القلق مرض العصر.. مواجهة ومجابهة

القلق مرض العصر.. مواجهة ومجابهة

 

ما العمل في مواجهة القلق، مرض العصر الحديث، ذاك الذي يجعل من نهارنا قلقاً ومن ليلنا أرقاً؟

 

يقول “بول ماكينا” مؤلف كتاب “سيطر على التوتر”، إن بعض الناس يقولون لي إنهم بحاجة للشعور بالتوتر لأنهم بدونه قد يفقدون المهارات والقدرات التي مكنتهم من النجاح، رداً عليهم أقول إن كل جزء بهذا النظام تم اختباره بعناية على بعض أكثر الشخصيات نجاحاً في العالم، ويمكنني أن أؤكد لك أنه لن يقلل من قدراتك العامة بأي شكل من الأشكال.

 

في الحقيقة، عندما تتعلم السيطرة على ما تشعر به من توتر، والتخلص من القلق غير الضروري، والاسترخاء على مدار حياتك اليومية، ستتمتع بمزيد من الطاقة، وستصبح أكثر كفاءة وفعالية، كما أن مستويات السعادة لديك سترتفع نسبتها لأقصى حد.. إن القدرة على التحلي بالقدر المناسب من الانتباه الهادئ اللازم للتعامل مع أي موقف صعب هي السبيل للسيطرة على التوتر والقلق.

 

ستظل تمر بمجموعة قوية من المشاعر، وتشعر بالغضب أو الحزن وتستجيب بشكل ملائم إلى أي موقف.. لكن المشهد العام لمشاعرك سيتغير، حيث ستقل نسبة ما تشعر به من غضب وخوف وإرهاق بدني، وستجد أن هناك المزيد من السعادة والصحة يتوجان حياتك.

 

قوة التفكير السلبي

 

يشتمل أي يوم عادي من أيام حياتنا على متطلبات وأحداث معينة تسبب التوتر؛ مواجهة الزحام المروري عند قيادتك السيارة للعمل. أو الدخول في جدال. أو تسلم فاتورة غير متوقعة، أو أحداث الأطفال لفوضى عارمة أو قيام شخص ما بانتقادك.

 

قد لا تمثل مثل هذه الأمور “تهديدا” بالنسبة لك على المستوي الواعي، لكن جهازك العصبي لا يميز بين التهديد المادي لجسدك والتهديد الذهني أو العاطفي لذاتك. لذا إذا ما أقدم شخص ما على انتقادك.. فإن عقلك يستجيب للموقف من خلال استجابة التوتر التي تعمل على إفراز الأدرينالين والكورتيزول في مجري الدم، نفس المواد الكيمائية التي ستفرز إذا ما تعرضت لتهديد بدني.

 

لهذا السبب فإنك لست بحاجة إلى تغيير العالم، أو وظيفتك، أو علاقاتك أو حتى موقفك المالي كي تبدأ السيطرة على توترك.. عندما يتغير إدراك وتفسيرك لحدث ما، فإن قوة ومدة استجابة التوتر ستتغيران نتيجة لذلك.

 

اكتشاف مفتاح تشغيل/ إيقاف الاسترخاء الطبيعي

 

منذ حوالي عشرين عاما، قدم بحث في مجال القلب والأعصاب فكرة المخ القلبي الفعال.. لقد اكتشفوا أن القلب البشري لديه جهاز عصبي خاص به وهو معقد جدا ويعمل تقريبا بمثابة مخ ثانٍ.

 

هذا المخ القلبي لديه على الأقل أربعون ألف عصبون ـنفس العدد الموجود بعدة أجزاء فرعية بالمخ- في الحقيقة، إنه لديه مثل هذه الشبكة العصبية المعقدة القادرة فعليا على التعلم والتذكر والشعور والإحساس بالأشياء بشكل مستقل عن المخ الدماغي.

 

في كل مرة ينبض فيها قلبك، فإنه يرسل معلومات إلى المخ القلبي الذي يؤثر على فهمنا، ومشاعرنا ووعينا بالإضافة إلى تأثيره دائما على العديد من إشارات الجهاز العصبي التلقائي.. بما فيها استجابة التوتر.

 

هذا يعني أن القلب البشري ليس مجرد مضخة للدم، بل إنه مركز التحكم البدني الذي يقرر إما إثارة الجهاز العصبي السمبثاوي أو الباراسمبثاوي، استجابة التوتر أم الاسترخاء الطبيعي.

 

 

التمارين الرياضية مفيدة لك 

 

يقول الفيلسوف اليوناني الشهير أفلاطون: “قلة ممارسة التمارين الرياضية تؤدي إلى تدمير الحالة الصحية لأي إنسان، في حين أن الحركة والتمارين البدنية المنهجية تحمي الصحة وتحافظ عليها”.

 

نحن نعيش في عصر يسوده تقديم طبي مستمر لا يمكن تصوره.. لقد أصبحت الأدوية والعمليات الجراحية أمرا مألوفا.. حيث يتوقع العديد من الناس الحصول على علاج فوري من الأطباء لمرضهم كما يحملون الأخصائيين مسؤولية صحتهم، مفضلين الحصول على وصفة طبية بدلا من الاتجاه لتغيير أسلوب حياتهم أو نظامهم الغذائي.

 

على الرغم من ذلك، فإن أحد أهم الأدوات التي نمتلكها بالفعل للتحكم في التوتر هو ممارسة التمارين الرياضية. والتمارين هنا أقصد بها أي نشاط بجعل قلبك يخفق بشكل أسرع من المعتاد ويجعل رئتيك تتنفسان بشكل أكثر عمقا.

 

منذ عدة سنوات، بدأ الأطباء يصفون التمارين الرياضية لمرضاهم كطريقة لعلاج التوتر العصبي.. وقد أثبت البحوث أن هذه الطريقة لم تساعد على تقليل النشاط الكهربائي للعضلات المتوترة لدى المرضى فحسب، بل أدت أيضاً إلى تقليل نسبة العصبية والنشاط المفرط فيما بعد.

 

كل ما يتعلق بالقلق

 

 

قال الرئيس الأمريكي الشهير توماس جيفرسون ذات مرة: “كم شعرنا بالألم من جراء مشكلات لم يكن لها وجود إلا في خيالنا”.. من هنا عليك أن تسأل نفسك…ما أكثر شيء يثير قلقك حاليا؟

 

*هل هو شيء له علاقة بمواردك المالية أو وظيفتك؟

 

*هل أنت قلق بشأن أمر ما حدث في الماضي أو قد يحدث في المستقبل؟

 

كلمة “قلق” مشتقة من كلمة يونانية يمكن ترجمتها بمعنى “عقل منقسم”.. وهذا يعتبر وصفاً دقيقاً للشعور الناتج عن القلق في معظم الوقت؛ مجموعة من الأفكار تجذبك نحو عدة اتجاهات مختلفة في ذات الوقت.

 

 

حل المشكلات الأكثر صعوبة؟

 

أحد أفضل الأمثلة المتعلقة بقدرة العقل على حل المشكلات عندما يتحرر من فكرة كانت مقيدة له هو قصة “جورج برناد دانتزيج” الطالب الذي وصل متأخرا عن موعد حصة الرياضيات وعندما دخل الفصل رأى مسألتين مكتوبتين على السبورة. مفترضا أنهما الواجب المنزلي لهذا اليوم، قام بتدوينهما، لكنه وجد أن حلهما استغرق وقتا أطول بكثير مما توقع. عندما قام بتسليم الواجب المنزلي بعد مرور أيام قليلة، بدا المعلم مندهشا للغاية، وأسرع “دانتزيج” بالاعتذار موضحاً أن “المسألتين كانتا أكثر صعوبة عما هو معتاد”.

 

تلك المعادلتان اللتان أقدم “دانتزيج” على حلهما لم تكونا الواجب المنزلي، إنهما معادلتان شهيرتان مدرجتان بعلم الإحصاء تحت بند “لم يعثر على حل لهما”.. ولأن “دانتزيج” لم يكن على دراية أنه ليس من المفترض أن يقدر على حلهما، تمكن من استجماع كل الطاقة الإبداعية لعقلة من أجل إيجاد حل.. فيما بعد تم نشر عمله هذا في بعض الصحف الأكاديمية وأصبحت قصته بمثابة أسطورة.

 

المغزى من هذه القصة هو:

 

عندما تعتمد على عبقرية وقدرة عقلك الإبداعية، يصبح حل حتى أصعب المشكلات أمرا ممكنا.

 

إليك أهم خطوتين للوصول للأساليب الفعالة لحل المشكلات:

 

ضع نفسك في حالة ذهنية أكثر هدوءاً واسترخاء وفكر في كل الأمور التي تدور من حولك من منظور جديد أكثر إيجابية.

 

ابدأ في ابتكار حلول!

 

هناك مبدأ علمي يسمى “قانون التنوع الضروري” والذي يقول إن “جزء المنظومة الذي يتصف لأكبر قدر من المرونة ينتهي به الأمر متحكما في المنظومة بأكملها”.

 

بمعنى أنه في أي بيئة، سواء كنا نتحدث عن بيئة العمل أو المحيط الأسرى أو الأحزاب السياسية، نجد أن الشخص الذي يتحلى بأكبر قدر من المرونة في تفكيره وسلوكه سيكون أكثر الشخصيات أهمية.

 

ولمزيد من التوضيح يمكنني القول:

 

كلما توفر لديك المزيد من الطرق للنظر إلى مشكلة تواجهها، توفر لديك مزيد من الخيارات.

 

وكلما توفر لديك مزيد من الخيارات، زادت احتمالية قدرتك على السيطرة على الأمور.

 

كل من أساليب حل المشكلات الفعالة التالية تمدك بطرق جديدة للنظر للمشكلات، مقدمة لك في النهاية اختيارات جديدة وقدرة عظيمة على التحكم بالأمور.

 

فهي سوف تساعدك على التخلص من جزء كبير من قلقك من خلال صرف انتباهك عن “المشكلة” وتركيزه على إيجاد حل أو حلول.

 

تأكد من التعامل على الأقل مع واحد من الأمور التي تثير قلقك من خلال كل واحد من هذه التدريبات حتى تصبح مطلعا على كيفية عمله.. بعد ذلك ستصبح قادرا على استخدامها في أي وقت بالمستقبل.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية