كورونا.. حرب بيولوجية ضد البشر!

كورونا.. حرب بيولوجية ضد البشر!

ما الفرق بين أن تغزو كائنات فضائية كوكب الأرض وتوجه أسلحتها لبني البشر أو أن يعلن أحدهم حرباً بيولوجية على العالم، وبين انتشار فيروس مثل كورونا؟ لا شيء، كورونا حرب مكتملة الأركان دون أن نعرف من الذي أطلقها ومن الذي يقودها ضد البشر!

لقد تمكن فيروس كورونا من إخافة العالم وجعل الناس تبقى في منازلها وفرَّق الأحباب والأصحاب ومنع الجميع من ارتياد الأماكن العامة، فأصبحت أغلب المؤسسات الحكومية والخاصة فارغة، وكذلك المقاهي والفنادق والحدائق ودور السينما والمسارح، وأيضاً الساحات العامة في لندن وباريس وبرشلونة والتايمز سكوير في نيويورك، والمناطق السياحية في دولنا العربية أصبحت مهجورة وشبه خالية من البشر، والسبب هو أن هناك عدواً متربصاً بكل فرد لا يفرق بين كبير وصغير ولا بين غني وفقير ولا بين ملك ومواطن عادي، ففي نظر هذا الفيروس غير المرئي، كل بشري هو هدف مستباح لا بد من الانقضاض عليه.

إننا اليوم كبشر نعيش على وجه الأرض ولأول مرة في حياتنا نتقاسم نفس المشاعر ونفس المخاوف، فمن يعيش في الإمارات أو ذاك الموجود في أيسلندا أو تلك التي تعيش في أستراليا أو ذاك الذي يعيش في أفريقيا، الكل متوجس من خطر واحد، والجميع يمارس نفس الطقوس، غسل وتعقيم اليدين عشرات المرات في اليوم، عدم الاختلاط بالآخرين والالتزام بالبقاء في المنزل.. والهدف واحد وهو تجنُّب هذا الخطر المحدق بنا منذ أشهر.

ما يشعر به البشر من توحد وتشابه قد يكون غريباً على البعض بعد أن عشنا عقوداً من الزمن متفرقين تعودنا فيها أن نكون منقسمين على أنفسنا حسب القارات التي نعيش فيها وحسب الدول التي ننتمي إليها، أو نصنف أنفسنا حسب الدين الذي نعتنقه أو حسب لوننا وحضارتنا، وربما تعودنا قبل كورونا ألَّا نهتم بالأخطار التي تواجه غيرنا من أبناء جلدتنا لأنهم بعيدون عنا جغرافياً أو لأننا نختلف معاً فكرياً ولا نتشابه ثقافياً واجتماعياً، أما اليوم وفي ظل هذه الجائحة التي أصابت العالم بأكمله فاكتشفنا أننا ـ بني البشر ـ عندما لا نحارب بعضنا ولا نتقاتل مع بعضنا البعض، نكون شيئاً واحداً، وعندما يأتي شيء غريب أو كائن لا ينتمي إلى جنس البشر، نكون جميعاً شيئاً واحداً.

قد يكون كورونا مُعلماً جيداً للبشرية يأتي في وقت فقدنا فيه كثيراً من تواضعنا وتخلينا فيه عن الرحمة التي في قلوبنا وجعلنا المادة تسطو على روحانيتنا الجميلة.. وقد يكون كورونا جرس إنذار أو جرس تنبيه لكل من يضع نفسه أو بلده «أولاً» ولو على حساب دول أخرى، ويتصرف بأنانية مع أبناء جنسه من غير جنسيته أو غير عرقه، قد يكون كورونا معلماً جيداً للذين اعتمدوا شعار «أنا ومن بعدي الطوفان» في تعاملهم مع بني جنسهم وأصبح المهم أن يكونوا بخير وفي رخاء وفي أمان ولا يهمهم حتى جيرانهم، بل البعض قَبِل أن يبني نفسه وإنجازاته على حساب الآخرين!

خطر هذا الفيروس لا يختلف عن أي اعتداء خارجي على هذا الكوكب الجميل.. لذا أتمنى، ونحن نعيش هذا الوباء العالمي غير المسبوق، من أجيالنا أن نعيد التفكير في طريقة حياتنا وفي أسلوب تعاملنا مع بعضنا البعض كبشر، فهذا الفيروس كشف لنا جميعاً كم نحن ضعفاء كجنس بشري ونحن متفرقون، وكم يمكن أن نكون أقوياء إذا كنا معاً وإذا ما تحلينا بالتواضع والرحمة فيما بيننا.


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية