هل بات التفكك الإثيوبي وشيكاً؟

هل بات التفكك الإثيوبي وشيكاً؟

باسم ثروت

 

 

منذ بداية الحرب في إقليم تغيراي شمال إثيوبيا في نوفمبر 2020، عبر العديد من الخبراء الدوليين عن قلقهم المتزايد وأطلقوا تحذيرات من أن الصراع قد يؤدي إلى انهيار البلاد ووقوع عواقب وخيمة في المنطقة.

 

ومن أهم هؤلاء الخبراء، جوني كارسون وتشيستركروكر، مساعدا وزير الخارجية الأمريكي الأسبق للشؤون الإفريقية، حيث وضعا اسميهما في بيان وقعه أفضل الخبراء الأفارقة الأمريكيين، محذرين فيه من أن الصراع قد يؤدي إلى تفكك إثيوبيا، الأمر الذي قد يكون أكبر انهيار لدولة في التاريخ الحديث.

 

حيث إن إثيوبيا تمثل خمسة أضعاف حجم سوريا قبل الحرب من حيث عدد السكان، وقد يؤدي انهيارها إلى صراع شامل بين الأعراق والأديان، بالإضافة إلى ضعف خطير يمهد طريق الاستغلال من قبل المتطرفين.

 

عطفاً على تسريع وتيرة التجارة غير المشروعة، بما في ذلك تجارة الأسلحة، وما قد ينتج عن انهيارها من أزمات إنسانية وأمنية يضع إفريقيا والشرق الأوسط على مفترق طرق.

 

ونظراً لكون إثيوبيا واحدة من الدول الرائدة في المساهمة بقوات في الأمم المتحدة وبعثات حفظ السلام التابعة للاتحاد الإفريقي في السودان وجنوب السودان والصومال، فإن انهيارها قد يؤثر بشكل كبير على الجهود المبذولة لتخفيف وحل النزاعات الأخرى في القرن الإفريقي.

 

تطورات المشهد على الأرض:

 

بدأ الصراع بهجوم على تيغراي في نوفمبر 2020، شنته القوات الفيدرالية الإثيوبية، ومليشيات منطقة أمهرة مدعومة بقوات من إريتريا، الجارة الشمالية لإثيوبيا، وكذلك قوات من الصومال وسيطروا على عاصمة الإقليم ميكيلي.

 

لكن استطاعت جبهة تحرير تيغراي في يونيو 2021، من استعادة عاصمتها ميكيلي، وبدلاً من التوقف عند هذا الحد تحولت الجبهة من الدفاع إلى الهجوم واستمروا في التقدم جنوباً، واستولوا على المدن حتى وصل التهديد أديس أبابا نفسها.

 

كما دخلت جبهة تحرير التيغراي في تحالف عسكري مع متمردي جيش تحرير الأورومو التي تعتبر أهم القوميات الإثيوبية وأكثرها شعبية، وتلا هذا التحالف إعلان سبع من القوى السياسية وفصائل المتمردين دعمهم لهذا التحرك.

 

ومع سيطرة مقاتلي جبهة تحرير تيغراي على مناطق خارج الإقليم، دعا رئيس الوزراء الإثيوبي الشعب إلى حمل السلاح لمنع تقدم المتمردين من تيغراي نحو العاصمة أديس أبابا.

 

وقال آبي أحمد في ذلك الوقت: واجبنا أن نموت جميعا من أجل إثيوبيا، لذا على أفراد شعبنا أن ينحوا شؤونهم الخاصة جانبا وأن ينظموا الصفوف من أجل تكريس كل ما أوتينا من سلاح وقوة لقتال ودفن حزب جبهة تحرير تيغراي الإرهابي الذي خرج من الإقليم في مهمة لتدمير البلاد.

 

وفي أواخر أكتوبر أوائل نوفمبر توجه آبي أحمد، إلى جبهة القتال ليقود الجيش بنفسه، ومنذ ذلك الوقت تصرح الحكومة بأنها استعادت بلدات رئيسية عدة.

 

وقبل نهاية عام 2021، أعلنت جبهة تحرير شعب تيغراي انسحابهم من منطقتي أمهرة وعفر في شمال إثيوبيا والتراجع إلى تيغراي، بغية فتح الباب أمام المساعدات الإنسانية، الأمر الذي مثل نقطة تحول جديدة في الحرب المستمرة منذ 13 شهرا والتي أودت بحياة الآلاف.

 

وصفت المتحدثة باسم رئاسة الوزراء “بيلينسيوم” هذه الخطوة بأنها بمثابة تستر على خسائر عسكرية، وأوضحت تكبدت جبهة تحرير تيغراي خسائر فادحة خلال الأسابيع الماضية ومن ثم ادعت التراجع الاستراتيجي لتعويض الهزيمة، وأضافت: ما زالوا موجودين في جيوب في منطقة أمهرة وكذلك جبهات أخرى حيث يحاولون فتح صراع.

 

محاولات الحوار:

نوفمبر الماضي، أعرب مبعوث الاتحاد الإفريقي إلى إثيوبيا والرئيس النيجيري السابق أوليسيجون أوباسانجو عن أمله في أن يكون لدى الأطراف المتحاربة استعداد للحوار.

 

لكن جبهة تحرير التيغراي وآبي أحمد استمروا في القتال، حيث صرح ديبريتسيون جبرميكائيل، زعيم جبهة تحرير التيغراي بعد يومين من اجتماعه مع مبعوث الاتحاد الإفريقي، “الزمرة الفاشية دمرت جيشها النظامي، وهي الآن تنتظر دفنها كما حدث للديكتاتوريات السابقة، والذي قد يحدث قريبا”.

 

الأمر الذي دفع رئيس وزراء إثيوبيا للرد قائلاً إن المتمردين سوف يُذبحون قريبا.

 

كما رفض أحمد كل الدعوات الدولية إلى الحوار بين الأطراف المتحاربة الواحدة تلو الأخرى، وتصاعدت مظاهرات في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا احتجاجاً على الولايات المتحدة ودول الغرب والإعلام الأجنبي.

 

وقال آبي أحمد تعليقاً على ذلك: سوف تُهزم تلك القوى التي تحاول أن تملي على بلادنا ما تفعله وأن تفرض وصايتها علينا من خلال الدعاية الاقتصادية والدبلوماسية والإعلانية أو الحرب النفسية على أيدي القوى الموحدة للإثيوبيين.

 

السيناريوهات المحتملة:

 

تشير الأوضاع على الأرض في إثيوبيا إلى وجود ثلاثة سيناريوهات في ظل المتعنت من قبل حكومة ابي أحمد التي ترفض الحوار:

 

السيناريو الأول: هجوم الحكومة الإثيوبية على إقليم تيغراي أخرى للسيطرة عليه، وخصوصاً بعد انسحاب جبهة تحرير التيغراي من أمهرة وعفر، الأمر الذي قد يدفع آبي أحمد للهجوم على الإقليم حتى ينهي هذه الحرب بالكامل، فمعظم تصريحاته تشير إلى عدم انتوائه الحوار فكما ذكر سابقاً أن المتمردين سيذبحون قريباً.

 

السيناريو الثاني: من الممكن أن تمثل خطوة انسحاب جبهة تحرير التيغراي بادرة حسن نية قد تؤدي إلى حوار شامل يجمع الفرقاء ومن الوارد حدوث مثل هذا السيناريو إذا ما زاد الضغط الإقليمي والدولي على حكومة أحمد ودفعها نحو الحوار، لكن تظل احتمالية حدوثه ضعيفاً لأن تصريحات أحمد وقيادته الجيش بنفسه وهجومه على إقليم التيغراي منذ البداية لا يشير الي نيته الانخراط في أي حوار إنما يشير إلى حرب بقاء إما المكسب أو الخسارة ليس شيئاً آخر.

 

السيناريو الثالث: وهو السيناريو الأكثر تشاؤماً، حيث يتحول الصراع إلى حرب أهلية تتسع دائرتها لتشمل كل الأقاليم، الجدير بالذكر وجود صراع سابق ما بين العفر والصوماليين وبين الأورومو أو الامهرا، وهنا قد يقع ما ذكره الخبيران جوني كارسون وتشيستركروكر وهو تفكك إثيوبيا وتحول الأمر إلى أكبر أزمة إنسانية شهدتها البشرية في التاريخ الحديث، أكبر من تلك التي حدثت في سوريا واليمن وأفغانستان بعد خروج الأمريكان منها.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية