«ضيف غير مرغوب».. الشتاء يزيد معاناة النازحين في غزة

وسط مخاوف من انتشار الأمراض المنقولة بالمياه
«ضيف غير مرغوب».. الشتاء يزيد معاناة النازحين في غزة

بمشاهد قاسية تضاعف من معاناة سكان القطاع الجريح، يطل فصل الشتاء على غزة بهطول الأمطار ليفجر أزمة إنسانية إضافية بعد انهيار البنى التحتية، وغرق خيام النازحين في عدة مناطق.

وتتفاقم التحديات التي تواجه النازحين في قطاع غزة، مع قدوم فصل الشتاء وهطول الأمطار، لا سيما مع تنامي الأزمات البيئية والصحية التي تهدد أكثر من مليوني نازح، جراء اكتظاظ مخيمات اللجوء وانتشار الأمراض.

ويُعاني النازحون في محافظات قطاع غزة من ظروف معيشية وإنسانية قاسية، لا سيما مع اقتراب حلول فصل الشتاء وموسم تساقط الأمطار، وفي ظل استمرار منع إدخال مساعدات الطبية والغذائية إلى القطاع.

وتنتشر آلاف الخيام التي يقيم فيها النازحون بالقرب من مياه الشواطئ، ما ينذر بفقدان مئات العائلات خيامها بسبب ظاهرة المد والجزر، فيما يحاول البعض بناء حواجز رملية وخرسانية لمنع المد القادم من إغراق الخيام.

والأسبوع الماضي، كشفت الأمطار التي هطلت على القطاع عن كارثة بيئية وصحية تلوح في الأفق لملايين النازحين الذين يتكدسون في الخيام المكتظة أو الأحياء التي تعرضت للقصف في وسط وشمال غزة.

ودمرت قوات الاحتلال 3 آلاف و130 كيلومترا من شبكات الكهرباء، و330 ألف متر طولي من شبكات المياه، و655 ألف متر طولي من شبكات الصرف الصحي، فضلا عن مليونين و835 ألف متر طولي من شبكات الطرق والشوارع، و700 بئر مياه.

وفي منتصف سبتمبر الجاري، قال المكتب الإعلامي الحكومي بغزة في تقرير، إن عدد النازحين في تزايد مستمر خلال الأشهر الأخيرة؛ حيث وثق وجود 543 مركز إيواء ونزوح في جميع أنحاء القطاع الذي أصبح على حافة كارثة إنسانية حقيقية مع قدوم الشتاء، إذ سيصبح ما يقرب من مليوني شخص بلا مأوى.

وأشار التقرير أيضا إلى أن التقييم الميداني للحكومة يشير إلى أن أكثر من 100 ألف خيمة في غزة أصبحت غير صالحة للسكن الآدمي نتيجة التآكل والتلف، خاصة أن معظم الخيام مصنوعة من البلاستيك والأقمشة المهترئة.

كابوس الشتاء

ويثير قدوم فصل الشتاء المخاوف بين النازحين، لا سيما أن بعض المناطق قد تتعرض لخطر الغرق من شدة الفيضانات المتوقعة، حيث قد يصل منسوب المياه في عدة مناطق إلى 2.5 متر، إلى جانب تراكم مياه الأمطار في الشوارع جراء تدمير شبكة الصرف الصحي والبنى التحتية.

ومؤخرا أطلقت وزارة التنمية الاجتماعية ولجنة حماية المرأة والطفل في قطاع غزة، نداء استغاثة لإنقاذ آلاف النازحين في القطاع مع اقتراب حلول فصل الشتاء.

وذكرت الوزارة في بيان، أن آلاف العائلات في محافظتي غزة والشمال تعاني ظروفا معيشية وإنسانية قاسية تتمثل في غياب غاز الطهي، والفحم والأخشاب ومشتقات الوقود، ما يعرض آلاف الأطفال وكبار السن والمرضى لخطر الموت بسبب البرد وغياب وسائل التدفئة.

وطالبت الوزارة الفلسطينية بضرورة إدخال مشتقات الوقود والغاز اللازمة لتشغيل وسائل التدفئة لتفادي وفاة المزيد من الأطفال والمرضى في القطاع الذي يرزح تحت وطأة العدوان الإسرائيلي منذ ما يقرب من العام.

ومنذ بداية العدوان على غزة قبل نحو عام، تمنع قوات الاحتلال الإسرائيلي دخول الغاز وتحظر وصول الوقود (الطهي) للمواطنين، ما يضاعف من مأساة منع دخول المساعدات الطبية والغذائية والإغاثية إلى القطاع، في إجراءات تستهدف الحصار والتجويع.

وخلال الأسابيع الماضية، شهد القطاع استهدافا مكثفا لمراكز الإيواء التي نزح إليها المدنيون بعد تدمير منازلهم، إذ بلغ عدد مراكز الإيواء التي استهدفتها قوات الاحتلال منذ بدء العدوان على غزة 181 مركزا.

ولا يزال آلاف الشهداء والجرحى لم يتم انتشالهم من تحت الأنقاض، بسبب تواصل القصف وخطورة الأوضاع الميدانية، في ظل حصار خانق للقطاع وقيود مُشددة على دخول الوقود والمساعدات الحيوية العاجلة للتخفيف من الأوضاع الإنسانية الكارثية.

وأمس الاثنين، قالت وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا"، إنها تبذل كل جهد ممكن لأهالي قطاع غزة، من أجل تقديم المواد الضرورية لفصل الشتاء بشكل عاجل، بما في ذلك الأغطية البلاستيكية والخيام والمراتب والأغطية وغيرها من المواد الأساسية.

وأوضحت الأونروا أنها تواجه وجميع الوكالات الإنسانية صعوبات كبيرة في إدخال هذه المواد إلى قطاع غزة، لافتة إلى أنه بمجرد وصولها سيتم توزيعها فورا على المحتاجين من النازحين.

ودعت الوكالة الأممية إلى الوقف الفوري لتدمير المنازل والملاجئ لضمان توصيل المساعدات بأمان واستدامة، مطالبة بفتح مزيد من المعابر إلى قطاع غزة لتمكين الوكالات الإنسانية من إيصال الإمدادات الأساسية لآلاف العائلات المحتاجة.

2 مليون شخص داخل الخيام

بدوره قال مدير وحدة مكافحة العدوى بوزارة الصحة الفلسطينية، الدكتور رامي العبادلة، بات نحو مليوني شخص من سكان القطاع يعيشون داخل الخيام في مراكز الإيواء، فيما يقطن نحو 700 ألف شخص آخرين في المدارس أو المباني المدمرة جزئيا.

وأوضح العبادلة في تصريح لـ"جسور بوست" أن الأسبوع الماضي شهدت غزة هطولا غزيرا للأمطار في مناطق النزوح، ما أدى إلى غرق عدد كبير من خيام النازحين، لأن العدد الأكبر من هذه الخيام غير مخصص لتحمل التقلبات الجوية لفصل الشتاء وما يتبعه من هطول للأمطار.

وأضاف: "تدمير البنية التحتية وشبكات المياه والكهرباء والصرف الصحي على مدى عام كامل من الحرب الكارثية والقصف العنيف، سيجعل فصل الشتاء أشبه بالكابوس على النازحين الفلسطينيين في جميع أنحاء القطاع".

ومضى العبادلة قائلا: "الأطفال والنساء أصبحوا عائمين فوق برك من المياه التي تسربت داخل الخيام في مناطق النزوح، الأمر الذي ينذر بعواقب بيئية وصحية خطرة بسبب انتشار الأمراض والأوبئة جراء اختلاط مياه الصرف الصحي مع مياه الأمطار".

وحذر مدير وحدة مكافحة العدوى بوزارة الصحة الفلسطينية من انتشار أمراض التهابات الجهاز التنفسي والالتهابات الفيروسية، لا سيما بين الأطفال والعجائز، جراء استمرار هطول الأمطار وعدم جاهزية الخيام ومراكز الإيواء ونقص وقود التدفئة. 

وتصل درجات الحرارة في الشتاء بقطاع غزة إلى معدلات منخفضة جداً، ما يتطلب توفير المزيد من وسائل التدفئة والحماية من البرد، والتي تعتمد بشكل أساسي على توفير الوقود، لا سيما وسط التوقعات بانتشار أوبئة وأمراض معدية بين السكان.

ظروف استثنائية على القطاع

ومن جانبه أوضح أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس الدكتور أيمن الرقب، أن فصل الشتاء يطل على غزة في الظروف العادية محملا بالأمطار والعواصف الرعدية وموجات الصقيع، وخاصة في ظل تفاقم تداعيات ظاهرة التغير المناخي على المنطقة.

وأضاف الرقب في تصريح لـ"جسور بوست" أن القطاع يشهد خلال هذا الشتاء ظروفا استثنائية غير مسبوقة بسبب الحرب الممتدة منذ عام، والقصف المتواصل، وتدمير المنازل والمستشفيات، والحصار الذي يمنع وصول المساعدات الإغاثية أو الغذائية وغيرها.

وتابع: "الأمطار أغرقت الخيام المهترئة وجعلتها غير صالحة للاستخدام الآدمي، بالإضافة إلى نقص الأدوية والمستلزمات الطبية والملابس، حيث فقد 90 بالمئة من سكان القطاع جميع ممتلكاتهم خلال الحرب"، مؤكدا أن هذه الظروف القاسية من شأنها أن تحصد أرواح الأطفال الرضع والعجائز وأصحاب الأمراض المزمنة.

ومرارا أعربت الأمم المتحدة عن مخاوفها من انتشار الأمراض المنقولة بالمياه مثل الكوليرا والإسهال المزمن، تزامناً مع نقص المياه النظيفة الصالحة للشرب والظروف غير الصحية التي يعيش بها سكان القطاع.

وتعرف الأمراض المنقولة من خلال تناول أو استخدام مياه ملوثة بالأمراض المنقولة عبر الماء (Water-Borne diseases)، وأصبحت تحتل مكانة مميزة في اهتمامات الصحة العامة في معظم الدول لما تشكله من مخاطر على أعداد كبيرة من السكان.

والمياه التي تتلوث بمخلفات آدمية أو حيوانية تحتوي على كائنات دقيقة ممرضة، والتي بدورها تتنقل للإنسان أو الحيوان من خلال استخدام هذه المياه الملوثة سواء في الشرب والاستحمام بطريقة مباشرة أو من خلال تلويث المزروعات التي ستصبح طعاماً للإنسان أو الحيوان.



ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية