المنطقة العربية بين الجغرافيا والديمغرافيا ..إلى أين؟

المنطقة العربية بين الجغرافيا  والديمغرافيا ..إلى أين؟

خاص – جسور بوست

هل يمكن اعتبار مصطلح الشرق الأوسط مصطلحا مجردا قائما بذاته أم أنه مفهوم سياسي وتاريخي وجغرافي أوسع بكثير مما يبدو للعيان؟

أغلب الظن أن فكرة الشرق الأوسط، تعني أبعد بكثير من مجرد سياقات جغرافية، لا سيما وأنه يمتد بين منطقة غرب آسيا، ومنطقة شمال أفريقيا، ومنطقة جزر القمر، وشبه الجزيرة العربية، ودول المغرب العربي وإسرائيل وإيران وأفغانستان وتركيا وقبرص.

هنا نحن نتحدث عن أكثر من 20 دولة، جميعها تبدو على مشارف العقد الثالث من القرن الحادي والعشرين في حالة تصارع وتشارع، فراق لا اتفاق، مجابهة ومواجهة، الأمر الذي يجعل المرء يتساءل: “هل الغنى والتنوع في هذه المنطقة على مختلف أشكاله، من الحجر إلى البشر، كان نعمة أم نقمة على  أصحابها؟”.

الشاهد أنه لا يمكن للمرء أن يقرا التاريخ بدون خارطة الجغرافيا، كما كان يقول الرئيس الفرنسي الأشهر “شارل ديجول “، وعليه فان الموقع الجغرافي يحدد توجهات ومرتكزات الحديث، ويبين لنا أبعاد الخطوط المتقابلة والخيوط المتشابكة.

تقع منطقة الشرق الأوسط في ملتقى القارات الثلاث، أفريقيا  وآسيا وأوروبا، فهي توجد في النصف الشرقي من مركز الكرة الأرضية، كما أن الاختلاف بين المسافة في الطرق الثلاثة  التي تصل بين دول أوروبا الشمالية وشمال الشرق الأوسط  وتصل بين دول أوروبا الغربية والشمال الغربي للشرق الأوسط ضئيلة جدا.

ولعل المياه بدورها تلعب دورا قائما بذاته في طبيعة تكوين الشرق الأوسط، فالمياه الإقليمية الواسعة للشرق الأوسط تمتد لتشكل أشهر البحار كالبحر الأسود وبحر العرب وبحر قزوين والبحر الأحمر والبحر الأبيض المتوسط، كما أن هذه البحار تتصل بالمحيط الهادي والهندي.

ما الذي تعنيه السطور السابقة ؟

باختصار غير مخل يعني أن الشرق الأوسط هو مركز العالم جغرافيا، وكذلك همزة الوصل بين قارات العالم القديم، ومسلكه ودربه إلى العالم الجديد.

ولعل أول من تنبه لهذه الحقيقة كان الإمبراطور الفرنسي الأشهر “نابليون بونابرت”، ومن هنا كان التفكير في احتلال مصر زمن الحملة الفرنسية، وقطع الطريق على  إنجلترا في طريقها إلى مستعمراتها في الهند.

أما الرئيس الأمريكي آيزنهاور، فقد نظر إلى المنطقة بنفس العين التي تقدر الأهمية الاستراتيجية  للموقع  والموضع، اللذان تسببا في واقع الحال في أطماع كافة الممالك والإمبراطوريات في أراضيها، ومن هنا رأينا  تناوب احتلال المنطقة من الإنجليز إلى الفرنسيين وصولا إلى الأمريكيين بعد الحرب العالمية الثانية، وإن كان الآخيرين قد جاءوا بالقوة الناعمة وليس عبر النموذج الخشن الذي ألفته الدول الكبرى في النصف الأول من القرن العشرين.

هل أطماع الأمس في الشرق الأوسط هي نفسها التي تتسبب في ألمه واضطرابه في حاضرات أيامنا؟

يمكن القطع بأن هذا الموقع الجغرافي للشرق الأوسط الغني بالهبات الطبيعية  جعل من هذه المنطقة مركزا للمواصلات  البرية والبحرية والجوية، وجعل منها أيضا جسرا للتبادل الاقتصادي والثقافي بين الشرق والغرب لا سيما بفضل غنى الهبات الطبيعية.

يعن لنا أن نتساءل هل كانت الديموغرافيا أيضا سببا في ثراء الشرق الاوسط؟

حديث الديموغرافيا هو حديث البشر وليس الحجر فحسب، والشرق الأوسط كما يشير الكثيرون تتركز فيه كل عناصر النجاح الإيماني والإنساني، وتاريخه حافل وسط الحضارات البشرية، بل ربما هو من كتب صفحات حضارة الانسان الأولى.

عند الحديث عن حضارات العالم القديم، نجد أن هناك نصف روائع حضارات العالم القديم موجودة بالشرق الاوسط، فهناك نهر النيل حيث نشات الحضارة المصرية القديمة، وهناك دجلة والفرات حيث الحضارة السومرية العتيقة، وهناك قصص الإنسان الاول.

كان الشرق الاوسط مهبط الوحي للأديان الإبراهيمية الثلاث، اليهودية والمسيحية والإسلام، ومن تلك الرقعة الجغرافية انتشرت أنوار الإيمان، وبدأ الوحي الذي شكل الحوار الأول الخلاق بين السماء والأرض، ووجد الأنبياء، وآمن الناس بالرسائل السماوية، وقد كان لذلك أن يدفع الجميع في طريق الإيمان بوحدة التوجه الإنساني.

شهد الشرق الاوسط مولد ثلاث إمبراطوريات سادت فترات طويلة من الزمن، وامتدت إلى القارات الثلاث في آسيا  وأفريقيا وأوروبا، كالإمبراطورية الفارسية (558 ق.م – 330ق.م)، الدولة الإسلامية في أوجها، والإمبراطورية العثمانية بكل إرثها.

كانت اللغة العربية هي لغة الثقافة السائدة في الشرق الأوسط منذ العصور الوسطى، ولا ينكر أحد أنها كانت اللغة التي أنارت ظلاما كثيرا خيم على  بقاع كثيرة حول العالم، لا سيما في أوروبا القارة الأقرب جغرافيا لمنطقة الشرق الأوسط، والأكثر احتكاكا بسكانه، سلما وحربا،  صيفا وشتاء، مدا  وجزرا.

يعن للقارئ أن يتساءل: “وما الذي جرى لتلك الرقعة الحيوية والاستراتيجية من جغرافية العالم؟”

ليس من شك أن الوضع مؤلم، ووقت كتابة هذه السطور كانت وزارة الخارجية الفرنسية تصدر بيانا، تقول فيه إن الشرق الأوسط أصبح منطقة توترات مرتفعة، وأن التصادم في الزحام، أو الاحتكاك في الظلام وارد وبقوة، فقد كانت أساطيل قوى شرق أوسطية عديدة تباشر مناورات عسكرية في حوض البحر الأبيض المتوسط، والذي تحول إلى  منطقة حرب محتملة.

ما هو أصل المشكلة، هل البحث عن الثروات الطبيعية، أم الثارات التاريخية، هي السبب في أزمات الشرق الاوسط؟

الشاهد أنها عديدة جدا وتتوزع بين هذه وتلك، غير أن المؤكد هو أن الصراع الأممي القديم حول الشرق الاوسط، يتبدى اليوم ومن جديد، وإن في صورة مغايرة عن تلك التي عرفها العالم في القرون السابقة.

كان الشرق الأوسط مستقرا ومستمرا طوال العقود الممتدة من بعد الحرب العالمية الثانية، وصولا إلى العقد الأول من الألفية الجديدة، غير أنه ومع زمن “الاضطراب” وليس “الربيع العربي”، انقبلت الموازين، فعوضا  عن الثبات النسبي، باتت المنطقة أرضا لمعارك قائمة وقادمة، وتحول ثراء الجغرافيا  من نعمة إلى نقمة، فيما  التجانس الديموغرافي استرجع من باطن التاريخ عداوات كنا نظن أنها ماتت، لكن ليس كل ما يفوت يموت إن صح القول.

جزء آخر من أزمات تلك المنطقة مرهون ولا شك بفكرة بقاء الولايات المتحدة الأمريكية في الشرق الأوسط، أو انسحابها  منه،  فهي لا تزال الوازن الأكبر في المعادلات الجيوسياسية الأممية، وإذا كان حضورها مقلق، فان انسحابها أيضا مزعج.

ما الذي يتبقى قوله قبل الانصراف؟

ربما على جميع سكان الشرق الأوسط، من كل الأمم والشعوب والقبائل، ومن كافة الأجناس والأعراق، إعادة قراءة صفحات التاريخ، ذلك أن الحروب كانت طريقا من أجل بلوغ السلام،  فهل يترفع صوت العقلاء بتجنب الحرب وإعلاء راية السلم؟


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية