«عسكرة المتوسط» تعود مع غرق مقاتلة بريطانية في مياه البحر

«عسكرة المتوسط» تعود مع غرق مقاتلة بريطانية في مياه البحر

تجددت فكرة الصراع العسكري والسيطرة على البحر الأبيض المتوسط من جديد مع سقوط طائرة تابعة للبحرية البريطانية من طراز (إف 35) عقب إقلاعها من حاملة الطائرات كوين إليزابيث، ونجاة قائدها قفزاً بالبراشوت، تاركاً الطائرة تغرق في أعماق المتوسط قبالة السواحل المصرية.

 

جاء سقوط أحدث طائرة شبحية أمريكية تمتلك بريطانيا 8 منها فقط، ليكشف مدى ورغبة القوى العظمى في السيطرة وامتلاك التكنولوجيا العسكرية المتطورة بين روسيا من جهة، وبريطانيا والولايات المتحدة وحلف الناتو من جهة أخرى.

 

وكانت روسيا تتابع حاملة الطائرات من بعيد لمراقبتها، وحالياً تبحث غواصات روسية وبريطانية وأمريكية عن حطام الطائرة الغارقة في مياه المتوسط.

 

بعد عقد كامل من الهدوء النسبي، وبطريقة ما، أصبح البحر الأبيض المتوسط “المسالم“، أحد أكثر البحار عسكرة في العالم، والقوى المحيطة به لحمايته لم تعد كما كانت، فحلف الناتو بات متعباً مصاباً بالجمود في ردود فعله في أغلب الأحيان والاتحاد الأوربي الهادئ يحاول الحفاظ على تماسك أكبر خمس أساطيل بحرية يملكها في البحر الأبيض المتوسط على مدار 70 عاماً.

 

وبالنظر للتاريخ فقد نجح حلف الناتو نجاحا كبيرا في الحفاظ على نظام جيد نسبيا في البحر الأبيض المتوسط، وبدونه فإن شبح البحر المتوسط البلقاني حديثا يثير احتمالية تجدد الصراع البحري والاضطرابات التجارية على نطاق لم نشهده منذ الحرب العالمية الثانية.

 

وسهل وجود حلف الناتو الشعور بالرضا العام لدى التحالفات الإقليمية من فكرة أن أي تهديد أو أزمة قد تلوح في منطقة المتوسط فإن وجود الناتو كفيل باستبعادها والقضاء عليها في مهدها بقدرته المسجلة فعليا في التفوق في مجال الأزمات البحرية وسجله الحافل بالتهدئة للأزمات الإقليمية.

 

ويمتلك الناتو أسطولاً كبيراً في البحر المتوسط، حيث يتألف من دول ضخمة في المجال البحري هي إسبانيا وفرنسا وإيطاليا وتركيا، وأحيانا من بريطانيا والولايات المتحدة ومساهمات ثانوية من سلوفينيا وكرواتيا والجبل الأسود وألبانيا.

 

ساعدت مظلة الأمن المشترك لحلف الناتو في الحفاظ على مياه المتوسط بدون اضطرابات تجارية كبرى أو أزمات على الرغم من أن الناتو يشترك في البحر الأبيض المتوسط مع كلٍ من البحرية الإسرائيلية والمصرية، وكلاهما لديه قدرات بحرية هائلة، أضف لكل ما سبق القوات البحرية المغربية التي تم تحديثها مؤخراً.

 

وتلوح في الأفق دول ذات ثقل عسكري بحري وهي الصين وروسيا، ولكن على الرغم من كل هذا لا تزال لقوات الناتو المقدرة على إبقاء المخاطر تحت السيطرة.

 

وعلى الرغم من ظهور مراكز شحن كبيرة على مستوى العالم لا يزال البحر المتوسط مركزاً للتجارة البحرية الغربية، حيث يمثل 15% من نشاط الشحن العالمي.

 

وبدون ضمان الناتو للنظام في البحر المتوسط فإن التجارة البحرية في المتوسط معرضة للخطر، والأمر يفتح الباب لروسيا والصين للدخول في ساحة جديدة كمستفيدين رئيسيين من ضعف وتآكل الناتو الحالي وشبح تراجع دوره.

 

وبحسب “فوربس” و”ميليترى واتش”، فإن التحديات في منطقة المتوسط متسارعة بالنسبة لقوى الناتو الحالية، فإسبانيا وبريطانيا تتطلعان بحذر لبعضهما البعض بشأن وضع جبل طارق.

 

وإذا اتجهنا إلى الشرق أكثر، فقد زادت حدة التوتر مع التنافس على الغاز في المتوسط ما بين اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر وتركيا والتكتلات التي نتجت عن هذا التنافس، خاصة مع زيادة التوتر حدة بين مصر وتركيا بسبب الأداء التركي في ليبيا.

 

وتقدم تركيا تحدياً لا يحظى بأي تقدير من الناتو المرهق بل وتغازل روسيا علناً من خلال التعاون الإقليمي في الأزمة السورية، وتنافس على الجزر وعلى المناطق الاقتصادية في بحر ايجة ومع كل هذا تشارك بنشاط في تدريبات الناتو.

 

وفي البحر ترسم تركيا مسارها الخاص وتستضيف وحدات الناتو وحلفاء آخرين للتدريب، أي أنها لا تترك مجالا لتوطيد قواها إلا وعززته.

 

وتعاني المنطقة بأكملها من عدم الاستقرار وأي خلخلة جديدة للقوى في المنطقة تغير النظرة البحرية للبحر المتوسط بين عشية وضحاها، والتوسع البحري الذي تسعى إليه دول بعينها هو أكبر مصدر إزعاج في المرحلة الحالية خاصة مع سعي روسيا والصين إلى أي وسيلة للدخول وتعزيز الوجود في المتوسط من خلال بناء قاعدة للعمليات للتحرك منها للعب دور الحكم الأمني في المنطقة.

 

ومن خلال نظرة بسيطة للأرقام، يظهر أن البحر الأبيض المتوسط معسكر مسلح في المجال تحت سطح البحر وحده، فاعتبارا من 2018 قامت ثماني دول متوسطية بإطلاق ما يقرب من ستين غواصه هجومية، بينما تملك الدول التابعة لحلف الناتو أكثر من نصف أسطول غواصات البحر الأبيض المتوسط.

 

ومن المقرر أن تنمو قوات البحر الأبيض تحت البحر من جميع الجوانب، فتركيا تعمل على تحديث أسطول الغواصات، وتسعى لإنتاجها محلياً، ومصر استقبلت مجموعة من الغواصات الجديدة التي تضيف إلى قدراتها في ذلك المجال، وتضيف الجزائر مجموعة من الغواصات الروسية وكذلك المغرب، والقائمة طويلة في المشاريع البحرية تحت البحر، بل لا حصر لها.

 

الوضع فوق البحر في عملية التسليح لا يقل عن تحته، وهي بأي حال ليست اتجاهات منطقة تتوقع مستقبلاً هادئاً بل هو حشد يليق بعدم استقرار وشيك بوتيرة تتفوق على بحر البلطيق، وكما هو واضح ينخرط البحر الأبيض المتوسط في سباق تسلح بحري كامل والأبواب مفتوحة للمحاولات الإقليمية للهيمنة البحرية لمن يتطلع لذلك.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية