في ظل تحديات المناخ.. مراكش تستضيف مؤتمراً دولياً لإنقاذ الموارد المائية

في ظل تحديات المناخ.. مراكش تستضيف مؤتمراً دولياً لإنقاذ الموارد المائية
أثر الجفاف في أحد الأنهار

في ظل تزايد التحديات المناخية وندرة الموارد وارتفاع الطلب العالمي على المياه، أطلق وزراء ومسؤولون أمميون اليوم الاثنين نداءً عاجلاً لتكثيف التعاون الدولي من أجل حماية هذا المورد الحيوي وضمان تأمينه للأجيال المقبلة، وجاءت هذه الدعوات خلال الجلسة الافتتاحية للدورة التاسعة عشرة من المؤتمر العالمي للمياه، المنعقد في مدينة مراكش المغربية بمشاركة ممثلين من أكثر من مئة دولة وما يزيد على 1500 خبير ومسؤول دولي.

وأكدت ريتنو مارسودي، المبعوثة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة المعنية بالمياه، أن العالم يقف في نقطة مفصلية تهدد فيها الأزمات المناخية بزعزعة الأمن المائي في مناطق واسعة من العالم، وقالت إن البشرية قد تنزلق نحو أزمات معقدة إذا لم يتحول التعاون الدولي من خيار سياسي إلى التزام عملي.

وأوضحت أن التحديات الحالية، وعلى رأسها ندرة المياه وتراجع الموارد الجوفية وتزايد الكوارث الطبيعية، تجعلنا أبعد من أي وقت مضى عن تحقيق أهداف التنمية المستدامة، وفق وكالة أنباء الأناضول.

وأضافت مارسودي أن الحلول التقنية والتنظيمية موجودة، لكن الفجوة الأساسية تكمن في غياب التنسيق الدولي الكافي وغياب سياسات موحدة لإدارة الموارد. ودعت إلى رفع مستوى التمويل الدولي لمشاريع المياه وسد الفجوة المائية المتنامية، مؤكدة أن مستقبل الأجيال مرهون بقرارات تتخذ اليوم وليس بعد سنوات.

رؤية الصين 

من جانبه، شدد وزير الموارد المائية الصيني غويينغ لي على أن العالم يواجه مرحلة شديدة الحساسية بفعل التقلبات المناخية، وارتفاع وتيرة الفيضانات والجفاف، ما يجعل الأمن المائي مسألة ترتبط بشكل مباشر بالأمن الإنساني والغذائي والاقتصادي.

وقال إن الصين ملتزمة بتعزيز التعاون الدولي عبر تطوير بنى تحتية قوية للمياه وتبادل الخبرات مع الدول النامية، معتبراً أن إدماج الابتكار والتكنولوجيا أصبح مفتاحاً رئيسياً لأي حل مستدام.

وأعرب الوزير الصيني عن استعداد بلاده لإطلاق شراكات جديدة في مجال حوكمة المياه وتطوير النظم الحديثة للإدارة المتكاملة للموارد، مؤكداً أن العالم لن ينجح في مواجهة التحديات المائية ما لم يتحرك بشكل جماعي وبمقاربات موحدة.

ضغوط اقتصادية ومناخية

وفي السياق ذاته، حذر رئيس الرابطة الدولية للمياه ياوان ياوان لي من أن التغيرات الاجتماعية والاقتصادية تدفع الموارد المائية إلى حافة الانهيار.

وقال إن موجات الجفاف والفيضانات المرتبطة بتغير المناخ، إلى جانب ازدياد الطلب على المياه بفعل النمو السكاني والتوسع العمراني، خلقت ضغطاً هائلاً على الموارد المتاحة.

وأوضح أن التنمية الاقتصادية المتسارعة في عدد من دول العالم ترافقت مع تراجع الاستثمارات في مجال المياه، ما أدى إلى ارتفاع حدة الأزمة واتساع فجوة التمويل.

وشدد على ضرورة دمج البحث العلمي مع السياسات الحكومية لإنتاج حلول مبتكرة، معتبراً أن الأمن المائي أصبح مسألة استراتيجية تمس استقرار الدول وقدرتها على النمو.

منصة عالمية للحوار

يمثل المؤتمر العالمي للمياه في المغرب فرصة مهمة لتقييم التحديات التي تواجه إدارة الموارد المائية، وبناء رؤى مشتركة بين الحكومات والخبراء والمنظمات الدولية، ويناقش المشاركون خلال خمسة أيام سبل تحسين إدارة المياه، وتعزيز الابتكار في مواجهة الجفاف والفيضانات، ومواكبة التحولات التكنولوجية التي تشهدها المنظومات المائية في العالم.

كما يهدف المؤتمر إلى تطوير سياسات مستدامة تضمن توازناً بين الاحتياجات الإنسانية والاقتصادية والبيئية، في وقت تتسارع فيه آثار التغير المناخي وتزداد حدتها عاماً بعد آخر.

وتتفق الرؤى الدولية المطروحة في المؤتمر على أن التحديات المائية لا يمكن لأي دولة مواجهتها بمفردها، وأن التعاون الإقليمي والدولي أصبح ضرورة وجودية، فالمياه ترتبط مباشرة بالأمن الغذائي والصحي والاقتصادي، وأي اختلال فيها يمثل تهديداً شاملاً لمقومات الحياة.

ويحذر خبراء الأمم المتحدة من أن استمرار الوضع الحالي سيقود إلى موجات نزوح بسبب الجفاف، وتزايد الصراعات المرتبطة بالموارد، وتراجع الإنتاج الزراعي، إضافة إلى تفاقم الأزمات الاجتماعية في عدد من المناطق الهشة.

وتؤكد الأمم المتحدة أن تحقيق الأمن المائي العالمي يستوجب توحيد الجهود لتطوير البنية التحتية، وتعزيز الحوكمة الرشيدة، وتقوية قدرة الدول على مواجهة المخاطر المناخية، إلى جانب دعم الابتكار والتقنيات الحديثة في إدارة الموارد.

دور المجتمع العلمي

يشدد المشاركون من المؤسسات العلمية الدولية على أن التكنولوجيا يمكن أن تلعب دوراً محورياً في تخفيف آثار الأزمة، ويؤكد الخبراء أهمية الاستثمار في أنظمة التنبؤ المبكر، وتطوير شبكات توزيع المياه، وتحسين كفاءة الاستهلاك، واستعادة التوازن البيئي في المناطق المتضررة.

ويرى المختصون أن الابتكار يجب أن يكون جزءاً أساسياً من السياسات المائية، مع ضرورة توفير فرص كبرى للبحث العلمي، وتسهيل تبادل الخبرات بين الدول، ووضع خطط مشتركة لاحتواء المخاطر المستقبلية.

وتقدر الأمم المتحدة أن أكثر من ملياري شخص حول العالم يواجهون صعوبة في الحصول على مياه نظيفة بشكل منتظم، وأن ما يقرب من أربعة مليارات يعيشون فترات من شح المياه سنوياً، وتشير التقارير الدولية إلى أن التغير المناخي يؤدي إلى زيادة الفيضانات في بعض المناطق، مقابل موجات جفاف قاسية في مناطق أخرى، ما ينتج فجوة خطيرة في التوزيع الطبيعي للمياه.

كما تسهم الزراعة غير المستدامة والاستخدام الصناعي الكثيف في استنزاف كميات ضخمة من المياه الجوفية، في وقت ترتفع فيه معدلات التلوث في الأنهار والبحيرات بسب الأنشطة البشرية، وبحسب تقارير الأمم المتحدة، قد ترتفع نسبة السكان الذين يعانون من نقص حاد في المياه خلال العقدين المقبلين بشكل كبير إذا لم يتم اتخاذ إجراءات عاجلة.

وتشير التقديرات إلى أن الاستثمار العالمي في قطاع المياه لا يزال أقل بكثير من مستوى الحاجة، وأن الفجوة التمويلية تتضاعف سنوياً، ما يهدد بنسف الجهود الرامية إلى تحقيق أهداف التنمية المستدامة المتعلقة بالمياه والصرف الصحي.

ويؤكد الخبراء أن العالم بحاجة إلى نموذج جديد لإدارة الموارد يعتمد على الابتكار والتخطيط طويل المدى، وعلى تعاون دولي واسع يضمن مشاركة العلم والسياسة والمجتمع المدني في حل الأزمة قبل أن تبلغ مستويات تهدد الاستقرار العالمي.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية