صرخة المجتمع المدني.. منظمات حقوقية تحذر من أزمة في الحريات العامة بتونس
صرخة المجتمع المدني.. منظمات حقوقية تحذر من أزمة في الحريات العامة بتونس
تتعالى الأصوات الحقوقية في تونس وهي تحاول إنقاذ فضاء الحرية الذي وُلد من رحم ثورة 2011، فبعد أكثر من عقد على الحلم بالديمقراطية، تعيش البلاد اليوم أزمة عميقة في الحريات العامة، إذ أطلقت منظمات حقوقية “صيحة فزع” بعدما قررت السلطات تعليق أنشطة عدد من الجمعيات المستقلة.
بالنسبة لكثير من التونسيين، لم تعد القضية مجرد صراع إداري أو قانوني، بل معركة وجودية بين روح المجتمع المدني وموجة التضييق السياسي التي تهدد مكتسبات الثورة، بحسب ما ذكرت وكالة "فرانس برس"، الثلاثاء.
وأعلنت الرابطة التونسية للدفاع عن حقوق الإنسان، أن العديد من الجمعيات غير الحكومية فوجئت بقرارات رسمية تعليق نشاطها مؤقتاً دون مبررات واضحة، ووصفت الرابطة هذه الإجراءات بأنها محاولة "للقضاء على المجتمع المدني" و"تكميم الأصوات الحرة والناقدة".
وقال رئيس الرابطة، الحقوقي بسام الطريفي، في مؤتمر صحفي، إن “هذه القرارات لا تستهدف أحزاباً معارضة تعمل في السياسة، بل جمعيات كان دورها تكميلياً لمجهود الدولة في مناطق لم تتمكن من الوصول إليها”.
وأضاف أن “التضييق على الجمعيات يعني إضعاف المجتمع، وحرمان الفئات الهشة من الدعم والخدمات الأساسية التي تقدمها المنظمات”.
حملة ضد المنظمات
أكد مصدر حقوقي لوكالة فرانس برس أن ما لا يقل عن 17 منظمة غير حكومية تلقت قرارات بتعليق نشاطها خلال الأشهر الأخيرة، بينها جمعيات ذات تاريخ طويل في الدفاع عن الحريات مثل المنتدى التونسي للحقوق الاقتصادية والاجتماعية والجمعية التونسية للنساء الديمقراطيات، إضافة إلى تعليق نشاط مكتب المنظمة العالمية لمناهضة التعذيب في تونس.
وامتد القرار ليشمل المجال الإعلامي أيضاً، حيث عُلّق نشاط الموقعين الإخباريين "انكفاضة" و"نواة"، في خطوة اعتبرتها نقابة الصحافيين التونسيين محاولة لـ"خنق الإعلام المستقل".
ترى منظمات المجتمع المدني أن هذه التطورات تأتي في سياق سياسي متوتر منذ استحواذ الرئيس قيس سعيّد على السلطات التنفيذية والتشريعية في يوليو 2021.
ومنذ ذلك الحين، سُجن العديد من المعارضين، بعضهم بتهم تتعلق بـ"نشر أخبار كاذبة" أو "التآمر ضد أمن الدولة"، فيما تواجه وسائل الإعلام والصحفيون تصاعداً خطيراً في الرقابة والتهديدات.
وقال زياد دبار، نقيب الصحفيين التونسيين، إن البلاد تشهد “انتشاراً رهيباً لخطاب الكراهية ضد المعارضين”، مؤكداً أن “الخط التحريري المستقل لوسائل الإعلام لم يعد يروق للسلطات”. وأضاف أن “الحديث عن هذه القرارات بمعزل عن المناخ السياسي المشحون سيكون تجاهلاً للحقيقة”.
اتهامات بالتمويل الأجنبي
منذ سنوات، يثير موضوع تمويل الجمعيات من الخارج جدلاً واسعاً في تونس. فقد كرر الرئيس قيس سعيّد اتهاماته لبعض المنظمات بتلقي “مبالغ خيالية من الخارج لأغراض سياسية”، في حين تعتبر الجمعيات هذه التصريحات ذريعة لتقييد عملها وضرب استقلاليتها.
ويرى مراقبون أن تعليق نشاط المنظمات هو رسالة ترهيب للمجتمع المدني، تهدف إلى إعادة تشكيل المشهد الحقوقي والإعلامي بما يتناسب مع رؤية السلطة الحالية، ما يُنذر بمرحلة جديدة من التضييق على الحريات العامة.
وتؤكد منظمات المجتمع المدني أنها لن تصمت أمام محاولات تهميشها، وأنها ستواصل الدفاع عن الحقوق والحريات مهما كانت التحديات.
وبينما يلوّح البعض بخطر “تكميم آخر الأصوات المستقلة”، يرى آخرون أن صرخة اليوم قد تكون الفرصة الأخيرة لإنقاذ روح الثورة التونسية التي طالما تغنّت بالحرية والكرامة.











