التضخم.. وحش عالمي يتلاعب بالأسواق ويهدد أمان الشعوب

التضخم..  وحش  عالمي يتلاعب بالأسواق ويهدد أمان الشعوب

في الوقت الذي تسعى فيه كل دول العالم إلى استعادة أنشطتها الاقتصادية وإنعاش أسواقها التي عانت لعامين من الركود بسبب الإغلاق الذي فرضه وباء “كورونا”، عاد التضخم الاقتصادي مرة أخرى هو المحرك الرئيسي للأسواق، حيث وصل لمعدلات هي الأعلى منذ سنوات، الأمر الذي يقلق المستثمرين والمواطنين في مختلف أنحاء العالم مما يمكن أن يعنيه ذلك على “حياة المواطن” في المستقبل.

ويعد “التضخم” الواقع العالمي حالياً، والذي يتجلى بقوة في أوروبا مع بداية أزمة الغاز المترافقة مع الشتاء البارد، والعودة إلى الإغلاقات في عدد من البلدان، وأيضاً يطال بتبعاته الولايات المتحدة، مهدداً أكبر اقتصادٍ في العالم، هو الأعلى منذ سنوات.

ويتأثر المواطنون حول العالم بزيادة الأسعار في جميع القطاعات، ولو أنها أكثر حدة في مجال الطاقة والسكن والذهب والمواد الغذائية والسيارات والشاحنات المستعملة والجديدة.

أزمة طاقة

توقعت وكالة الطاقة الدولية في تقريرها الشهري، أكتوبر الماضي، أن تؤدي أزمة الطاقة العالمية إلى الزيادة في الطلب على النفط بمعدل نصف برميل يومياً، واعتبرت أن ذلك سيؤدي لزيادة التضخم وإبطاء التعافي العالمي بعد انتشار كورونا.

ويشير الارتفاع الحاصل في أسعار الغاز والفحم والنفط وما يستتبعه من انقطاع في التيار الكهربائي وتراجع الاعتماد على وسائل النقل، إلى انخفاض النشاط الصناعي وتباطؤ التعافي.

ويرى الخبراء انه مع ارتفاع الزيادة في أسعار الطاقة عالمياً، والفشل خلق مشاريع طاقة متجددة بالسرعة الكافية، سوف يتباطأ التعافي وتفشل الخطط المستقبلية للإنعاش، ما يسبب التضخم الحالي، وينذر في حال استمراره بتضخم أكبر.

الاحتكار

يعتبر بعض الخبراء، أن هناك سبباً أعمق للتضخم ويبدو أنه يزداد سوءاً كل يوم، وهو حصر الاقتصاد في أيدي عدد قليل نسبياً من الشركات العملاقة التي لديها القدرة على رفع الأسعار وخفضها، ما يعني أن هذه الشركات القليلة قادرة على التحكم بالسوق العالمي، وأنها ترفع الأسعار على الرغم من أنها تجني أرباحاً قياسية.

كورونا

قبل أن تطيح جائحة فيروس كورونا بالاقتصاد العالمي، كان من المتوقع أن تنمو العديد من اقتصادات العالم في 2020، ولكن بحلول منتصف شهر أبريل 2020، دخلت كافة بلدان العالم في حالة إغلاق بدرجات مختلفة، أثّرت هذه الإغلاقات تأثيراً كبيراً على منشآت الأعمال والوظائف، حيث اضطر العديد من العاملين في كافة القطاعات إلى ترك وظائفهم، وبالتالي فإن ارتفاع نسب البطالة وتراجع الإنتاجية والنمو، ما سبب تضخم مالي في تلك البلدان.

تطمينات

وعلى الجانب الآخر، يتساءل البعض “هل يشير ذلك إلى أننا يجب أن نتوقع استمرار التضخم في السنوات المقبلة؟”، ووفقاً لرأي العديد من الخبراء؛ فإن هذه التوقعات باستمرار التضخم غير منطقية لأسباب عدة: أهمها أن التضخم الأخير نتج عن الزيادة الكبيرة في الإنفاق على السلع؛ الأمر الذي زاد من الضغط على الأسعار، حيث لم يتمكن الموردون من مواكبة الطلب، أما الآن، فلدى الموردين حوافز قوية لحل المشكلات المتعلقة بسلاسل التوريد لعرض المزيد من المنتجات على رفوف المتاجر، حيث تنحسر هذه المشاكل مع السيطرة على الوباء على الصعيد العالمي.

بالإضافة إلى ذلك، فإن الزيادة في الإنفاق على السلع مؤقتة بلا شك؛ لأن الأسر- مع انحسار الوباء- ستعيد التوازن إلى الإنفاق وتوجهه بشكل أكبر نحو الخدمات، والذي كان منخفضاً بشكل غير عادي منذ بدء تفشي “كورونا”.

ومن جانبها أكدت رئيسة البنك المركزي الأوروبي كريستين لاجارد، أمس الجمعة، أن التضخم في منطقة اليورو سيتلاشى لذا لا ينبغي للبنك المركزي الأوروبي تشديد السياسة لأنه قد يخنق الانتعاش، متوقعة هدوء الاختلالات بين العرض والطلب في عام 2022، الأمر الذي من شأنه تخفيف ضغوط التضخم الحالية.

ووفقاً لموقع معهد “بروكينجز للدراسات” في واشنطن؛ فإنه، نظراً لأن العوامل التي أدت إلى التضخم الحالي مرتبطة بوباء كورونا، وبالتالي فهي مؤقتة، فإن الاتجاه الحالي لا يتنبأ بالمستقبل، مشيرا إلى أنه “من أجل فحص ما إذا كان الارتفاع في التضخم يشير إلى ارتفاعه في السنوات المقبلة أيضاً، ينبغي إلقاء نظرة على العوامل التي ساهمت في حدوث هذه المشكلة الاقتصادية، مثل زيادة طلب المستهلكين على بعض السلع منذ بداية الجائحة، والتي تسببت أيضاً في قلة المعروض”.

ويوضح “بروكينجز للدراسات” أن الطبيعة المؤقتة الواضحة لهذه العوامل، تشير إلى أنه لا ينبغي الخوف من تأثير التضخم الأخير على المستقبل، فمن المفترض أن تؤدي زيادة معدلات التطعيم وتقليل المخاطر والمخاوف الناتجة من الوباء إلى إعادة التوازن إلى أنماط الإنفاق؛ مما يؤدي إلى انخفاض الطلب على السلع وزيادة الطلب على الخدمات.

ويقول الخبراء، إن الحل الأكثر فاعلية للتصدي للتضخم المستقبلي هو الاستمرار في السيطرة على الوباء من خلال التطعيمات، مع توفير فرص عمل مقبولة للمواطنين، وزيادة معارض التوظيف وتسهيل الوصول بشكل أفضل إلى معلومات سوق العمل.

الولايات المتحدة الأمريكية

تشهد الولايات المتحدة الأميركية ارتفاعاً غير مسبوق في معدلات التضخم التي وصلت إلى 6.2%، لتكون بذلك الأعلى منذ أكثر من 30 عاماً، وهو ما يثير كثيراً من القلق لدى الأمريكيين.

وبحسب الخبراء، يعتبر هذا الارتفاع في التضخم أعلى معدل تضخم سنوي في أميركا منذ نوفمبر 1990، كما توقعوا أن مؤشرات التضخم ستكون في ارتفاعٍ مستمر، ولا توجد أي مؤشرات على انخفاضها، وهو ما يعني أن التضخم سوف يستمر ويتفاقم في المستقبل.

أوروبا

سجلت أوروبا معدلات تضخم هي الأعلى في 13 عاماً في أكتوبر 2021، ووفقاً للبيانات الأولية من مكتب الإحصاء الأوروبي يوروستات، هي أعلى مستوى منذ يوليو 2008، أي أعلى من التوقعات والتي كانت عند 3.7%، وتمثل أسعار الطاقة نحو 23% من بيانات التضخم وهي المساهم الأكبر إلى حد بعيد.

فمثلا أسعار الغاز الطبيعي في أوروبا سجلت ارتفاعات 500% في حين ارتفعت سلع بنسبة 15 إلى 30 % في بعض الدول، وهنا تشير توقعات مراقبي الأسواق إلى استمرار الأزمة وارتفاع نسب التضخم لمستويات قياسية قد تصل بالعالم إلى ما يسمي “الركود التضخمي” وهو الخطر الأكبر الذي يهدد الدول كافة، وفقا لما نقلته وكالة “بلومبرج” عن “دويتشه بنك”.

روسيا

حذرت رئيسة البنك المركزي الروسي، إلفيرا نابيؤلينا، في كلمة أمام النواب الروس أمس الجمعة، من ارتفاع معدلات التضخم، وقالت إن تضخم أسعار المواد الغذائية في روسيا ارتفع إلى خانة العشرات “رقمين”.

وحذرت من أنه إذا لم يتم خفض التضخم الآن، فإن الفئات الأكثر ضعفا من السكان ستعاني، قائلة: “كلما قل دخل الفرد ارتفعت حصة استهلاك المواد الغذائية، ويعني ذلك أن التضخم يضربه أولا”.

وعن التوقعات لمؤشر التضخم للعام القادم، قالت إنه يقترب من الهدف العام المقبل وهو ما بين 4% – 4.5%.

الصين

وفي الصين، ثاني أكبر اقتصاد في العالم، حذّر اقتصاديون من علامات الركود التضخمي، حيث تستمر الأسعار في الارتفاع بينما تظهر أحدث بيانات التصنيع تباطؤ الإنتاج.

ووفقا لما أوردته وكالة الأنباء الصينية “شينخوا”، أظهر مسح رسمي أن نشاط المصانع في الصين انكمش أكثر من المتوقع في أكتوبر الماضي، للشهر الثاني على التوالي.

وعلّق كبير الاقتصاديين في Pinpoint Asset Management، تشانغ تشيوي، قائلاً: “إن مؤشر الإنتاج قد انخفض إلى أدنى مستوى منذ نشره في 2005، باستثناء الأزمة المالية العالمية لعام 2008 وتفشي كوفيد-19 في فبراير من العام الماضي”، قائلاً: “هذه الإشارات تؤكد أن الاقتصاد الصيني يمر بالفعل بركود تضخمي”.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية