الشرق الأوسط وصراعاته (1) .. بين السلام والخصام

الشرق الأوسط وصراعاته (1) .. بين السلام والخصام

خاص – جسور بوست

تستدعي تداعيات الأحداث في المنطقة العربية في الفترة الاخيرة التساؤل العميق عما ينتظر المنطقة، سلما أو حربا، كرها أو طوعا، سلاما أو خصاما، بعد عقود طوال من حالة من التكلس والتحجر، بل وما يمكن أن نسميه الجمود الارثوذكسي السياسي غير المقدس.

جاء التقارب العربي – الإسرائيلي منذ كامب ديفيد وحتى الساعة، بحثا عن مسارات ومساقات جديدة، خارج نطاق المألوف والمعروف من المعارك والموت والدمار، وبحثا عن حلول ناجعة من خارج الإطار التقليدي، ذاك الذي يحصر الرؤى في لونين لا ثالث لهما هما الأسود والأبيض فقط لا غير.

ولعله من المؤكد أن هناك تجارب أممية سابقة ينبغي النظر إليها، والعالم العربي يخطو خطواته نحو عالم جديد، يحب البعض أن يُطلق عليه الشرق الأوسط الجديد،  تجارب لا سيما القريب منها، وبدون الغوص في التاريخ الإنساني القديم، وإن كان كلاهما  لا ينفصلان في واقع الأمر.

السؤال الرئيس المطروح الآن على الالسنة:” هل الكراهية والبغض، العدوات والخصام، قدر مقدور في زمن منظور، مرتبط بالشرق الأوسط وبالعالم العربي بنوع خاص ؟

يذهب بعض الصوفيين إلى القول إنه ما من قدر مقدور في زمن منظور، وإن إرادة المرء إذا خلصت النوايا، يمكنها أن تقود العالم إلى مصائر مغايرة، وربما هذا ما عرفته أمم وشعوب سابقة منذ مئات وربما آلاف السنين.

يقول الحكيم الصيني “كونفوشيوس”: “إن كسب معركة واحدة  بالسلم، أفضل من كسب ألف معركة بالحرب”.

ولعل الإغريق قد خبروا مدى  صدق هذه الرواية من خلال الحروب التي طالت بين إسبرطة وأثينا، والتي تعرف باسم “فخ ثيوسيديدس”، غير أن الكل هناك وفي نهاية أزمنة الحروب،  كانوا يجدون السلم أفضل وأنفع وارفع لهم من سفك الدماء.

ومن هنا انطلقت المعاهدات لتعقد وتدوم، ورغم أن الحياة لم تكن أبدا صفاءا زلالا، أو سخاء رخاء، إلا أن عقود من السلام حلت على  العالم القديم، بعد أن تأكد الجميع أن الحرب ليست هي الطريق المحبوب او المرغوب المؤدي إلى التعاون والتعايش والحياة المشتركة الآمنة المستقرة، والنماء المستمر.

عُرف الشرق الاوسط بدوره، وفي القلب منه العالم العربي في الفترة من القرن الحادي عشر وحتى القرن الثالث عشر حروبا وغزوات، كانت مريرة إلى أقصى حد ومد، ونعني بها الحروب التي أطلق عليها العرب حروب الفرنجة، وأسماها البعض من الأوربيين الحروب الصليبية.

كانت تلك الفترة تاريخيا حقبة من اسوأ حقب التاريخ عبر الألف سنة الماضية، ولا تزال ومن أسف شديد تمثل نبعا  للكراهية، وجبا للمرارات الماضية، ينهل البعض منه متى شاء لهم أن يفعلوا.

عبر مائتي عام من التناحر والتشارع بين العرب والفرنجه، سالت دماء كثيرة، وأحرقت مدن، وتشرد مئات الآلاف، وفي نهاية المشهد اقتنع الجميع  بأن الحرب لن تكون الحل، وأنه من طبيعتها الكر والفر، انتصار هنا، وهزيمة هناك، انتكاسة هنا ومكسب هناك.

ولهذا  وقر في ذهن الجميع  انه ما من حل الا عقد المعاهدات السلمية والوصول الى صيغة تسمح للكل بالعيش الواحد ، وذلك من خلال آليات يمكنها ان تحل الاشكاليات المعقدة  التي عرفتها تلك الفترة الزمنية .

بعد حوالي أربعة قرون اخرى  أي بحدود القرن السادس عشر، كانت الشعوب الأوربية تعيش حربا طاحنة ضروس بينها وبين بعضها البعض.

في ذلك الوقت  كانت الممالك الكبرى  هي المهيمنة  والمسيطرة، لا سيما من قبل الإنجليز والفرنسيين والألمان، والتي عطفا على العداوات والمكايدات السياسية التقليدية، كانت غارقة حتى أذنيها في الصراعات الدوجمائية العقدية.

ضربت  الخلافات العقائدية أوروبا ين الكاثوليك والبروتستنانت، وعرفت أوروبا، كما ستعرف بعض دول عالمنا العربي الحزين لاحقا، أفكار القتل على الهوية،  أي الموت جراء معتقداتك الايمانية والدينية، وقد دامت  المعارك الطاحنة نحو ثلاثة عقود واكثر، غير أنه في النهاية كان المسار مغايرا..فما الذي جرى؟

خا ما سنجيب عنه في الجزء المقبل..


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية