"العدل الدولية" تبحث لأول مرة.. هل الإضراب عن العمل حق إنساني أم تجاوز قانوني؟
"العدل الدولية" تبحث لأول مرة.. هل الإضراب عن العمل حق إنساني أم تجاوز قانوني؟
بدأت محكمة العدل الدولية هذا الأسبوع جلسات استماع غير مسبوقة لتحديد ما إذا كان الحق في الإضراب عن العمل محمياً بموجب القانون الدولي، وتعد هذه المرة الأولى التي تطلب فيها هيئة قضائية دولية من المحكمة رأياً استشارياً حول التوازن بين حقوق العمال ومصالح أصحاب العمل.
بحسب تقرير نشره موقع أخبار الأمم المتحدة الثلاثاء تم إثارة القضية بناءً على طلب رسمي من مجلس إدارة منظمة العمل الدولية عام 2023 الذي دعا المحكمة إلى توضيح ما إذا كانت اتفاقية الحرية النقابية وحماية حق التنظيم النقابي لعام 1948 المعروفة بالاتفاقية رقم 87، تشمل الحق في الإضراب ضمن نطاقها.
وتُعد الاتفاقية رقم 87 إحدى الركائز الأساسية لقانون العمل الدولي، إذ تضمن حرية العمال وأصحاب العمل في تشكيل منظماتهم والانضمام إليها، ورغم أنها لا تذكر الإضراب صراحة، فإن المدافعين عنها يؤكدون أن حرية التنظيم النقابي تفقد معناها من دون الحق في الإضراب.
رئيس محكمة العدل الدولية، يوجي إيواساوا، افتتح الجلسات بتلاوة السؤال الرسمي الموجه إلى القضاة، مشيراً إلى الطبيعة الثلاثية الفريدة لمنظمة العمل الدولية التي تضم الحكومات وأصحاب العمل والعمال في آن واحد.
طلب نادر بعد 90 عاماً
أوضحت المستشارة القانونية لمنظمة العمل الدولية، تومي كوهياما، أن المنظمة لم تلجأ إلى محكمة العدل الدولية للحصول على رأي استشاري منذ عام 1932، ما يعكس أهمية هذه القضية النادرة، وأكدت أن أمانة المنظمة لن تتبنى موقفاً محدداً، بل ستعمل على تزويد المحكمة بالمعلومات والسياق القانوني اللازم لفهم الخلاف.
وأضافت أن مشاركة ممثلين عن منظمات العمال وأصحاب العمل في هذه القضية أمر غير مسبوق في تاريخ المحكمة، ما يمنحها طابعاً خاصاً يعكس الطبيعة الثلاثية الفريدة للمنظمة.
وقال بابا دانكواه، ممثل الاتحاد الدولي للنقابات العمالية، إن الإضراب هو الأداة الحيوية التي استخدمها العمال عبر التاريخ لتحسين ظروفهم وصون كرامتهم، مؤكداً أن حرية تكوين النقابات بلا حق في الإضراب تصبح مجرد نصوص بلا أثر حقيقي.
في المقابل، رأى روبرتو سواريز سانتوس، ممثل المنظمة الدولية لأصحاب العمل، أن الاتفاقية رقم 87 لا تتضمن نصاً صريحاً أو ضمنياً يمنح هذا الحق، وأضاف أن إدخال مفهوم الإضراب ضمن بنودها سيؤدي إلى فرض قواعد موحدة على دول تختلف أنظمتها العمالية اختلافاً كبيراً، ما قد يقوض سيادتها التشريعية.
انتظار رأي المحكمة
خلال ثلاثة أيام من الجلسات، من المقرر أن تقدم 21 دولة ومنظمة مرافعاتها أمام المحكمة، في حين تم إيداع 31 بياناً مكتوباً في سجلها حتى الآن، ما يعكس الاهتمام العالمي بالنتائج المحتملة.
ومن المنتظر أن تصدر المحكمة رأيها الاستشاري خلال الأشهر المقبلة، وعلى الرغم من أن هذا الرأي لن يكون ملزماً قانوناً، فإنه قد يشكل سابقة مؤثرة في تطوير قوانين العمل الدولية والوطنية على السواء.
وتأسست منظمة العمل الدولية عام 1919 لتكون المنبر الأممي الأول لوضع معايير العمل، وتهدف إلى تعزيز العدالة الاجتماعية وحماية حقوق العمال في العالم، مع منح صوت متساوٍ للحكومات وأرباب العمل والعمال، لكن هذا التوازن أحياناً يؤدي إلى خلافات عميقة، أبرزها في عام 2012 حين اعترضت منظمات أصحاب العمل على اعتبار الحق في الإضراب جزءاً من اتفاقيتي الحرية النقابية والمفاوضة الجماعية.
أما محكمة العدل الدولية، ومقرها مدينة لاهاي، فهي الذراع القضائية الرئيسية للأمم المتحدة، وتختص بالنظر في النزاعات بين الدول وإصدار الآراء الاستشارية في القضايا القانونية المعقدة.
ويأتي هذا الجدل حول الحق في الإضراب في وقت تشهد فيه أسواق العمل حول العالم تحولات عميقة بسبب الأزمات الاقتصادية والتقنية، ما يجعل قرار المحكمة المرتقب محط أنظار ملايين العمال وأصحاب العمل على حد سواء.










