قمة اسكتلندا ..هل تنقذ الكرة الارضية من الانفجار ؟

قمة اسكتلندا  ..هل تنقذ الكرة الارضية  من الانفجار ؟

خاص – جسور بوست

على عتبات قمة غلاسكو ، يعن للمرء التساؤل من هو المسؤول الأول عن ظاهرة الاحتباس الحراري وارتفاع درجة حرارة الكرة الأرضية على النحو الذي نراه ؟

يبدو الجواب واضحا من خلال دراسة علمية قيمة وموثوقة نشرتها  مؤخرا  دورية :” فرونتيرز إن ساستينابل سيتيز “، والتي اشارت  إلى  أن 25 مدينة  من كبريات المدن العالمية، هي المسؤولة عن 52% من إجمالي إنبعاثات غازات الدفيئة  في المناطق الحضرية.

الدراسة تقودنا إلى  مقاربات مثيرة للانتباه وهي أن المدن  في أوروبا  وأستراليا والولايات المتحدة  سجلت نسبة انبعاثات للفرد أعلى بكثير من نظيرتها  في مدن  المناطق النامية، وأن قطاعي  الطاقة الساكنة  والنقل يعدان أكبر مصدرين رئيسيين لانبعاثات غازات الدفيئة.

الدراسة المتقدمة  تقودنا إلى  جزئية إستخدام الفحم في الصناعات المختلفة ، والفحم أو الكربون، ليس حكرا  على  الصين فقط، وإن كانت في واقع الحال تعد أكثر دول العالم إستخداما له، فالأمر ينسحب كذلك على الولايات المتحدة الأمريكية ،  وهناك لوبي ضخم للفحم، كان يتزعمه ذات مرة رئيس الأغلبية الجمهورية في مجلس الشيوخ الأمريكي، ميتش ماكونيل، ومرد ذلك هو التبرعات الهائلة  التي تقدمها تلك الشركات إلى  السياسيين، ما يدعم حملاتهم الانتخابية.

أما بالنسبة للصين والهند وغيرهما من مدن الفحم ، فيمكن القول أن جميعها تضع  علامات استفهام في طريق التزامهم بتخفيض إستخدام الكربون، الأمر الذي يؤثر على  مستويات الحياة لديهم ، في الوقت  الذي تنطلق فيه الدول الكبرى في مساراتها  ومساقاتها  من جديد مرة ثانية.

هل الدول الأوربية والولايات المتحدة الأمريكية  بريئة كل البراءة من الاتهامات الموجهة إلى  الصين ، بشأن دورها المعروف في تلويث المناخ العالمي من جهة ، وزيادة  درجات حرارة الأرض من ناحية أخرى ؟

بالقطع هي ليست كذلك، ذلك أن الكثير منها  تعمد إلى  نقل الكثير من خطوط إنتاجها، وما  يعرف بالسلاسل الإنتاج ، وذلك بهدف الاستفادة  من التكاليف المنخفضة، وأسعار اليد العاملة الأقل كثيرا عن نظيرتها في الدول الرأسمالية، ما يعني مباشرة  زيادة مستويات  الانبعاثات المرتبطة  بالنسبة للصين.

هل تقسيم العالم مناطقيا يمكن أن يفيد في معالجة ظاهرة الإحتباس الحراري؟

مؤكد ذلك كذلك ، فالتقسيم على  هذا  الأساس  يعطي فكرة عن المدن التي يجب أن تحظى  بالأولوية لتقليل الانبعاثات  الناتجة عن المباني والنقل والعمليات الصناعية وغيرها  من  المصادر .

ولعله من المخيف أيضا معرفة أن المدن الكبرى  وحتى التي لا تشمل أنشطتها  إنبعاثات أحفورية ، تساهم بصورة ما في زيادة  معدلات الاحتباس الحراري، فاستخدامات الكهرباء في المباني السكنية والمؤسسية  والمنشآت التجارية  والصناعية، تسهم بما يتراوح بين 60و 80% من إجمالي انبعاثات غازات الدفيئة  في مدن  أمريكا الشمالية وأوروبا.

ولعل ملمح أخر من ملامح الهاوية  المناخية ، يتمثل في العلاقة المتبادلة  بين ارتفاع درجة حرارة الكرة  الأرضية  من ناحية ، وما يجري في الاقطاب الجليدية  الجنوبية والشمالية من جهة ثانية .

في التقرير الصادر العام الماضي عن المنظمة العالمية للأرصاد الجوية، نقرأ  كيف أنه منذ منتصف الثمانينات من القرن الماضي ، ارتفعت  درجات حرارة سطح الهواء في القطب الشمالي  بمعدل ضعف السرعة  على الأقل مقارنة  بالمتوسط العالمي، مع تداعيات كبيرة محتملة، ليس فقط على النظم البيئية في القطب  الشمالي، ولكن أيضا على المناخ العالمي، مثل ذوبان الجليد الدائم، وإطلاق غاز الميثان، وهو أحد غازات الدفيئة  القوية  في الغلاف الجوي.

بالإضافة إلى ذلك، لوحظ إنخفاض مستوى  الجليد البحري في القطب الشمالي بشكل قياسي في شهري يوليو وأكتوبر 2020، بينما  فقد الغطاء الجليدي في غرينلاند حوالي 152 غيغا طن من الجليد بين سبتمبر وأغسطس 2020.

ما الذي تعنيه تلك البيانات؟

من غير تطويل ممل، سترتفع  نسبة المياه في البحار والمحيطات حول الكرة الأرضية، الأمر الذي سيتسبب في اتساع ظاهرة النحر، بمعنى أن المياه تزحف على اليابس، ويتوقع العلماء في هذا  الشأن إختفاء الكثير من المدن الساحلية  في قارات الأرض الست.

ومع  زيادة  إرتفاع معدلات البحار والمحيطات، سوف تزداد من غير أدنى شك نسبة بخار الماء المتصاعد إلى  طبقات الجو العليا،  ما سينعكس لاحقا على الأرض مرة جديدة في صورة أمطار، لا  تلبث أن تتحول إلى فيضانات وسيول جارفة، والعينة قد رآها العالم مؤخرا في ألمانيا  وبلجيكا، وفي الصين التي إنهارت سدودها، مخلفة وراءها قدرا كارثيا من الخسائر في البشر والحجر على  حد سواء..

وعطفا على  ما تقدم فأنه في مارس الماضي قال خبراء الأرصاد الجوية  التابعون للأمم المتحدة، إن تغير المناخ اثر على المحيطات بشدة، ودعوا  إلى  تكثيف المراقبة  المنقذة للحياة، وإعادة تشغيل خدمات الإنذار المبكر التي توقفت  بسبب جائحة  كوفيد -19، لحماية  المجتمعات الساحلية  المعرضة للخطر.

ولعل من البديهي القول أن إرتفاع درجات حرارة المحيطات قد ساعد في هبوب عدد قياسي من الأعاصير الموسمية  في المحيط الأطلسي ، وزيادة  شدة الأعاصير المدارية  في المحيط الهندي والمحيط الهادئ الجنوبي خلال العام الماضي.

من بين المصطلحات والمفاهيم الجديدة التي نستمع  إليها للمرة الأولى وسط أزمة التغير المناخي ، يجئ الكلام عن ما يعرف بالاقتصاد الأزرق والمرتبط بالمدن الساحلية.

هنا يقول  البروفيسور،  بيتيري تالاس، الأمين العام لمنظمة الأمم المتحدة لشؤون المناخ، إنه  نظرا  لأن أكثر من 40% من سكان العالم يعيشون في حدود 100 كيلومتر من الساحل، فأنه ثمة حاجة ملحة  لحماية المجتمعات المحلية من الأخطار الساحلية ،  من قبيل الأمواج والعواصف وارتفاع مستوى  سطح البحر،  من خلال تحسين نظم الإنذار المبكر بالأخطار المتعددة  والتنبؤات.

على أن المشهد لا يتوقف عند هذا الحد، فوفقا  للمنظمة العالمية للأرصاد الجوية، فإن الاقتصاد الأزرق، أي ذاك المتعلق بالمياه والصيد وبقية الأنشطة المشابهة،  والذي تقدر قيمته بمبلغ  يصل إلى  6 تريليونات دولار كل عام،  ويمثل أكثر من ثلاثة أرباع التجارة العالمية،  ويوفر سبل العيش لأكثر من 6 مليارات نسمة، سيتعرض للخطر.

هذا  الاقتصاد سوف يضحى  في مهب الريح، إذ تشير المنظمة إلى  أنه كل عام تضيع في البحار سلع قيمتها  ملايين الدولارات، وتزهق ارواح المئات من البشر جراء أوضاع الطقس المتطرف ،  مثل الرياح العاتية والأمواج الكبيرة  والضباب والعواصف الرعدية  والجليد البحري والرذاذ  البحري المتجمد.

وتصنف المنظمة  المحيطات بأنها ” منظم الحرارة على  سطح الأرض “،  فهي تمتص  جزءا  كبيرا  من إشعاع الشمس وتحوله ، وتمد الغلاف الجوي بالحرارة  وبخار الماء.

وعلى الرغم من أن تيارات المحيطات الأفقية والرأسية الهائلة تعمل على تشكيل هذه الحرارة ودورانها  حول العالم ، الإ أن التوازن الطبيعي بين المحيطات والغلاف الجوي يزداد اضطرابا  جراء الأنشطة البشرية.

والمعروف علميا  أن المحيطات تمتص أكثر من 90% من الحرارة الزائدة  التي تحتجزها  غازات الاحتباس الحراري ، وتحمينا  من زيادات أكبر حتى  مما نشهده  الآن  في درجات الحرارة نتيجة لتغير المناخ ، لكن لهذه  العملية  كلفة باهظة  ، لأن أحترار  المحيطات والتغيرات في كيمياء المحيطات يتسبب بالفعل في اضطراب النظم الإيكولوجية  البحرية، ويضر بالناس الذين يعتمدون عليها… هل يعني ذلك أن زيادة الحرارة قدر منقوش على حجر؟

يخشى  المرء من أن يكون الجواب هو نعم ،  لا سيما وأن قراءات علمية  متعددة ومتنوعة تقطع  بأن ثلث سكان الأرض سيعيش في ظروف مناخية مماثلة   لمناخ الصحراء حاليا ، وسيكون سكان البلدان الفقيرة  من أكثر المتضررين .

إحدى المجلات العلمية الرائدة PNAS تشير إلى  أن مناخ الكرة الأرضية  على مدى  مليارات السنين كان تاريخها  متقلبا جدا، فكانت هناك فترات غطت طبقات  الجليد مناطق إلى خط الإستواء ، وفترات أخرى نمت  في القارة القطبية   الجنوبية  غابات مطيرة  ، واليوم توجد على الأرض  مناطق مناخية  مختلفة  من الغابات الإستوائية   إلى  صحاري القطب الشمالي ، ولكن أي درجات حرارة تعتبر مثالية  للإنسان العاقل الذي ظهر مؤخرا وفقا  للمعايير الجيولوجية؟

وفقا  لحسابات الباحثين ، فقد عاش غالبية البشر خلال ستة آلاف سنة الأخيرة  في ظل درجات حرارة 11-15 درجة مئوية  ، وعاشت نسبة ضئيلة من البشر في مناطق أكثر برودة أو حرارة .

هل من مقارنة بين تلك الأرقام وما  تم رصده في الأسابيع والأشهر الأخيرة ؟

 

خذ إليك عينات من أحاديث درجات الحرارة ، فعلى  سبيل المثال  قال معهد الأرصاد الجوية الفنلندي أن فنلندا  سجلت أحر شهر يونيو  على الإطلاق ، كما سجل جنوب فنلندا  27 يوما  متتاليا  مع درجات حرارة أعلى  من 25 درجة  مئوية ،  ووفقا لدرجات الحرارة المتجمدة  عادة في فنلندا  فإن هذا  يعتبر موجة حارة.

في نفس التوقيت  ، تعرضت  كندا  والولايات المتحدة  لموجة حر وتحطيم من الأرقام القياسية  في درجات الحرارة في ولايتي نيفادا ويوتا.

ما تقدم غيض من فيض،  يفيد بأن الهاوية المناخية باتت قضية البشرية،  وعليه فإن الآمال معلقة على  قمة غلاسكو القادمة، عسى  أن يفكر قادة العالم برؤية أنسانية لا سياسية، من أجل صالح الجنس البشري.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية