انتصاراً لمهاجري ليبيا.. "الجنائية الدولية" تسعى لإنهاء الإفلات من العقاب

انتصاراً لمهاجري ليبيا.. "الجنائية الدولية" تسعى لإنهاء الإفلات من العقاب
نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، نزهة شميم خان

في بلدٍ أنهكته الصراعات والانقسامات، لم تعد معاناة المهاجرين في ليبيا مجرد انتهاكات متفرقة، بل تحولت إلى منظومة من العنف المنظم داخل مرافق الاحتجاز، حيث القتل والتعذيب والاغتصاب والعنف الجنسي باتت جزءًا من واقع يومي يعيشه آلاف المحتجزين بعيدًا عن أي رقابة أو محاسبة حقيقية. 

ومع تصاعد الضغوط الدولية، بدأت أصوات العدالة تعلو مجددًا مطالِبةً بوضع حدٍّ لعقود من الإفلات من العقاب، حيث قالت نائبة المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية، نزهة شميم خان، أمام مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة في نيويورك، إن حجم الفظائع المرتكبة بحق المهاجرين في ليبيا بلغ مستوى يتطلب تحركًا دوليًا جماعيًا وفوريًا، بحسب ما ذكرت وكالة الأنباء الألمانية، الاثنين.

وأكدت نزهة خان أن ما يجري داخل مرافق الاحتجاز يمثل جرائم جسيمة ضد الإنسانية لا يجوز السكوت عنها أو تبريرها تحت أي ظرف.

وأوضحت أن الانتهاكات التي تشمل الإعدام بإجراءات موجزة، والتعذيب الممنهج، والاغتصاب، والعنف الجنسي، استمرت لأكثر من عقد كامل في أماكن احتجاز مغلقة، تحولت إلى “مناطق محظورة على المساءلة”، حيث شعر الجناة بالأمان والحصانة، ما شجعهم على التمادي في جرائمهم

ومع ذلك، أكدت أن هذا الشعور بالإفلات من العقاب بدأ يفقد زخمه، في إشارة إلى تغير تدريجي في المشهد القضائي الدولي تجاه الجرائم المرتكبة على الأراضي الليبية.

نقطة تحول نحو العدالة

شكّل اعتقال خالد محمد علي الهيشري من قبل السلطات الألمانية في 16 يوليو، بناءً على مذكرة صادرة عن المحكمة الجنائية الدولية، محطة مفصلية و”نقطة تحول” في مسار العدالة. 

ويواجه الهيشري تهماً بارتكاب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية في سجن معيتيقة، خلال الفترة الممتدة من فبراير 2015 وحتى مطلع عام 2020، وتشمل الاتهامات القتل والتعذيب والاغتصاب وأشكالًا متعددة من العنف الجنسي ضد مواطنين ليبيين ومهاجرين على حد سواء.

وشددت شميم خان على أن “المسؤولين عن هذه المعاناة مخطئون إذا اعتقدوا أنهم لا يزالون خارج نطاق العدالة”، مشيرة إلى أن التعاون المتزايد من قبل سلطات طرابلس مع المحكمة الجنائية الدولية يُمثل تحولًا مهمًا في بلد مزقته سنوات من الاقتتال والفوضى الأمنية.

كسر دائرة الإفلات من العقاب

في خطوة وُصفت بأنها ذات دلالة سياسية قوية، أعلنت حكومة الوحدة الوطنية الليبية قبولها اختصاص المحكمة الجنائية الدولية على جرائم معينة، عبر آلية خاصة بالدول غير الموقعة على نظام روما الأساسي. 

واعتبرت نائبة المدعي العام هذه الخطوة “لحظة مفصلية” تعكس رغبة رسمية في كسر دائرة الإفلات من العقاب، ومنع ليبيا من البقاء ملاذًا لتجار البشر وقادة الميليشيات الذين حوّلوا أجساد المهاجرين إلى سلعة ووسيلة ابتزاز وربح.

غير أن مسار العدالة لا يزال محفوفًا بالتحديات، فقد أشارت شميم خان إلى أن المحكمة تواجه عراقيل غير مسبوقة، ومنها عقوبات وضغوط سياسية، محذرة من أن هذه الإجراءات لا تخدم إلا الأطراف التي تستفيد من استمرار الفوضى وغياب المحاسبة.

وفي الوقت الذي تتصارع فيه المصالح السياسية على الساحة الدولية، يبقى آلاف المهاجرين في ليبيا عالقين بين قبضة الجلاد وصمت العالم، في انتظار أن تتحول الوعود إلى أفعال، وأن تصبح العدالة واقعًا لا مجرد خطاب يُلقى تحت قبة الأمم المتحدة.



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية