اعتراف فرنسا بالصحراء المغربية بين تعزيز الاستقرار الإقليمي وحقوق الإنسان في المغرب والجزائر

اعتراف فرنسا بالصحراء المغربية بين تعزيز الاستقرار الإقليمي وحقوق الإنسان في المغرب والجزائر

 

خطوة الاعتراف الفرنسي بالصحراء المغربية بين الدعم المغربي والرفض الجزائري

عبد المنعم الحر: القرار الفرنسي بالصحراء الغربية يعزز الاستقرار في المغرب ويهدد الأوضاع في الجزائر

فؤاد علام: التوترات المغربية الجزائرية تتصاعد بعد الاعتراف الفرنسي بالصحراء الغربية

 

في صباح يوم مشرق من شهر يوليو الماضي، وبينما كان المغرب يحتفل بالعيد الخامس والعشرين لجلوس الملك محمد السادس على العرش، جاءت الأخبار من باريس كصاعقة غيّرت مجرى الأحداث وألقت بظلالها على العلاقات الإقليمية في شمال إفريقيا. 

أعلن الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، في خطوة غير متوقعة، عن اعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية، منهياً بذلك عقوداً من الحذر والتردد. 

هذه الهدية الدبلوماسية والسياسية كانت بمثابة تحول تاريخي ينتظر منذ سنوات، ولها أبعاد تتجاوز الحدود الجغرافية للمنطقة.

ومنذ أن تولى إيمانويل ماكرون الرئاسة، بذل جهوداً ملموسة لتصفية الإرث الاستعماري لبلاده وبناء علاقات جديدة تقوم على الاحترام المتبادل والمصالح المشتركة مع دول شمال إفريقيا. 

لكن قراره الأخير بشأن الصحراء الغربية يحمل في طياته تداعيات عميقة على العلاقات الفرنسية الجزائرية، التي ظلت تشهد توترات متصاعدة. 

الجزائر، التي كانت دائماً داعمة لجبهة البوليساريو التي تطالب باستقلال الصحراء الغربية، رأت في القرار الفرنسي تهديداً لمصالحها الاستراتيجية، وعبّرت عن استنكارها الشديد من خلال بيان رسمي لوزارة الخارجية، مؤكدة أنها ستستخلص كافة النتائج والعواقب المترتبة على هذا القرار، محملةً الحكومة الفرنسية المسؤولية الكاملة. 

لم يكن القرار الفرنسي وليد اللحظة، بل جاء نتيجة لسنوات من المفاوضات والضغوط المتبادلة. 

كان المغرب من جانبه، ينتظر منذ فترة طويلة أن تقدم باريس على هذه الخطوة، بعد أن قامت دول غربية أخرى مثل الولايات المتحدة وإسبانيا وإسرائيل بالاعتراف بسيادته على الصحراء الغربية.

تردد باريس في اتخاذ هذا القرار أدى إلى برودة في العلاقات الثنائية بين البلدين، تفاقمت بعد التقارب الفرنسي الجزائري في السنوات الأخيرة.

لتوضيح الأبعاد الاقتصادية والسياسية لهذا القرار، يمكن النظر إلى الأرقام والبيانات التالية: بلغ حجم التبادل التجاري بين فرنسا والمغرب حوالي 10.8 مليار يورو في عام 2023، ما يجعل فرنسا أحد أكبر الشركاء التجاريين للمغرب، بالمقابل، بلغ حجم التبادل التجاري بين فرنسا والجزائر حوالي 8.1 مليار يورو في نفس العام، ما يعكس أهمية العلاقات الاقتصادية بين البلدين. 

يعيش في فرنسا حوالي 1.5 مليون مغربي، ما يجعل الجالية المغربية من أكبر الجاليات الأجنبية في فرنسا، بينما يعيش حوالي 2.3 مليون جزائري في فرنسا، ما يعكس الروابط التاريخية والثقافية بين البلدين. 

القرار الفرنسي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية يحمل تداعيات كبيرة على العلاقات بين الدول الثلاث. 

بالنسبة للمغرب، يُعد القرار انتصاراً دبلوماسياً يعزز من موقفه في النزاع حول الصحراء الغربية، ويُتوقع أن يساهم في تعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية بين المغرب وفرنسا، وربما يشهد زيادة في الاستثمارات الفرنسية في المغرب. 

في الجانب الجزائري، يشكل القرار صدمة سياسية ودبلوماسية كبيرة. الجزائر، التي كانت تعتمد على الدعم الفرنسي في بعض القضايا الإقليمية، تجد نفسها الآن في موقف صعب. 

ويتوقع المحللون أن يشهد المستقبل القريب تصاعداً في التوترات بين الجزائر وفرنسا، ما قد يؤثر سلباً على التعاون الاقتصادي والتجاري بين البلدين. 

في ضوء التطورات الأخيرة، يبقى مستقبل العلاقات الفرنسية الجزائرية غامضاً، التوترات الحالية قد تؤدي إلى إعادة تقييم للعلاقات الثنائية، وربما تشهد فترة من الفتور. 

في المقابل، قد تسعى الجزائر إلى تعزيز علاقاتها مع شركاء آخرين في الساحة الدولية لتعويض التراجع المحتمل في العلاقات مع فرنسا. 

من جهة أخرى، فإن هذا القرار قد يدفع الجزائر إلى تعزيز دعمها لجبهة البوليساريو، ما قد يزيد من تعقيد النزاع في الصحراء الغربية. 

الجزائر قد تسعى أيضاً إلى تعزيز علاقاتها مع دول أخرى في المنطقة مثل روسيا والصين لموازنة النفوذ الفرنسي. 

وعلى الرغم من تعقيد الوضع، يبقى القرار الفرنسي بالاعتراف بسيادة المغرب على الصحراء الغربية خطوة جريئة تحمل تداعيات كبيرة على العلاقات في المنطقة. 

وفي الوقت الذي يُنظر فيه إلى القرار على أنه انتصار دبلوماسي للمغرب، فإنه يمثل تحدياً كبيراً للجزائر وفرنسا. 

ويبقى السؤال الرئيسي هو كيف ستتطور العلاقات الثلاثية بين فرنسا والمغرب والجزائر في المستقبل، وما الخطوات التي ستتخذها كل دولة لتعزيز مصالحها في هذا السياق المعقد؟

جذور النزاع وتطوراته التاريخية

تعود جذور أزمة الصحراء الغربية إلى الفترة الاستعمارية، عندما كانت المنطقة مستعمرة إسبانية منذ أواخر القرن التاسع عشر حتى منتصف السبعينيات من القرن العشرين. 

ووفقًا لتقارير وأبحاث متخصصة، في عام 1975، قررت إسبانيا الانسحاب من الصحراء الغربية، ما أشعل فتيل النزاع بين المغرب وجبهة البوليساريو، وهي حركة تحرير تسعى لاستقلال الصحراء الغربية وتأسيس دولة مستقلة تعرف بالجمهورية العربية الصحراوية الديمقراطية. 

في 6 نوفمبر 1975، أطلق الملك الحسن الثاني ملك المغرب المسيرة الخضراء، حيث سار 350,000 مغربي نحو الصحراء الغربية للمطالبة بضمها إلى المغرب. 

في هذه الأثناء، كانت جبهة البوليساريو، المدعومة من الجزائر، قد بدأت كفاحها المسلح ضد الوجود المغربي في المنطقة. 

في 14 نوفمبر 1975، تم توقيع اتفاق مدريد بين إسبانيا والمغرب وموريتانيا، الذي قضى بتقسيم الصحراء الغربية بين المغرب وموريتانيا، لكن جبهة البوليساريو رفضت الاتفاق وواصلت نضالها. 

في عام 1979، انسحبت موريتانيا من النزاع وتخلت عن مطالبها في الصحراء الغربية، ما ترك المغرب وجبهة البوليساريو في مواجهة مباشرة. 

استمر النزاع المسلح بين الطرفين حتى عام 1991، عندما تم توقيع اتفاق لوقف إطلاق النار برعاية الأمم المتحدة، تضمن الاتفاق إنشاء بعثة الأمم المتحدة لتنظيم استفتاء في الصحراء الغربية (مينورسو)، بهدف إجراء استفتاء لتقرير المصير، لكن هذا الاستفتاء لم يتم حتى الآن بسبب خلافات حول من يحق لهم التصويت. 

منذ ذلك الحين، قدم المغرب خطة للحكم الذاتي في الصحراء الغربية في عام 2007، التي تقترح منح المنطقة حكماً ذاتياً تحت السيادة المغربية. 

هذه الخطة حظيت بدعم دولي من بعض الدول، بينما رفضتها جبهة البوليساريو والجزائر، اللتان تواصلان المطالبة بحق تقرير المصير للشعب الصحراوي.

النزاع لا يزال مستمراً، حيث تسعى الأطراف المختلفة إلى حل سياسي يرضي جميع الأطراف، لكن التوترات والعقبات تعيق التوصل إلى تسوية نهائية.

تداعيات حقوقية واجتماعية

وقال مدير المنظمة العربية لحقوق الإنسان في ليبيا، عبدالمنعم الحر، إن الصحراء الغربية هي واحدة من النزاعات الإقليمية الأكثر تعقيدًا وطول أمد في العالم، واعتراف فرنسا بسيادة المغرب على الصحراء الغربية يأتي كخطوة دبلوماسية مهمة، لكنه يفتح الباب أمام مجموعة من التداعيات الحقوقية والاجتماعية التي قد تؤثر بعمق على الأفراد في المغرب والجزائر. في المغرب، يمكن أن يؤدي هذا الاعتراف إلى تعزيز الاستقرار في المناطق الجنوبية، ما قد يسهم في تحسين الظروف المعيشية للسكان المحليين. 

وأوضح في تصريحاته لـ"جسور بوست"، أنها قد تجلب الاستثمارات والتنمية الاقتصادية وفرص عمل جديدة، وتحسن البنية التحتية والخدمات العامة، ما يعزز من حقوق الأفراد في العمل والتعليم والصحة، ومع ذلك يجب أن نتذكر أن قضية الصحراء الغربية لا تزال قضية حساسة بالنسبة للعديد من الصحراويين الذين يدعمون الاستقلال أو الحكم الذاتي، وقد يؤدي التوتر المتزايد إلى قمع حقوقهم في التعبير والتجمع. 

وعن الجانب الآخر قال: في الجزائر يمكن أن يؤدي الاعتراف الفرنسي إلى زيادة التوترات السياسية والاجتماعية، فالجزائر تستضيف مخيمات اللاجئين الصحراويين وتدعم جبهة البوليساريو، ومن المرجح أن ينظر إلى الخطوة الفرنسية كتحيز ضد مطالبهم، وهذا قد يزيد من حدة القمع السياسي ويضعف حرية التعبير في البلاد. 

واسترسل، بالإضافة إلى ذلك، قد تواجه الجزائر ضغوطًا اقتصادية إضافية، حيث يمكن أن تتأثر العلاقات الاقتصادية مع فرنسا والدول الأوروبية الأخرى، تاريخيًا، النزاعات الإقليمية تؤدي غالبًا إلى انتهاكات حقوق الإنسان، سواء في مناطق النزاع المباشرة أو في البلدان المجاورة، ومن الممكن أن تؤدي الأزمة الحالية إلى زيادة حدة القمع ضد النشطاء والصحفيين الذين يعبرون عن آراء معارضة أو ينتقدون سياسات الحكومة، كما أن الظروف المعيشية للاجئين الصحراويين في الجزائر قد تتدهور إذا ما ازدادت الضغوط السياسية والاقتصادية على الجزائر.

وعن الجانب الاجتماعي أكد إمكانية تفاقم الانقسامات الاجتماعية بين المجتمعات المختلفة في البلدين. في المغرب، قد يشعر الصحراويون بالتهميش أو عدم الاعتراف الكامل بحقوقهم الثقافية والسياسية. وفي الجزائر، يمكن أن تؤدي الأزمة إلى تعزيز المشاعر الوطنية والتوترات الداخلية بين مؤيدي ومعارضي دعم جبهة البوليساريو.

عبد المنعم الحر

وأتم، يتطلب حل النزاع احترام حقوق الإنسان لجميع الأطراف المعنية، ينبغي للمجتمع الدولي العمل على تعزيز الحوار والتفاوض بين المغرب وجبهة البوليساريو تحت إشراف الأمم المتحدة، مع ضمان حماية حقوق الأفراد في جميع المناطق المتأثرة، فقط من خلال نهج شامل يراعي الحقوق الأساسية للجميع، يمكن التوصل إلى حل دائم وعادل للنزاع في الصحراء الغربية.

تأثيرات إقليمية خطيرة

بدوره علق الخبير الأمني، فؤاد علام بقوله: لا يمكن تجاهل الأهمية الاستراتيجية للصحراء الغربية، هذه المنطقة ليست فقط غنية بالموارد الطبيعية مثل الفوسفات، ولكنها أيضاً تمتلك سواحل طويلة على المحيط الأطلسي، ما يعزز من أهميتها الجيوسياسية، واعتراف فرنسا بسيادة المغرب يعزز من موقف الرباط في المنطقة ويقوي من شرعيتها الدولية في إدارة الصحراء الغربية، وهذا من شأنه أن يمنح المغرب الثقة لتعزيز سياسته الداخلية والخارجية، وربما يدفعه إلى تنفيذ مشروعات تنموية ضخمة في المنطقة لجذب الاستثمارات وتحسين البنية التحتية.

وتابع في تصريحاته لـ"جسور بوست"، على الجانب الآخر، يضع هذا الاعتراف الجزائر في موقف حرج حيث كانت الجزائر دائماً داعمة لجبهة البوليساريو، التي تسعى لاستقلال الصحراء الغربية، الدعم الفرنسي للمغرب يُنظر إليه كتهديد مباشر لمصالح الجزائر ويزيد من التوترات بين البلدين، ويمكن أن يؤدي هذا إلى تعزيز السياسات الجزائرية المناهضة للمغرب، وربما يدفع الجزائر إلى تعزيز دعمها العسكري والمالي لجبهة البوليساريو، ما يزيد من احتمالية تصاعد النزاع العسكري في المنطقة. 

وأضاف علام، الدور الفرنسي في هذا السياق يكتسب أهمية خاصة، فرنسا لديها مصالح كبيرة في شمال إفريقيا، وتعتبر العلاقات مع كل من المغرب والجزائر حيوية لأمنها القومي واستقرارها الاقتصادي، واعترافها بسيادة المغرب قد يكون محاولة لتعزيز التحالفات مع الرباط، خاصة في مواجهة التحديات الأمنية المشتركة مثل مكافحة الإرهاب والهجرة غير الشرعية، ومع ذلك، هذه الخطوة قد تؤدي إلى تعقيد علاقاتها مع الجزائر، التي تعتبر هذا الاعتراف انتهاكاً لمبدأ تقرير المصير الذي تدعمه في الأمم المتحدة. 

ومن منظور عسكري قال، إن التوترات المتزايدة بين المغرب والجزائر قد تؤدي إلى سباق تسلح في المنطقة، فكلا البلدين يمتلكان جيشاً قوياً ويستثمر بشكل كبير في تعزيز قدراته الدفاعية، واحتمال حدوث مواجهة عسكرية، ولو بشكل محدود، يظل وارداً إذا ما تفاقمت الأزمة، وهذا السيناريو قد تكون له تداعيات خطيرة على الاستقرار الإقليمي، وقد يتطلب تدخلاً دولياً لاحتواء الوضع ومنع تصاعده إلى صراع واسع النطاق. الدبلوماسية تلعب دوراً حاسماً في إدارة هذه الأزمة. 

واستطرد، ينبغي للأطراف الدولية الفاعلة، بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الأوروبي، العمل على تهدئة التوترات وتعزيز الحوار بين المغرب والجزائر، الحل السلمي والعادل للنزاع يجب أن يأخذ في الاعتبار حقوق الصحراويين ومطالبهم، مع ضمان احترام السيادة الوطنية لكل من المغرب والجزائر.

فؤاد علام

وأتم، الأزمة بين المغرب والجزائر حول الصحراء الغربية تمثل تحدياً كبيراً للاستقرار الإقليمي، وتتطلب إدارة حذرة ومتوازنة، اعتراف فرنسا بسيادة المغرب يضيف طبقة جديدة من التعقيد لهذا النزاع، ما يستدعي جهوداً دبلوماسية مكثفة لضمان عدم تصاعد التوترات إلى مستوى يهدد الأمن والسلام في المنطقة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية