نيويورك تايمز: زعيم كازاخستان اختار الحضن الروسي وسط الأزمة

نيويورك تايمز: زعيم كازاخستان اختار الحضن الروسي وسط الأزمة

لجأ رئيس كازاخستان قاسم جومارت توكاييف، إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، طالباً الدعم في ظل اشتعال الأزمة في بلاده، وما صاحبها من مطالبات دولية باحترام إرادة الشعب والمتظاهرين، وقد يعيد هذا الاختيار تنظيم سياسات آسيا الوسطى من جديد ويغير من طبيعة القوى على الأرض.

 

وقالت صحيفة “نيويورك تايمز”، في تقرير لها، إن رئيس كازاخستان لديه تاريخ في الحكم التكنوقراطي الدولي، وهو نجل لمثقفين بارزين، درس في موسكو في أكاديمية رائدة للدبلوماسيين، وعمل لاحقاً في السفارة السوفيتية في بكين ثم عمل كمستشار للرجل القوي نور سلطان نزارباييف الذي حكم الدولة الغنية بالنفط في آسيا الوسطى كإقطاعية لما يقارب ثلاثة عقود.

 

وفي عام 2019 أصبح وريث لنزارباييف، وهو المخلص له الذى ما أن تولى مقاليد السلطة حتى قام بإطلاق اسم نور سلطان على العاصمة بدلاً من اسمها الأساسي الآستانة.

 

 

وأشارت الصحيفة إلى أنه تم النظر إلى صعود قاسم جومارت توكاييف إلى الرئاسة كنموذج محتمل من قبل الأنظمة الاستبدادية الأخرى حول كيفية إجراء انتقال للقيادة دون فقدان قبضتها على السلطة، وبدلاً من ذلك اندلعت أعمال عنف في كازاخستان هذا الأسبوع بسبب إعلان الحكومة عن رفع ثمن الغاز.

 

وأشرف الرئيس توكاييف على حملة قمع للمتظاهرين، بينما أطاح بمساعده السابق نور سلطان نزارباييف، البالغ 81 عاماً من آخر موطئ قدم له في السلطة كرئيس لمجلس الأمن في البلاد.

 

وللحصول على الدعم لإخماد المظاهرات أسرع توكاييف إلى حليفه القوى فلاديمير بوتين، يطلب حمايته، والذي بدوره لم يتردد في إرسال قواته لإخماد التظاهرات العارمة.

 

وأوضحت الصحيفة أنه من السابق لأوانه معرفة ما إذا كانت لحظة الأزمة في كازاخستان ستكون انتصاراً لبوتين، الذي استجاب بسرعة لطلب توكاييف للمساعدة من خلال إرسال قوات كجزء من الجهود التي تقودها روسيا لقمع الانتفاضة.

 

ولفتت إلى أن موسكو لديها تاريخ في إرسال قوات “حفظ السلام” إلى الدول التي لا تغادرها عادة، وبوتين عازم على الحفاظ على دائرة النفوذ الروسي التي تشمل الجمهوريات السوفيتية السابقة مثل كازاخستان.

 

لكن المحللين والخبراء في آسيا الوسطى يقولون إنه عندما كانت حكومته تحت الحصار وكان منصبه يتأرجح، لم يكن السيد توكاييف (68 عاماً) قوياً بما فيه الكفاية ولا مستقلاً بما يكفي للقيام بذلك بمفرده، وينذر تحالفه السريع مع موسكو بتغييرات تحويلية محتملة في منطقة شهدت تنافساً شرساً على النفوذ بين الولايات المتحدة وروسيا والصين.

 

وقال المحللون، على خلفية الفوضى والعنف، اختار توكاييف روسيا لضمان بقائه السياسي، وقالت الأستاذة في جامعة الدفاع الوطني وهي جامعة عسكرية في واشنطن، إريكا مارات: “إن الرئيس الكازاخستاني استبدل سيادة بلاده مع روسيا بسلطته ومصالح النخب “.

 

وأوضحت أن هذه الخطوة تتعلق بجعل كازاخستان شريكاً أكثر استسلاماً وأكثر ولاء، مضيفة أن كازاخستان يجب أن تكون أكثر انسجاماً مع روسيا ضد الغرب في الأمور الجيوسياسية والعالمية.

 

وأشارت نيويورك تايمز إلى أن توكاييف في خطابه يوم الجمعة، والذي ظهرت فيه نبرة تهديد واضحة وحذر فيه من أن قوات الأمن الحكومية قد تطلق النار لقمع الاحتجاجات، أظهر احتراماً لبوتين مقدماً شكراً خاصاً للزعيم الروسي لتقديمه المساعدة “بشكل سريع للغاية والأهم من ذلك، بطريقة ودية.

 

وقال الكرملين إن الرئيس الكازاخستاني أعرب مرة أخرى عن “امتنانه الخاص” لروسيا في مكالمة هاتفية مع بوتين يوم السبت.

 

لكن العلاقة بين الزعيمين تتسم باختلال كبير في المكانة، ففي مؤتمر صحفي عقد الشهر الماضي في موسكو، بدا أن بوتين غير قادر على تذكر اسم توكاييف.

 

وفي الفراغ الأمني ​​الذي حدث إبان التظاهرات، وبناء على طلب توكاييف، جاءت قوات النخبة وهي في معظمها روسية من تحالف يرعاه الكرملين يسمى منظمة معاهدة الأمن الجماعي والتي تعد النسخة الروسية من الناتو، بحسب الصحيفة.

 

وأوضح التقرير أنه على الصعيد الداخلي قد يؤدي قرار  توكاييف بالترحيب بالجنود والدبابات والطائرات من الحلف إلى مزيد من تآكل ثقة الجمهور في الرئيس، ولطالما كان العديد من الكازاخستانيين من الطبقة العاملة غاضبين من الفساد الذي ينقل الثروة من أكبر اقتصاد في آسيا الوسطى إلى نخبة قليلة.

 

وقال الدكتورة مارات، إن رؤية زعيم يدعم هذا النظام ويستفيد منه، ويختار الآن أن تدعمه موسكو بدلاً من الاستماع إلى المظالم الحقيقية سيثير حفيظة المواطنين الكازاخستانيين العاديين.. مضيفة: “لم يخرج الناس إلى الشوارع للمطالبة بالتدخل الروسي في حياتهم اليومية”، وبالنسبة إلى بوتين فإن إرسال قوات إلى كازاخستان يمثل “انخراطاً منخفض التكلفة مع عوائد عالية”، كما قال الدكتور مارات.

 

وأضاف التقرير أنه لعقود من الزمان، بنى توكاييف سمعته باعتباره خبيراً تكنوقراطياً فعالاً بارعاً في مساعدة السيد نزارباييف على تحقيق التوازن بين السياسة الخارجية لكازاخستان بين جارتيها المتزمتتين الصين وروسيا، ومستثمرها الاقتصادي القوي الولايات المتحدة، ولمدة 28 عاماً كان توكاييف فعلياً بديل نزارباييف، منذ توليه منصبه لم يضطر توكاييف إلى مواجهة المنافسة السياسية الحقيقية.

 

وتقول جماعات حقوق الإنسان تحت قيادته كانت هناك حملة قمع كبيرة على أحزاب المعارضة، وبحسب منظمة فريدوم هاوس فإن شخصيات المعارضة الحقيقية “مهمشة باستمرار” ، في حين أن “حرية التعبير والتجمع ما زالت مقيدة”.

 

وأكد التقرير أنه يتعين الآن على الرئيس أن يتعامل مع منافسين واضحين داخل المستويات العليا في الحكومة – وبعض الأشخاص الأقرب إلى نزارباييف كما قال العديد من المحللين.

 

وقال أكيجان كازيجيلدين، الذي شغل منصب رئيس وزراء كازاخستان من 1994 إلى 1997 لكنه استقال بسبب مخاوف بشأن الفساد، إنه من المرجح أن توكاييف رأى أنه “فقد السيطرة على الجيش وهيئات إنفاذ القانون”، ما دفعه إلى إقالة نزارباييف وماسيموف والحكومة.

 

وأعرب كازيجيلدين الذي يعيش في المنفى منذ عقود، عن أمله في أن يتمكن توكاييف، الذي شغل منصب رئيس وزرائه عندما كان رئيساً للوزراء، من تغيير الأمور. لكنه حذر من أنه سيكون من الخطأ أن يواصل توكاييف طلب المساعدة من روسيا، التي تشترك كازاخستان معها في حدود برية طولها 4750 ميلاً،  حيث تحافظ كازاخستان على علاقات وثيقة مع روسيا، وهي عضو في الاتحاد الاقتصادي الأوراسي ذي السوق الواحدة.

 

ومع ذلك فقد قلل بوتين في بعض الأحيان من أهمية استقلال كازاخستان، مستخدماً رسائل مشابهة لتصريحاته الأخيرة حول أوكرانيا.

 

وينظر العديد من الكازاخيين إلى الحقبة السوفيتية بتردد، ويرى البعض أنها امتداد للحكم الاستعماري.

 

وقال كازيجيلدين: “لسنا بحاجة إلى أي مساعدة روسية أو بيلاروسية لتسوية الوضع في مدينة واحدة، ألماتي، يمكننا الاعتماد على بلدنا.

 

واقترح الدكتور أنشيسكي، من جامعة جلاسكو أن الشخص الوحيد الذي لديه خيار حقيقي وسط الفوضى هو بوتين الذي قرر دعم توكاييف بدلاً من نزارباييف وماسيموف، لكن بالنسبة توكاييف كان التحول إلى الكرملين خياراً وجودياً، لذا يرى المحللون فى كازاخستان أن توكاييف لم يختار روسيا بل اختار بقاءه.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية