإسرائيلي".
ويضيف "معظم الحالات التي تأتينا هي لأطفال ونساء، وليست لدينا أي إمكانية للتعامل معها، ولا توجد عندنا مادة السلفاديرم اللازمة لتضميد الحروق، كما ليس لدينا شاش وفازلين غير لاصق خاص بالحروق، فنقوم باستعمال مراهم تُشترى من المستودعات والصيدليات الخاصة وشاش غير معقم...".
ويشدّد على "الحاجة الماسة لدعم طبي ولوجستي وأدوية لكي نتعامل مع هذه الحالات وإنقاذ المصابين".
وحدة علاج صدمات الحروق
في الأسابيع الأخيرة، تحدّثت مؤسسات طبية عن ارتفاع في حالات الحروق في قطاع غزة في ظلّ الحرب المتواصلة بين إسرائيل وحركة حماس منذ حوالي "عشرة أشهر".
في القدس، تقول جولي فوكو (34 عاما)، وهي منسّقة طبية في منظمة "أطباء بلا حدود" متخصّصة في مجال الحروق بالحروب، "تعمل بعض فرقنا في مستشفى ناصر في مدينة خان يونس (في جنوب القطاع)، وتدعم بعض فرقنا ما نسمّيه وحدة علاج صدمات حروق الإصابات".
وتضيف "استقبلنا منذ شهرين أكثر من 69 إصابة بحروق، كنّا في البداية نجهّز 25 سريرا، والآن يصل عدد الأسرّة إلى 70 تقريبا، والأقسام ممتلئة".
وتتابع أن بين هؤلاء المصابين، "عشرة حروق أصابت أكثر من 20% من منطقة الجسم"، مؤكدة أن ثلاثة من كلّ أربعة مصابين بحروق هم أطفال، و40% منهم من النساء".
وتشير إلى "أن علاج الحروق يتطلّب مستوى عاليا من الإشراف والوقاية والنظافة، والشفاء من الحروق عملية طويلة من حيث الاستقرار والتدخّل الجراحي وتتطلّب أسابيع وشهورا من الرعاية".
وتقول فوكو إن "الظروف في قطاع غزة سيئة للغاية"، مشيرة إلى "أن 90% من السكّان نزحوا، ويعيشون في وضع معقّد للغاية".
وتشير إلى التعقيدات الإضافية في العلاج المتمثّلة بـ"الفرص القليلة جدا جدا بالحصول على المياه النظيفة، وصعوبة الوصول إلى الغذاء والرعاية الصحية، وهذا هو الجزء الأكثر تحديا".
وتضرّرت مرافق الرعاية الصحية في قطاع غزة والطرق وبات الوصول إلى المستشفيات صعبا للغاية.
وتقول فوكو "نواجه نقصا في المعدّات الطبية والإمدادات والأدوية الأساسية. هذا تحدٍّ يومي في كلّ مكان وفي كل منشأة صحية".
ويقول مدير إدارة الإمداد والتجهيز في الدفاع المدني في قطاع غزة محمد المغير "يستخدم الاحتلال في الفترة الأخيرة أسلحة جديدة حادة تتسبّب في زيادة الاشتعال وفي حروق. أجزاء من هذه الأسلحة تصل درجات الحرارة التي تخرج منها في نقطة الانفجار إلى 7000 درجة مئوية وهي قادرة على صهر الأجساد وإخفاء جثث".
ويشير المغير إلى "أن عمليات الاستهداف الآن تطول مناطق فيها خيم من النايلون تحتوي على أشياء بدائية مثل الخشب والبلاستيك وكل ذلك يؤثر بشكل مباشر على سرعة وزيادة الاشتعال".
بدون إمدادات طبية
ويشدّد المغير على "تأثير هذه الحروق المباشر على حياة الأشخاص.. تصيب طبقات الجلد وتحرق طبقات من العصب وهناك أشخاص يصبحون معاقين نتيجة ذلك، غير أولئك الذين يفقدون أطرافا"، ويصف الوضع بالصعب جدا والمأساوي.
وأكدّت منظمة الصحة العالمية في مؤتمر صحافي أخيرا أن من بين 36 مستشفى في القطاع، هناك 15 فقط تعمل بشكل جزئي، وأن أكثر من ألف ضربة استهدفت المنشآت الطبية في قطاع غزة منذ أكتوبر.
ويلخّص مدير المستشفيات بقطاع غزة محمد زقوت الوضع قائلا "يوجد فقط مستشفى ناصر الطبي في المناطق الجنوبية، وفيه 12 غرفة عمليات جميعها مكتظة. في غرف العناية المركّزة 16 سريرا مشغولا وقد أضفنا إليها قدرة سريرية تصل إلى 24 سريرا امتلأت أيضا".
ويتابع "نحاول أن نوزّع بعض الحالات على مستشفيات ميدانية، لكن مجازر الاحتلال بحق المدنيين العزّل تتكرّر بشكل يومي وعلى مدار الساعة، ولا أحد يتدخّل في العالم".
ولا يخرج سوى عدد محدود جدا من الجرحى من القطاع، لا سيما منذ إغلاق معبر رفح الحدودي مع مصر في مايو بعد سيطرة القوات الإسرائيلية على الجانب المصري منه. كما توقّفت الإمدادات الطبية التي كانت تدخل من المعبر. ويقول زقوت "كأننا في سجن".
وتقول فوكو "لا توجد حاليا إمكانية لإجراء جراحات ترميمية. إنه أمر محدود جدا في قطاع غزة"، مشيرة إلى سعي من أجل إيجاد خيارات ممكنة.