كيف استفادت البلدين؟ العمالة الفلسطينية في إسرائيل.. مصدر للدخل وآلة لمحاربة البطالة

كيف استفادت البلدين؟ العمالة الفلسطينية في إسرائيل.. مصدر للدخل وآلة لمحاربة البطالة
العمال الفلسطينيون في اسرائيل

فلسطين - أحمد حرب

10 أشهر مضت على عودة عمال قطاع غزة للعمل في إسرائيل بعد توقف دام سنوات طويلة، وذلك ضمن اتفاق وقف إطلاق النار المبرم بين حركة حماس الحاكمة للقطاع وإسرائيل، والذي يقضي بالسماح لنحو 30 ألف عامل من غزة للعمل في تل أبيب، 

وبدأت الحكومة الإسرائيلية في تنفيذ الإتفاق لكن بعجلة بطيئة وبشكل تدريجي من حيث زيادة أعداد العاملين الفلسطينيين، وسط إقبال كبيرة من العمالة الفلسطينية على العمل هناك.

وقرر وزير الدفاع الإسرائيلي بيني غانتس مؤخرا زيادة حصة تصاريح العمل والتجارة للفلسطينيين الذين يعيشون في قطاع غزة بمقدار 1500 (ما مجموعه 17000)، حيث يبدأ تنفيذ القرار اعتبارا من هذا الأسبوع.

حقوق عمالية كاملة

يقول إسحاق الخور، 30 عاما، عامل فلسطيني متزوج ولديه 4 أولاد، ويعمل في مجال إصلاح السيارات  “حصلت على التصريح وتوجهت فورا إلى إسرائيل، و الآن أعمل في ورشة لتصليح السيارات في تل أبيب”.

وتابع: “شعرت بالفرق الآن أعمل من 5 إلى 8 ساعات في اليوم وأتقاضى أجرا 250 شيكل يوميا ”ما يعادل 80 دولارا" وحصلت على حقوقي من خلال صاحب العمل الإسرائيلي كالتأمين الصحي والمعاشات.

ويرى العامل إسحاق ومعه كثيرون من العمال أن ذلك انعكس على حياتهم المعيشية، وأصبحوا قادرين على تلبية احتياجات عوائلهم الأساسية وغيرها من احتياجات الحياة الإنسانية. 

العامل قوة أساسية

وفي السياق، يقول العامل محمد النجار 45 عاما، لـ "جسور بوست" إنه مسؤول عن أسرة مكونة من 5 أبناء ويعمل في مجال الزراعة في مدينة المجدل القريبة من حدود قطاع غزة، مضيفا: “حصلت على تصريح عمل قبل 5 أشهر وحقوقنا العمالية واضحة بالنسبة لنا كعمال، مثل التأمين الصحي والاقتطاعات الشهرية وبدل الإجازات وغيرها من الحقوق"، منوها أن “المحظوظ من يحصل على تصريح عمل في الوقت الحالي ليعيل أسرته في ظل الظروف الاقتصادية الصعبة في القطاع المحاصر”.

ووفقاً للنجار، فإن الأيدي الفلسطينية العاملة داخل إسرائيل باتت تشكل قوة وركيزة أساسية في كافة المجالات الزراعية والبناء والخدمات وغيرها، مؤكدا أن أصحاب الأعمال الإسرائيليين يعتمدون على العامل الفلسطيني ومهارته في تأدية الأشغال وإتقانها بحرفية عالية. 

خطوة مهمة

وبدوره، قال رئيس مؤسسة بال ثنيك للدراسات الاستراتيجية، عمر شعبان لـ"جسور بوست"، إنه لا شك أن فتح المجال للعمال في قطاع غزة للعمل داخل إسرائيل هي خطوة مهمة وتمثل عاملا وسببا في التنشيط الاقتصادي الغزي، ومواجهة أزمة البطالة التي وصلت إلى مستويات غير مسبوقة.

وأشار إلى أن هذه التسهيلات الاقتصادية الإسرائيلية بدأت بعد الحرب على غزة عام 2021 من حيث خروج العمال الفلسطينيين لإسرائيل بداية بثمانية آلاف عامل إلى أن وصلت إلى 17 ألفا، معتبرا أن هذا الرقم قليل بمقارنة بعدد سكان القطاع، داعيا الجهات الفلسطينية الرسمية إلى زيادة هذا الرقم لأكثر من ذلك، من خلال الطلب من إسرائيل بفتح المجال أمام العمالة من غزة.

وفيما يتعلق بحقوق العمال العاملين داخل إسرائيل من غزة قال شعبان، في السابق كانوا يحصلون على تصريح عمل بصفة تاجر أو رجال أعمال وهو ما كان يفقدهم جملة من الحقوق كالتأمين الصحي والمدخرات والتأمين ضد الإصابات، موضحا أنه وبعد الضغط من المؤسسات الدولية والحقوق الفلسطينية تم تحويل التصريح من تاجر أو رجال أعمال إلى تصريح عامل بكامل الحقوق.

واعتبر أن هذه الحقوق لم يكن يحصل عليها العامل في غزة نتيجة لضعف القطاع الخاص، وتدهور النشاط الاقتصادي، وعدم قدرة أصحاب العمل على منح العامل رواتب مجزية، حيث يتراوح أجر العامل في غزة ما بين 5 إلى 10 دولارات يوميا، بينما يحصل في إسرائيل على 50 إلى 100 دولار باليوم الواحد، وبالتالي يشكل العمل في إسرائيل نافذة مهمة في الاستقرار الاقتصادي في غزة إذا تم التطلع إلى زيادة أعداد العاملين من 17.000 ألفا إلى 50.000 أو 60.000 عامل خلال الأشهر أو السنوات المقبلة.

ويرى الباحث والمختص بالشأن الاقتصادي عبدالله أبو الهنود، أنه يمكن النظر لمسألة العمالة الفلسطينية في إسرائيل من جانبين أساسيين، الأول أثر العمالة على مستوى معيشة الأفراد، والثاني أثرها على الانفكاك الاقتصادي وفلسفة الاقتصاد المقاوم التي ينتهجها أو يفترض أنه تعتنقها الفصائل والأحزاب والحكام في غزة.

مستوى المعيشة

وفي حديثه لـ"جسور بوست" قال أبو الهنود إن المؤشرات الاقتصادية في قطاع غزة في أسوأ مراحلها من حيث نسبة الفقر بين الأفراد، حيث تجاوز الفقر وفقا لأنماط الاستهلاك 53% من عدد السكان، فيما وصلت البطالة بين الشباب إلى 70% داخل القطاع.

وأشار إلى أن هناك أكثر من 100 ألف عامل في القطاع ينخفض دخلهم إلى ما دون الحد الأدنى للأجور، بالإضافة إلى ارتفاع عدد الأسر التي ينعدم لديها الأمن الغذائي، والتي انتقل معظمهم لمفهوم الهشاشة الغذائية، كما باتت يومية العامل بالضفة الغربية أكثر بأربعة أضعاف من نظيره في غزة.

وشدد أبو الهنود على أن كل هذه المعطيات تؤكد على أن مستوى معيشة الأفراد بغزة في أسوأ مراحلها، مشيرا إلى أن أي دخل إضافي أو أموال يتم ضخها في القطاع ستنعكس إيجابيا ولو جزئيا على الأفراد.

وتابع، بعملية حسابية بسيطة “متوسط دخل هؤلاء العمال هو 300 شيكل يوميا ما يعادل 100 دولار، وأيام العمل 25 يوما، وهو ما يعني أن القطاع سيضخ في أسواقه ما يقارب 112 مليونا و500 ألف شيكل شهريا وهذا سينعكس على زيادة بالمشتريات وارتفاع بالاستهلاك وزيادة بمنسوب التجارة بالقطاع، الأمر الذي سينعكس إيجابيا على زيادة بالواردات، وإن كان لذلك سلبية واضحة، أنه مع انهيار القطاعات الإنتاجية في القطاع لن تؤدي ضخ هذه الأموال إلى زيادة بالإنتاج، بل زيادة بالواردات وبالتالي زيادة في العجز بالميزان التجاري، خاصة في ظل غياب الخطة الوطنية الاقتصادية التنموية بالقطاع".

الاقتصاد المقاوم 

واعتبر أبو الهنود أن ارتفاع عدد العاملين في إسرائيل يؤدي إلى زيادة في مؤشرات التبعية للاقتصاد الإسرائيلي، وفشل فلسفة الانفكاك الاقتصادي الفلسطيني، وهو ما يعني ضعف المقاومة الاقتصادية الفلسطينية.

وأشار إلى أن العمالة الفلسطينية في إسرائيل، أصبحت أكبر مصدر للدخل في السوق المحلية، محققة 1.43 مليار شيكل شهريا، ومتفوقة على أجور القطاع العام الفلسطيني البالغة نحو 945 مليون شيكل شهريا.

وأوضح أبو الهنود لـ"جسور بوست"، أنه على مستوى قطاع غزة والضفة الغربية ارتفع عدد العاملين في إسرائيل من 78,000 عامل بنهاية عام 2010 ليصل إلى 182 ألف عامل 2022، بالإضافة إلى 31,000 عامل يعملون في المستوطنات الإسرائيلية، لتشكل نسبة العمالة الفلسطينية في إسرائيل والمستوطنات نحو 14.3% من إجمالي القوى العاملة البالغة 1.475 مليون فرد.

حقوق مكتسبة

وأشار أبو الهنود إلى أن أهم الحقوق التي حصل عليها العمال الفلسطينيون في إسرائيل، تتمثل في الدخل المرتفع مقارنة بالسوق المحلي والذي يضمن للعامل حياة إنسانية مقبولة، وعدم تعرض العامل للابتزاز، من خلال تحويل أجور العمال عبر البنوك الفلسطينية وهو ما يتيح للعامل الفلسطيني الاستفادة من التسهيلات الائتمانية عبر البنوك بضمان الأجور المحولة، كما تضمن للعامل حقه بالتأمين الصحي وغيرها من حقوق مكتسبة تحافظ على آدميته.

وتقدم ما يقارب 130 ألف عامل بطلبات للحصول على تصاريح للعمل داخل إسرائيل رغم أن المتفق عليه هو 30 ألفا فقط، ويأمل هؤلاء في أن تتحسن أحوالهم سواء من تمكنوا من الوصول إلى إسرائيل أو من ظلوا دون تصاريح في ظل تفاقم المعاناة الاقتصادية في قطاع غزة.

وحسب بيانات الجهاز المركزي للإحصاء الفلسطيني (حكومي)، فإن إجمالي عدد العاملين في القطاعات الحكومية والخاصة والشركات والأونروا يقدر بنحو 278 ألف عامل في غزة، فيما يقدر عدد العاطلين عن العمل بنحو 270 ألف عامل.

العمل بإسرائيل فرصة 

وقال وكيل وزارة العمل في قطاع غزة، إيهاب الغصين، إن “ارتفاع الإقبال على العمل في إسرائيل يرجع إلى الحصار الإسرائيلي المستمر منذ نحو 15 عاما، والذي أدى إلى ارتفاع معدلات البطالة لمستويات غير مسبوقة، وتوقف العديد من المنشآت الصناعية والتجارية على مدار تلك السنوات”.

وأكد الغصين لـ"جسور بوست" أنه منذ أن تولت وزارة العمل في غزة ملف العمال في إسرائيل كان عدد المسجلين والذين لهم تصاريح عمل 11 ألفا واليوم وصل إلى أكثر 13,500 يوجد منهم 8 آلاف تحت بند عامل، والباقي تحت بند احتياجات اقتصادية، مؤكدا أنه ستكون هناك زيادة في أعداد العمال في الأشهر المقبلة، خاصة وأن عدد المسجلين والمتقدمين للعمل في إسرائيل من خلال وزارة العمل وصل إلى أكثر من مئة ألف عامل.

وبدوره، أشار رئيس الاتحاد العام لنقابات العمال في قطاع غزة، سامي العمصي، إلى أن هناك ارتفاعا وتزايدا في نسب تسجيل عمال غزة للعمل في إسرائيل، منوها بأن أكثر من 80% من عمال غزة تحت خط الفقر.

وأوضح العمصي أن أعداد عمال غزة في إسرائيل لا تزال حاليا دون المأمول، مقارنة بأعداد المسجلين والمتقدمين والذين صدرت لهم تصاريح، منوها بأن هناك معيقات وضعت أمام العمال، مطالبا بأن تكون آلية الحصول على التصريح العمل أسهل وأفضل من الموجود حاليا.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية