ماذا لو غزت روسيا أوكرانيا؟

ماذا لو غزت روسيا أوكرانيا؟

باسم ثروت

 

 

تظهر في الأفق بواكير هجوم عسكري روسي على أوكرانيا هذا الشتاء، حيث عززت موسكو من أعداد قواتها بطول الحدود الأوكرانية على مدى الأشهر القليلة الماضية بما يرجح الكفة لها ويمهد الطريق لعملية عسكريةتحسم فيها موسكو المعركة في أوكرانيا لصالحها.

وعلي الرغم من أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اعتاد الحديث عن استخدام أدوات القوة في مناسبات كثيرة سابقة، إلا أن موسكو هذه المرة تبدو بصدد عمل أكبر من مجرد الحديث هذه المرة، إذ لم تتراجع أوكرانيا عن تعاونها الأمني مع منافسي روسيا الأوروبيين والأمريكيين، فإن نيران الصراع قد تشتعل من جديد على نطاق أوسع بكثير.

حيث إن اندماج أوكرانيا المضطرد مع الولايات المتحدة وحلف الناتو أمر لا يُمكن لروسيا السكوت عنه، الأمر الذي يجعل موسكو ترغب في أن تُعيد ضبط الموازين بواسطة القوة بعد فشل القنوات الدبلوماسية وخصوصاً بعد ضم روسيا لشبه جزيرة القرم تعقدت العلاقات أكثر بينهم.

كما صرحت القيادة الروسية في مناسبات مختلفة مستخدمة أشد العبارات على مدى العام الماضي، ونبهت إلى خطوطها الحمراء في أوكرانيا، دون أن تظهر الولايات المتحدة وأوروبا أي تجاوب جدي مع خطابها، ففي أكتوبر 2021، أشار بوتين إلى أن أوكرانيا، وإن لم تحصل على العضوية الرسمية في حلف الناتو، فإن تطورها العسكري على الأرض جارٍ بالفعل، ويشكل في حد ذاته خطراً على روسيا.

يبقى السؤال المطروح مقدماً، ماذا لو قررت روسيا غزو أوكرانيا؟ 

للإجابة عن هذا السؤال نحتاج لتقارير عديدة لتناول جميع الجوانب التي قد يكون لمثل هذا الغزو تأثيرات عليها، لكن سنحاول في عجالة التكهن بما ما قد تؤول إليه الأمور والتأثيرات والمضاعفات التي قد تحدث جراء الغزو الروسي لأوكرانيا في حال وقوعه:

اولاً: التأثيرات على المستوى الإنساني

بعد ضم موسكو شبه جزيرة القرم عام 2014، اندلعت حرب أهلية في شرق أوكرانيا بين قوات كييف وانفصاليين موالين لروسيا، والتي تسببت في نزوح أكثر من مليوني شخص ومقتل أكثر من 14 ألف شخص.

إن ضم شبه جزيرة القرم وهي جزيرة صغيرة تسبب في نزوح أكثر من مليوني شخص ومقتل الآلاف فكيف ستكون الأوضاع في حال اجتياح روسيا لكامل أوكرانيا، قد تصبح الأزمة حينها بمثابة أكبر كارثة إنسانية تواجه دول أوروبا وخصوصاً أوروبا الشرقية منذ انتهاء الحرب العالمية الثانية. 

فقد يؤدي الغزو الروسي إلى موجات لجوء كثيفة نحو أوروبا في حال حدوث اشتباك عسكري كامل بين الطرفين بالإضافة إلى القتلى الذين قد يصلون إلى مئات الآلاف، عطفاً على الجرائم الأخرى التي قد ترتكب في مثل حالات الحروب كالعنف الجسدي والجنسي ضد النساء والأطفال والاعتقالات والاختفاءات القسرية وغيرها الكثير من جرائم الحرب، الأمر الذي قد يتحول إلى كارثة إنسانية كبيرة قد تكون الأكبر في القرن الحادي والعشرين. 

ثانياً: على المستوى السياسي 

قد تشهد العلاقات بين روسيا وأوروبا انقطاعاً تاماً في حال غزت روسيا أوكرانيا، خاصة أن أوروبا تدفعها مخاوف بأن أي عملية عسكرية روسية ضد أوكرانيا تشكل بداية لعودة روسيا للسيطرة على شرق أوروبا كما كان الحال بعد الحرب العالمية الثانية، وهو ما يهدد أوروبا كلها، أي إن أوكرانيا تشكل خط الدفاع الأول عن الدول الأوروبية ضد أي حرب محتملة مع روسيا.

كما قد تشهد العلاقات الأمريكية الروسية أسوأ مراحلها في حال الغزو لكن لا نظن أنها ستكون قطيعة كاملة فلابد أن يلعب أحد دور الوسيط، وقد أوضحت الولايات المتحدة من قبل أنها ملتزمة بمساعدة أوكرانيا في الدفاع عن سيادة أراضيها، كما حذر الرئيس بايدن نظيره بوتين خلال لقاء عبر الفيديو كونفرانس من عواقب وخيمة على روسيا حال وقوع أي عمل عسكري ضد أوكرانيا. 

بصورة أوسع قد نشهد حالة تشابه الحالة التي كانت في أوقات الحرب الباردة وهي انقسام المجتمع الدولي إلى معسكرين شرقي وغربي، ونعود لنسبح في فلك نظام دولي قائم على سباق تسليح بوتيرة أكبر من الحالية، عطفاً على التحالفات التي سيسعى الطرفان لتحقيقها، أما بالنسبة للصين فسيكون أمامها خياران إما الانضمام إلى المعسكر الشرقي الأقرب إلى أيديولوجيتها أو الاستمرار في سياسة عدم التدخل وممارسة اللعب من تحت الطاولة واستغلال أوضاع الصراع ما بين المعسكرين لخدمة مصالحها وخطة صعودها. 

 

 

ثالثاً: على المستوى الاقتصادي

فكرة غزو أوكرانيا من قبل روسيا قد تجر الاقتصاد الروسي والعالمي نحو أزمة في ظل ما يعصف بالعالم من آثار جائحة كورونا، وقد تجد روسيا نفسها وحيدة في مواجهة أوروبا في حالة اندلاع الحرب، ناهيك عن أن أوروبا تهدد بوقف خطوط الغاز الروسية، والاتجاه إلى غاز دول شرق المتوسط، يجعل من الصعب على الاقتصاد الروسي التقليدي الصمود في حرب طويلة في شرق أوروبا، وهو ما يهدد قدرة الدولة الروسية على دفع الكلفة المحلية والدولية لأي عمل عسكري ضد أوكرانيا.

كما تحدث بايدن عن عواقب وخيمة كما ذكرنا سابقاً، إذا اتخذت روسيا أي إجراء عسكري، قد تكون هذه الإجراءات كما صرح بعض المسؤولون الأمريكيون عبارة عن تدابير اقتصادية قوية ودعم الجيش الأوكراني.

كما صرحت المسؤولة في وزارة الخارجية البريطانية، فيكي فورد، بأن المسؤولين البريطانيين يفكرون في تمديد الدعم الدفاعي. أما بالنسبة للتدابير الاقتصادية، فقد تكون الأداة الأكبر هي التهديد بفصل النظام المصرفي الروسي عن نظام الدفع السريع الدولي،لكن هذا الخيار بمثابة الملاذ الأخير.

وهنالك تهديد رئيسي آخر هو منع افتتاح خط أنابيب الغاز نورد ستريم 2 الروسي في ألمانيا، الذي يتم النظر فيه حالياً من قبل منظمة الطاقة في ألمانيا. كما قد تكون هناك إجراءات أخرى تستهدف صندوق الثروة السيادية الروسي أو قيود على البنوك التي تحول الروبل إلى عملات أجنبية.

اما الاقتصاد الأوروبي قد يتأثر جراء وجود نزاع على حدودها الشرقية يزعزع استقرارها عطفاً على الكلفة العسكرية في حال قرر الناتو التدخل عسكرياً ضد روسيا او من خلال دعم أوكرانيا بالعتاد والتدريب اللازمين ناهيك عن الضغوطات الاقتصادية التي ستشكل جراء موجات اللجوء التي قد تحدث.

كل هذه الإجراءات وتبادل العقوبات ووجود الحرب في حد ذاتها قد يؤثر على الاقتصاد العالمي الذي يعاني في الأساس من تابعات فيروس كورونا ولا يزال يحاول التحسن، فإذا اندلعت حرب في شرق أوروبا قد يكون لهذه الخطوة تبعات كارثية على الاقتصاد العالمي. 

 

 

رابعاً: على مستوى الشرق الأوسط وإفريقيا

إن حدوث حرب في شرق أوروبا هو سلاح ذو حدين، الأول مفيد للدول المنتجة للغاز كدول شرق المتوسط مثل مصر وإسرائيل وليبيا، ففي حال قررت أوروبا أو روسيا وقف خطوط الغاز فستتجه أوروبا للاعتماد على غاز شرق المتوسط كما الحال الدول الإفريقية التي لديها احتياطات غاز قد تصبح مورداً مهماً للغاز لأوروبا.

أما الحد الثاني فهو السيئ، فقد يؤدي اندلاع حرب في شرق أوروبا إلى أخذنا مرة أخرى للحالة التي كان عليها العالم بعد انهيار الاتحاد السوفيتي حيث وجه المعسكر الغربي معظم دعمه ونفقاته إلى إعادة إعمار  وتنمية دول شرق أوروبا التي كانت تابعة للمعسكر الشرقي، ما أدى لتهميش الدول الإفريقية والشرق أوسطية الفقيرة التي كانت أكثر احتياجاً حينها.

وقد يتكرر هذا السيناريو مرة أخرى فيتوجه اهتمام أوروبا والولايات المتحدة لدعم دول شرق أوروبا ويتركون الدول العربية والإفريقية خاصة التي تعاني صراعات ومجاعات وتعتبر الأكثر احتياجاً.

وهناك تأثير آخر قد يحدث عندما تعلوا موجات اللجوء من أوكرانيا جراء الاجتياح الروسي فقد ترفض الدول الأوروبية استقبال اللاجئين كما شاهدنا مرات عدة من قبل في العديد من الأزمات، وبالتالي قد نجد اللاجئين على أعتاب الدول العربية وتركيا، الأمر الذي قد يضع عبئاً اقتصادياً ومعيشياً أكبر علي الدول العربية والشرق أوسطية التي تعج باللاجئين في الأساس. 

إجمالاً.. إن الغزو الروسي لأوكرانيا قد يكون بمثابة المسمار الأخير في نعش النظام الدولي فقد يتحول الغزو إلى حرب عالمية ثالثة تطيح بالأخضر واليابس، لذلك يجب إدراك الأمور من البداية قبل أن تتفاقم والجلوس على طاولة الحوار لنزع فتيل الأزمة، فلن تقبل موسكو التمدد الأوروبي الحادث في أوكرانيا وفي المقابل لن تقبل أوروبا ولا حليفتها الولايات المتحدة الغزو الروسي لأوكرانيا وتهديد أوروبا من مدخلها الشرقي، لذا يٌعد الحوار والتفاهم هو أفضل السبل لتجنب اجترار هذا الكوكب نحو حتفه. 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية