ضحايا هجوم بالغاز في سوريا ينتظرون العدالة رغم مرور 5 سنوات

ضحايا هجوم بالغاز في سوريا ينتظرون العدالة رغم مرور 5 سنوات

يتذكر عبدالحميد اليوسف كيف فقد 25 فردا من عائلته، بينهم زوجته وتوأماه الرضيعان، عندما تعرضت بلدتهم السورية لهجوم بالغاز السام في عام 2017، وهو هجوم خلص تحقيق مدعوم من الأمم المتحدة إلى أنه من تنفيذ الدولة السورية، بحسب "رويترز".

يقول اليوسف، البالغ (33 عاما) عن الهجوم بغاز السارين الذي شهدته بلدة خان شيخون: "في ثوانٍ أُبيد كل شيء، الحياة أُبيدت تماما"، وكان الهجوم واحدا من عشرات الهجمات التي تردد أن أسلحة كيماوية استُخدمت فيها خلال الحرب الدائرة في البلاد منذ 11 عاما.

وقالت منظمة هيومن رايتس ووتش المعنية بحقوق الإنسان ومقرها نيويورك، إن ذلك القصف الذي شهده شمال غرب سوريا الواقع تحت سيطرة المعارضة أسفر عن سقوط 90 قتيلا على الأقل، بينهم 30 طفلا.

في تلك الأثناء كانت روسيا والصين -حليفتا سوريا- قد استخدمتا حق النقض من أجل عرقلة جهود الأمم المتحدة، لفتح المحكمة الجنائية الدولية تحقيقا في ارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سوريا.

وفي ذكرى مرور 5 أعوام على هجوم خان شيخون، يحذر ناجون وناشطون في مجال حقوق الإنسان من أن عدم محاسبة أحد عن جريمة الهجمات الكيماوية في سوريا يمكن أن يشجع على المزيد منها.

وحذرت الولايات المتحدة ودول أخرى من أن روسيا قد تنشر ذخائر كيماوية أو بيولوجية خلال غزوها أوكرانيا، لكنها لم تقدم أدلة ملموسة على مخاوفها، فيما نفى الكرملين تلك التصريحات ووصفها بأنها "أسلوب من أساليب صرف الانتباه".

اليوسف، يقول إنه "لا يوجد رادع لروسيا لاستخدام أي سلاح لديها للوصول إلى هدفها".

ويطالب اليوسف بمحاسبة الرئيس السوري بشار الأسد، قائلا "برغم تقديم الشهود، برغم تقديم الأدلة، وإيصال جميع الأدلة إلى الأمم المتحدة وإلى الجهات المعنية، لليوم ما في محاسبة لـ بشار الأسد".

وتنفي حكومة الأسد استخدام أي أسلحة كيماوية في الحرب التي بدأت في صورة انتفاضة على حكمه قبل أن تتحول لحرب سقط فيها ما لا يقل عن 350 ألف قتيل، ووقّعت سوريا عام 2013 على معاهدات دولية تحظر استخدام مثل هذه الأسلحة.

تفاصيل الهجوم على خان شيخون محفورة في ذاكرة اليوسف، بداية من أزيز الطائرات التي وجهت ضربات إلى البلدة في الساعة السادسة والنصف صباحا.

انطلق اليوسف لمنزل أبويه في محاولة لنقل عائلته إلى بر الأمان، وواصلت زوجته التحرك بينما توقف هو لمساعدة جارٍ كان يصرخ طلبا للمساعدة.

قال إنه ساعد في نقل الضحايا إلى سيارة بيك أب، وكانت "رغاو" تخرج من أفواه بعضهم.

فقد اليوسف وعيه وهو يحاول مساعدة ابنة أخيه، ليفيق في المستشفى بعد ساعات، ليدرك حجم الكارثة عندما عاد للمنزل بعد ظهر ذلك اليوم.

وردت إدارة دونالد ترامب، الرئيس الأمريكي آنذاك، بإطلاق 59 صاروخ كروز على المجال الجوي الذي قالت إن الهجوم انطلق منه.

وبعد مرور 6 أشهر، أورد تقرير صادر عن آلية تحقيق أنشأتها الأمم المتحدة ومنظمة حظر الأسلحة الكيماوية، أن الأعراض التي ظهرت على الضحايا تتوافق مع أعراض حالات التسمم واسعة النطاق بغاز السارين.

وقالت إنها "على يقين من أن الحكومة السورية مسؤولة عن إطلاق السارين في خان شيخون في 4 أبريل 2017"، وسيطرت القوات الحكومية على البلدة عام 2019.

وبعد مرور 5 سنوات، يقول اليوسف إن آثار الهجوم لا تزال تعاوده وإنه يفقد الوعي أحيانا حين يشم روائح قوية مثل رائحة الكلور المستخدم في التنظيف بالمنازل، إلا أن الأثر الأكبر هو الأثر النفسي والعيش في خوف دائم.

ويقول خبير الأسلحة الكيماوية البروفسور ألستير هاي، إن الآثار التي يمكن أن تظل لدى الناجين من الهجمات بالسارين تشمل مشاكل دائمة في الرؤية وفي الجهاز الهضمي واضطرابات ما بعد الصدمة.

ويضيف أن "الأثر الرئيسي عادة ما يكون الموت الكارثي، وعلى نحو سريع جدا"، مضيفا أن هناك حاجة للمزيد من البيانات حول التبعات طويلة المدى للتعرض لهجمات بالأسلحة الكيماوية.

وفي وقت الهجوم، قالت روسيا التي دعمت الأسد عسكريا في عام 2015 إن المواد الكيماوية تخص المعارضة السورية لا الحكومة.

 وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين إنه يعتقد أن واشنطن كانت تخطط لمزيد من الضربات الصاروخية، وإن المعارضة المسلحة كانت تخطط لشن هجمات بالأسلحة الكيماوية.

وقال مصدر مطلع لـ"رويترز"، إن منظمة حظر الأسلحة الكيميائية تحقق في حوالي 150 حالة استخدام مزعوم لأسلحة كيميائية في سوريا، وهناك 20 حالة مؤكدة لاستخدام هذه الأسلحة.

وخلصت تحقيقات الأمم المتحدة وفريق التحقيق الخاص التابع لمنظمة حظر الأسلحة الكيميائية إلى أن القوات الحكومية السورية استخدمت براميل غاز الأعصاب والكلور المتفجرة في هجمات بين عامي 2015 و2018، كما وجد المحققون أن تنظيم داعش استخدم أسلحة كيميائية في سوريا.

ومن جانبهم، رسم معارضو الأسد أوجه تشابه بين الحرب في سوريا والأساليب العسكرية التي تستخدمها روسيا في أوكرانيا، بما في ذلك حصار المدن وقصفها.

وقالت المحكمة الجنائية الدولية الشهر الماضي إنها ستفتح تحقيقا في ارتكاب جرائم حرب في أوكرانيا بعد التماس غير مسبوق تقدمت به 39 دولة من أعضائها.

وتسبب استخدام روسيا والصين حق النقض في الأمم المتحدة لإيقاف تحقيق المحكمة الجنائية الدولية بشأن سوريا، في إجبار المدافعين عن حقوق الإنسان على اتباع سبل قانونية أخرى.

وقدمت منظمات من المجتمع المدني شكاوى من استخدام الأسلحة الكيماوية في سوريا إلى السلطات القضائية في فرنسا وألمانيا والسويد، حيث فُتحت تحقيقات جنائية بموجب قوانين تمنح الولاية القضائية العالمية للجرائم ضد الإنسانية.

حميد قطيني، وهو عامل إنقاذ في الدفاع المدني، يقول إنه حمل جثث 6 أطفال قتلوا في خان شيخون، وإنه ساعد في توثيق "المجزرة".

ويضيف أن "سكوت المجتمع الدولي عن هذه الجرائم التي ارتكبت عندنا من قبل في سوريا هو الذي سمح لروسيا ولغيرها بارتكاب الجرائم بباقي أنحاء العالم، مثل ما بيصير اليوم بأوكرانيا".

المدير العام لمركز توثيق الانتهاكات الكيماوية في سوريا، نضال شيخاني، قال إنه ما زال يأمل بمحاسبة الجناة، لافتا إلى الكم الهائل من الأدلة التي جمعتها مجموعته وآخرون.

وكانت مؤسسته قد تلقت طلبات للحصول على أدلة من النيابة العامة بشأن 5 قضايا في 3 دول أوروبية كان آخرها في سبتمبر الماضي.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية