عن إدارة بايدن وتشجيع المسار الإبراهيمي

عن إدارة بايدن وتشجيع المسار الإبراهيمي

 

 

لعب إبراهيم الخليل عليه السلام دورا أساسيا في حياة أبناء الأديان التوحيدية، وبان جليا أنه كان شخصية قيادية لها أكثر من بعد، ذلك أنه بجانب كونه نبي الله، مثل في حياة شعبه دور القائد السياسي، وعليه فأنه يمكن القول إن الذين اختاروا اسم “الاتفاقيات الإبراهيمية”، يتمتعون ببعد النظر فيما يتعلق بآلاف السنين التي تقف وراء ما وصل إليه البعض في منطقة الشرق الأوسط في حاضرات أيامنا.

 

غير مفهوم السلام الإبراهيمي بصورة أو بأخرى من حالة العداء التي عرفتها المنطقة لعقود طوال، وفتح الباب أمام أحلام في منطقة تظلها رايات السلام، وتباعد بينها وبين مشاعر الخصام.

 

والشاهد أنه كما كانت الولايات المتحدة الأمريكية في نهاية سبعينيات القرن الماضي، المحرك الرئيس وراء اتفاقية السلام الأولى بين مصر وإسرائيل، تلك التي فتحت الطريق لعلاقات دبلوماسية بين بلدين احتربا طوال أربعين عاما، فإن أمريكا عينها اليوم لعبت ولا تزال دورا متقدما في دعم السلام الشرق أوسطي، وتعزيز نقاط المسار الإبراهيمي ليضحى واقعا معاشا.

 

دفعت إدارة الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب في طريق تقوية نهج المسار الإبراهيمي، غير أن خسارته للانتحابات الرئاسية، وما ثار من حولها من لغط، ربما أبطأت من ذلك المسار الذي تجاوز العام.

 

حين وصت إدارة الرئيس بايدن إلى الحكم، كانت هناك قضايا عدة تشغل تفكيرها وتحتل سلم أولوياتها، في المقدمة منها مجابهة فيروس كوفيد-19 المستجد، بكافة تطوراته وتحوراته، عطفا على مهمة استنهاض الاقتصاد الأمريكي من وهدته، إضافة إلى الشغل الشاغل المتمثل في مواجهة الصعود الصيني الصاروخي، ومحاولة مواجهة التمدد الروسي في شرق آسيا وما نحوها.

 

في هذا السياق بدا وكأن الاهتمام بالمسار الإبراهيمي، وما يعينه من المزيد من الاتفاقيات السلمية في منطقة الشرق الاوسط قد تراجع.

 

عزز هذا الشعور وجود جناح تقدمي في الحزب الديمقراطي، لا يكترث كثيرا لقضايا الشرق الأوسط وبنوع خاص لا يساند إسرائيل بالقدر الكافي، بل على العكس فإن هناك مخاوف من شأنه عند الإسرائيليين في ما يخص مستقبل العلاقات الأمريكية– الإسرائيلية.

 

غير أن تصريحات جديدة للمندوب الإسرائيلي الدائم في الأمم المتحدة، جلعاد إرادان، تؤشر إلى تغير في توجهات إدارة بايدن والتي بدأت -على حد تعبيره- تكثيف جهودها لتوسيع دائرة المشاركين في اتفاقيات التطبيع العربي الإسرائيلي.

 

يؤكد، إردان، أن البيت الأبيض يأخذ هذه القضية الآن بجدية أكبر مما كانت عليه الحال في الأشهر الاولى من رئاسة بايدن، على الرغم من الاستقطاب داخل الحزب الديمقراطي، ومع ذلك فلا تزال بعض الدول تواجه صعوبات في عملية التقارب المحتمل مع إسرائيل، ومن المحتمل أن يسير ذوبان الجليد في العلاقات معها في منحى غير علني.

 

في الذكرى السنوية الأولى لتوقيع “اتفاقيات إبراهيم” في أيلول سبتمبر، عقد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن اجتماعا عبر تطبيق “زوم” مع كبار المسؤولين في إسرائيل والإمارات والبحرين والمغرب، وقد كانت هذه الاتفاقيات وهي الأولى من نوعها بين إسرائيل ودول عربية منذ توقيع معاهدات السلام الإسرائيلية– المصرية عام 1979، والإسرائيلية– الأردنية عام 1994، بمثابة إنجاز يخلق من المنطقة كيانا يأمل في العيش في سلام وبعيدا عن الحروب والخصام، ولينبلج فجر جديد من التنمية المستدامة والمترابطة اقتصاديا.

 

كان من الواضح أن بلينكن يمثل توجهاً جديداً في داخل إدارة بايدن، توجهاً لا يكتفي بما تم إنجازه من تصالحات أو مصالحات إسرائيلية عربية، وإنما يسعى لأن يسود تيار السلام الإبراهيمي ليشمل دولا عربية وإسلامية أخرى.

 

يكتب ديفيد ماكوفسكي، من معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، مشيراً إلى تعبيرات بلينكن ومنها قوله في ذلك الاجتماع، إنه “هدف قيم وجدير بالسعي لتحقيقه”، ويقصد به بدون شك هدف السلام، ويرى أن إحدى السبل لتحقيق ذلك تتمثل في تعميق الروابط مع الدول التي طبعت أساسا مع إسرائيل والاستفادة منها لبناء شرق أوسط أكثر ترابطا وأكثر اندماجا من الناحية الاقتصادية.

 

ولعل المتابع لبعض تسريبات الإعلام الأمريكي، يدرك أن هناك محاولات جادة من الولايات المتحدة الأمريكية لتسريع مسار جديد من العلاقات الإسرائيلية مع السودان، تلك التي تعطلت بسبب التطورات التي أدت إلى عزل نظام البشير، ولهذا يأمل المسؤولون في إدارة بايدن في وضع اللمسات النهائية على العلاقات بين إسرائيل والسودان والتي كان قد تم الإعلان عنها العام الماضي.

 

يمكن القطع بأن المظلة الإبراهيمية ساهمت إيجابا في دفع عجلة التعاون بين دول المنطقة، وعلى أمل أن يكون ذلك شأنا مشجعا للإسرائيليين والفلسطينيين في إنهاء حالة الصراع، وبلورة رؤى عملية على العرض ضمن الثوابت المتفق عليها لإحقاق حقوق الشعب الفلسطيني.

 

هل المسار الإبراهيمي نافع وناجز وزاخم للتعايش؟

 

حكما أنه يفتح أبواباً ومسارات غير تقليدية تشي بالترحيب بالحياة عوضا عن اختيارات الموت والكراهية.

 

يعني ذلك أن السلام ممكن، بل مطلوب ومرغوب في ظل أسس واضحة وركائز قانونية دولية ثابتة.

 

بحسب ماكوفسكي، أثبتت المنطقة قدرتها على إدارة شكل من أشكال التعاون الذي يعزز السلام ويقلص الخصام، رغم التعقيدات السياسية، ففي العام 2019 أطلقت مصر وإسرائيل وقبرص والأردن والسلطة الفلسطينية وإيطاليا واليونان “منتدى غاز شرق المتوسط” لتنسيق الاستخدام الأفضل للغاز الطبيعي المتوفر بكثرة والمكتشف قبالة سواحل إسرائيل ومصر وقبرص.

 

كما أن سوق الطاقة الأكثر قوة وتنافسية قد جذب شركة “مبادلة للبترول”، في أبوظبي لاستثمار ما يقرب من مليار دولار في الحقول البرية الإسرائيلية.. ورغم أن “اتفاقيات إبراهيم” شجعت على هذه الخطوة إلا أنها اعتبرت جذابة تجاريا بفضل قيم سوق طاقة أكثر تكاملا في جميع أنحاء المنطقة.

 

هل اهتمام إدارة بايدن بمسارات السلام الإبراهيمي لا تخلو من نظرة براجماتية أمريكية تقليدية؟

 

ربما تعلم بايدن درسا من خلال عمله مع باراك أوباما كنائب له، إذ أثبتت سياسة القيادة من وراء الكواليس، أنها الطريق السريع لفقدان أمريكا نفوذها شرق أوسطيا، مع أخذ في عين الاعتبار وجود من دب روسي وتنين صيني، جاهزين لملء كل فراغات مربعات القوة التي تخليها واشنطن من نفوذها شرق أوسطيا.

 

هل سنرى المزيد من الدفع في هذا الاتجاه الإبراهيمي على مشارف عام جديد؟

 

ربما يكون ذلك كذلك قولا وفعلا.

 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية