العيش طويلاً أم العيش سعيداً.. أسطورة الخلود

العيش طويلاً أم العيش سعيداً.. أسطورة الخلود

 كيف للبشرية أن تقاوم الموت والشيخوخة، وأن تهرب من تبعات الفيروسات وملاحقات الأمراض؟

 

الثابت أن لكل مجتمع تقريباً قصصه الأسطورية حول الخلود، ويمتلك الهندوس والرومان والصينيون أساطيرهم حول نبع الشباب، والتي غيرت بمناسبات عديدة منحى التاريخ الحديث، وتقدم الأسطورة اليونانية أسوأ تحذير لأولئك الذين يودون تجاوز النظام الطبيعي، فلقد وقعت إيوس إلهة الفجر الجميلة في غرام شخص يدعى تيثونس وتزوجت به، ولكن بينما ظلت إلهة شابة دوماً بدأ تيثونس يشيخ، ولذا توسلت إيوس إلى كبير الآلهة زيوس ليجعل حبيبها خالدا كالآلهة، ولقد نفذ لها زيوس رغبتها، لكن إيوس ارتكبت خطأً مميتاً، لقد نسيت أن تطلب الشباب الخالد لتيثونس، وفي النهاية أصبح تيثونس مقعداً مهتزاً يتحدث إلى نفسه بلا انقطاع، وقد أثار هذا غضب الآلهة عليه فحولوه إلى جندب (حشرة طائرة).

 

تبدو المعضلة التي تواجه الإنسانية متمثلة في التناقض بين العيش طويلاً أو إلى الأبد، والعيش شاباً سعيداً بقوة وصحة، وهي معادلة تبدو مضادة لنواميس الطبيعة، غير أن رغبة الخلود تبدو كامنة في قرارة النفس البشرية، وهذا ما يجعل سباق الأطباء والعلماء ماضياً قدماً من أجل إطالة عمر الإنسان، وأن بقي السؤال: كيف؟

 

يطرح البعض تساؤلاً مثيراً: “هل يصدأ الإنسان كما يصدأ الحديد او أي أنواع أخرى من المعادن؟

 

الشاهد أنه عندما يشتكي الناس في سن متوسطة من خشونة المفاصل وآلام العضلات ويدعون أنهم “أصبحوا صدئين”، فإنهم أقرب إلى قول الحقيقة مما يدركون. إن أحد أعظم الأفكار المثمرة حول الشيخوخة هي نظرية الأكسدة والتي تقول إن الشيخوخة تدفع بالعملية ذاتها التي تجعل الحديد يصدأ، والفضة تفقد بريقها، والنيران تتوهج، والأكسدة عملية متصاعدة وآكالة تنجم عن إطلاق القوة الكيميائية المحبوسة ضمن الأكسجين الذي نتنفسه من الجو، وعليه فإن الأكسدة هي إحدى الطرق المهمة التي يتجسد فيها القانون الثاني في أجسامنا.

 

يجمع العلماء على أن أعظم طريقة غير مؤلمة وثابتة طبياً لزيادة متوسط أعمارنا ومنع الدول من الإفلاس جراء النفقات الطبية المتزايدة، هي العيش بطريقة صحيحة، أي الامتناع عن التدخين وإجراء التمارين بانتظام وأكل وجبات قليلة الدهن والكوليسترول وغنية بالألياف.

 

ومع ذلك فإن البحث الطبي يغير رأيه تدريجياً حول أحد أكثر الحقول بشاعة للبحث في الشيخوخة، وهو المعالجة الهرمونية، بعد أن ثبت أنها ليست مصدر الشباب الدائم كما كان يظن البعض.

 

عبر أي طريق إذاً تمضي الإنسانية في رحلتها للبحث عن الحياة والخلود في حاضرات أيامنا؟

 

يبدو أن البحث العلمي يدور الآن عبر الجينات الخاصة بالسن، الأمر الذي يؤخر الأثر الضار في المستوى الجزيئي للشيخوخة، وبافتراض أن مثل هذه الجينات موجودة ويمكن عزلها، فربما كان من الممكن وقف عملية التقدم في السن، وإطالة العمر الافتراضي بواسطة المعالجة الجينية.

 

وربما كانت أسهل طريقة لتقرير ما إذا كان طول العمر في البشر جينياً هي معرفة ما إذا كان طول العمر وراثياً، لا سيما أن هناك أمراضاً وراثية غريبة مثل الشيخوخة المبكرة، ومتلازمة فيرنر والتي يبدو أنها تسرع من أمراض الشيخوخة إلى حد كبير.

 

إلى الآن لم يقترب أحد من عزل جينات السن عند البشر، هذا إذا كانت موجودة أصلاً، ولكن مايكل ويست وهو عالم بيولوجيا جزيئية في مركز ماساشوستس الطبي التابع لجامعة تكساس في دالاس يدعي أنه قام بخطوة أولى مبشرة لفصل “جينات الموت”، في خلايا الإنسان والتي تتحكم في عملية الشيخوخة في خلايا الجلد والرئتين وأوعية الدم.

 

ولعل الأدلة المتراكمة لمصلحة جينات السن التي تؤثر في عملية الشيخوخة ليست حاسمة بأي حال، ولكنها مؤثرة جدا، لأنها تأتي من عدد مختلف من البحوث المستقلة، من الشيخوخة في الديدان وذباب الفاكهة إلى مضادات الأكسدة وآليات إصلاح الجينات و”التحولات أجينية البشرية”، ومع ذلك لا تزال العلاقة بينهما علاقة عرضية.

 

في هذا الإطار يعتقد كريستوفر ويلز أستاذ البيولوجيا في جامعة كاليفورنيا في سان دييجو أن العلم قد يتمكن بحلول عام 2025 من أن يعزل جينات السن لدى الثدييات في الفئران، فنحن نشترك بـ75% من جيناتنا مع الفئران التي لها تقريباً كيمياء الجسم ذاتها، وهذا سبب قوي للاعتقاد بأن جين السن في الفئران يمكن أن يعمل داخل البشر أيضاً، وإذا تم تحديد مثل هذه الجينات، فإن الخطوة التالية هي إيجاد ما يقابل جينات السن هذه لدى البشر، ويعتقد ويلز أنها إذا وجدت لدى البشر، فإنها قد تمد فترة حياة الإنسان إلى 150 عاماً.

 

في العقود الأخيرة ظهرت نظريات تربط السعرات الحرارية بمتوسط عمر الإنسان، وبمعنى أكثر بساطة أنه كلما قلل الإنسان من مأكله ومشربه، زادت فرص عيشه أطول فترة زمنية ممكنة.

 

غير أنه لم يستطع أي بحث علمي أن يقطع بالصحة المطلقة لهذه النظرية، الأمر الذي يجعل دوائر العملية البحثية العلمية تعود مرة أخرى من حيث بدأت.

 

ولعله من قبيل الفرضيات العلمية البحتة القول إنه حتى لو كانت هناك جينات للسن، وباستطاعتنا أن نغير فيها، فهل سنعاني من لعنة تيثونس، الذي قدِّر عليه أن يعيش للأبد، ولكن في جسم كسيح؟

 

ليس من الواضح أن تغيير جينات السن لدينا سيعيد تجديد أجسادنا، فما نفع العيش إلى الأبد إذا فقدنا العقل والجسم اللازمين للاستمتاع بهذه الحياة.

 

هل سيكون الحل القريب والأكثر معقولية هو الحصول على أعضاء بشرية جديدة؟

 

لقد واجهت عمليات نقل الأعضاء في البشر في الماضي قائمة طويلة من المشكلات، كان أقصاها الرفض من قبل جهاز المناعة، ولكن يمكن للعلماء اليوم باستخدام الهندسة البيولوجية تربية سلالات من نوع نادر من الخلايا تُدعى خلايا مانحة عامة تؤثر في جهازنا المناعي وتدفعه لمهاجمتها.

 

هنا فإن جمهور العلماء يقطعون بأنه في العقود الثلاثة التالية أي من 2020 إلى 2050 يتوقع الحصول على أعضاء وأجزاء أكثر تعقيداً من الجسم، تحوي أشكالا متنوعة من خلايا الأنسجة التي يمكن نسخها في المختبر، وتشمل هذه على سبيل المثال الأيدي والقلوب والأعضاء الداخلية المعقدة الأخرى، وربما كان من الممكن بعد عام 2050 استبدال كل عضو في الجسم ما عدا المخ.

 

وبالطبع فإن مد فترة حياتنا هو واحد فقط من عدد من الأحلام القديمة، ومع ذلك فهناك حلم أكثر طموحاً، يتعلق بتصنيع كائنات جديدة لم تمشِ من قبل على سطح الأرض، وفي هذا المجال يقترب العلماء بسرعة من القدرة على إنتاج أشكال جديدة من الحياة.

 

 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية