سياحة جنسية وعمل قسري.. 52 مليار دولار أرباح عصابات الاتجار بالبشر في أمريكا اللاتينية
سياحة جنسية وعمل قسري.. 52 مليار دولار أرباح عصابات الاتجار بالبشر في أمريكا اللاتينية
يُعد الاتجار بالبشر أحد أبشع أشكال الجرائم المنظمة في أمريكا اللاتينية، حيث تُغذي الهجرة الجماعية والسياحة الجنسية موجة جديدة من الاستغلال البشري في المنطقة، وفقاً لتقرير نشرته مجلة "الإيكونوميست"، يكشف حجم الانتهاكات بحق النساء والفتيات، وكذلك العمال الذكور في بيئات العمل القسري.
سردت المجلة البريطانية، حالة إيزابيل، (25 عامًا)، من ميديلين في كولومبيا، التي غادرت بلدها معتقدة أنها متجهة إلى وظيفة مشروعة في ملهى ليلي بجمهورية الدومينيكان، وعدتها الإعلانات على فيسبوك بأجر جيد وتكفل جهة التوظيف بتكاليف السفر، لكن عند وصولها صادر الرجل جواز سفرها وادّعى أنها مدينة بمبلغ 6000 دولار أمريكي لتغطية النفقات.
وأجبرت إيزابيل على العمل في بيوت الدعارة لسداد الدين، حيث تراكمت عليها المصاريف يوميًا ولم تحصل على أي أجر.
وأبرز التقرير أن الاستغلال البشري في أمريكا اللاتينية يتركز في شكلين: الاستغلال الجنسي للنساء والفتيات، والعمل القسري للرجال في المناجم والمزارع والمصانع.
وأشار خوسيه مونتيرو، من بعثة العدالة الدولية في غواتيمالا، إلى أن اقتصاد الكوكايين أسس البنية التحتية التي تدعم شبكات الأعمال غير المشروعة، بما في ذلك طرق التهريب، وشبكات غسل الأموال، والمسؤولين الفاسدين، مؤكدا أن ثلاثة أرباع حالات الاتجار بالبشر عالميًا ترتبط بالجريمة المنظمة، مما يعكس الطبيعة المتشابكة لهذه الجريمة.
معسكرات العمل القسري
استغلّت الجماعات الإجرامية فرص التعدين غير القانوني لنشر العمل القسري، حيث أوضح تقرير "الإيكونوميست" إن الجماعات تجند الرجال بوعود وظائف مجزية في مناطق مناجم الذهب في بيرو والبرازيل، ولكن عند وصولهم إلى معسكرات نائية، يمنعهم الحراس من المغادرة.
وتقدر البرازيل وحدها أن نحو 4500 شخص يُستغلون في هذه المناجم، فيما تُهرّب النساء والفتيات إلى بيوت دعارة لخدمة عمال المناجم.
وأوضح جيريمي ماكديرموت، من منظمة "إنسايت كرايم"، أن توسع الرحلات الجوية الرخيصة ومواقف الحكومات المتراخية تجاه الدعارة أسهم في ازدهار السياحة الجنسية منذ جائحة كورونا.
وقد استقبلت ميديلين 1.5 مليون زائر في عام 2023، أي سبعة أضعاف عدد الزوار قبل عقد من الزمن، مما أدى إلى زيادة حالات الاستغلال الجنسي التجاري، بمن في ذلك للنساء والفتيات.
الإنترنت والاستغلال
شددت بيتي بيدرازا، من منظمة "إسباسيوس دي موهير" الكولومبية، على أن المتاجرين بالبشر استغلوا الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي لجذب الضحايا مباشرة وبناء الثقة معهم، ثم التحكم في حياتهم وبياناتهم الشخصية.
حذرت إيزابيل من أن خاطفيها كانوا على دراية بحياتها الشخصية، بما في ذلك معلومات عن ابنتها، واستخدموا ذلك للتهديد بالقتل حال محاولة الهروب.
وأشارت البيانات إلى أن بعض السياح الجنسيين يطلبون أطفالًا، وقد ارتفع الاستغلال الجنسي التجاري للفتيات القاصرات بشكل حاد منذ عام 2019، مع تزايد ضحايا الأطفال بشكل مستمر.
النزوح الجماعي والفقر
أوضحت المصادر أن المتاجرين بالبشر استغلوا الأعداد المتزايدة من الأشخاص الضعفاء اقتصاديًا، خصوصًا الفنزويليين الذين فرّ أكثر من 7.5 مليون منهم من نظام مادورو خلال العقد الماضي.
وقالت "الإيكونوميست" إن وصول هؤلاء الأشخاص دون وظائف أو سكن يجعلهم فريسة سهلة للاستغلال، سواء في العمل الجنسي أو العمل القسري، بما في ذلك عبر بيوت كاميرات الويب في المدن الحدودية الكولومبية مثل كوكوتا.
وأكد خوسيه مونتيرو أن هذه الجرائم لم تحظَ سوى بجزء ضئيل من التمويل الحكومي مقارنة بجرائم المخدرات، ما يعني أن معظم الضحايا لا يتم التعرف عليهم رسميًا، إذ تشير تقديرات المكسيك إلى أن أقل من 1% من الحالات يتم الإبلاغ عنها، كما أن بوليفيا ونيكاراغوا لم تحدد أي ضحايا للاتجار بالبشر عام 2024، على الرغم من التفشي المستمر للاستغلال.
تجاهل الحكومات
أشار التقرير إلى أن القضاء غالبًا ما يفتقر للتدريب الكافي على التعرف على حالات الاتجار بالبشر أو التعامل معها، وتتم المطالبة أحيانًا بإثبات الإكراه البدني فقط، متجاهلين طرق الإكراه النفسي والاقتصادي، بما في ذلك دين السفر أو التهديدات بالقتل.
وأضاف خوسيه مونتيرو أن المهاجرين غالبًا ما يُعاملون كعمال غير موثقين لا كضحايا، وأن الدول مثل كولومبيا والبرازيل لم تصدر إدانة واحدة لحالات الاتجار منذ عدة سنوات، رغم وجود قوانين لمكافحة الجريمة.
وأكد التقرير أن التمويل المنخفض للمنظمات غير الحكومية المعنية بمكافحة الاتجار بالبشر يزيد من التحديات في حماية الضحايا وإنقاذهم.
الإحصاءات الرسمية
أفاد المكتب الرسمي للأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة بأن عام 2022 شهد رصد نحو 4300 ضحية اتجار بالبشر في 25 دولة بأمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي.
وأوضحت الإحصاءات أن النساء والفتيات يشكلن الجزء الأكبر من الضحايا، مع تفاوت النسب بين أمريكا الجنوبية وأمريكا الوسطى ومنطقة البحر الكاريبي.
وأوضح المكتب أن التهريب غالبًا ما يكون محليًا، وأن 25% من الضحايا كانوا من دول أخرى، وأشار إلى أن ما بين 200 ألف و400 ألف مهاجر يُهربون من أمريكا الوسطى عبر المكسيك سنويًا إلى الولايات المتحدة، معرضين للخداع والإكراه والاستغلال الجنسي والعمل القسري.
مكافحة الاتجار
نظّم روبرتو ألميندراس، من مكتب المدعي العام البوليفي، بالتعاون مع جامعة السلام والمنظمة الدولية للشرطة الجنائية، برنامجًا تعليميًا بعنوان "الأكاديمية الدولية لمكافحة الاتجار بالبشر وتهريب المهاجرين" في سان خوسيه، كوستاريكا، أغسطس 2024.
وتدرّب في الأكاديمية 40 متخصصًا من أمريكا اللاتينية ومنطقة البحر الكاريبي على أحدث أساليب التحقيق، وسبل التعاون الدولي الفعال، وحماية الضحايا.
وضمّت الحلقة نقاشات بمشاركة ممثلين عن الحكومات الوطنية، ووكالات إنفاذ القانون، ومكتب الأمم المتحدة المعني بالمخدرات والجريمة، والإنتربول.
وأكد ألميندراس، أن "الجريمة المنظمة آخذة في الازدياد في منطقتنا، وعلينا أن ننظم أنفسنا لمكافحتها وتبادل المعارف واكتساب مهارات جديدة".
ومن المقرر إنشاء أكاديميات مماثلة في 2025، لتوسيع نطاق التدريب وتحسين حماية الضحايا، مع التركيز على الحقوق الأساسية للإنسان ومكافحة الاستغلال.











