إرهاصات الانقسام الليبي الجديد

إرهاصات الانقسام الليبي الجديد

تُعد الأزمة الليبية إحدى أكثر الأزمات التي تؤرق المجتمع الدولي في العقد الماضي وحتى الآن، نظراً للأهمية السياسية والإستراتيجية للدولة الليبية، فهي دولة تمتلك احتياطياً من النفط والغاز يعد ضمن الأكبر في القارة الإفريقية، بالإضافة لكونها مصدراً مهماً لإمدادات الطاقة لأوروبا، ناهيك عن أنها بوابه للمهاجرين غير الشرعيين نحو أوروبا، كل هذه وغيره يجعلها محط اهتمام القوة الدولية المختلفة.

وكان الليبيون في وقت سابق قد شارفوا على الوصول إلى إجراء انتخابات، بفضل بمجهودات مصر والأطراف الدولية والإقليمية الأخرى وخاصة مبعوثة الأمم المتحدة ستيفاني وليم، إلا أنها لم تتم بعد تأجيل الهيئة العليا للانتخابات لها.

وبعد ما عجزت الهيئة الوطنية عن إجراء الانتخابات، نظراً لغياب التفاهمات السياسية وعجز الدستور أو حتى الاتفاق على المبادئ السياسية الأساسية اللازمة لجعل الانتخابات تمضي قدماً، حيث كان من الممكن أن تكون الانتخابات بمثابة مطرقة سياسية يتم تسليمها إلى واحد من العديد من المطالبين المتنافسين بالسلطة فيستخدمها ضد الآخرين للتخلص منهم وينفرد بمقاليد السلطة وحده.

قرر مجلس النواب الليبي بقيادة عقيلة صالح عقد جلسة طارئة لوضع خارطة طريق لفترة مؤقتة يتم بعدها عقد انتخابات، حضرها عبدالحميد الدبيبة رئيس حكومة الوحدة الوطنية، وقال رئيس مجلس النواب الليبي عقيلة صالح، إن مجلس النواب تسلم 7 ملفات للترشح لرئاسة الوزراء خلفاً للدبيبة، منها اثنان فقط مستوفيان للشروط، وهما ملفا المرشحين فتحي باشاغا وخالد عامر البيباص.

وصوت المجلس بالإجماع على اعتماد خارطة الطريق، التي تتضمن إجراء الانتخابات خلال 14 شهراً من إجراء تعديل دستوري في ليبيا، وبحسب المركز الإعلامي لرئيس مجلس النواب الليبي، تنص خارطة الطريق على تقديم الصيغة النهائية للتعديل الدستوري بالتشاور مع لجنة مجلس الدولة في مدة أقصاها أسبوع.

كما تم اختيار باشاغا لتكوين حكومة انتقالية جديدة، في غضون 15 يوماً، ما دفع رئيس الحكومة الحالية عبدالحميد الدبيبة إلى إعلان رفضه تسليم مهامه إلّا لحكومة منتخبة.

فقد صرح الدبيبة، بأنه يرفض محاولة مجلس النواب تغييره من منصبه، وأن حكومة الوحدة الوطنية لن تسلم السلطة إلا بعد إجراء انتخابات عامة، كما ذكر رئيس الوزراء المؤقت أن رئيس مجلس النواب طلب منه التراجع عن الترشح للانتخابات الرئاسية مقابل أن يستمر رئيسا للحكومة لفترة أطول، مضيفاً أن رئيس مجلس النواب لديه مشكلة معي منذ خسارة قائمته في ملتقى جنيف وهو لم يقبل الخسار، وتطرق الدبيبة لمحاولة الاغتيال التي تعرض لها قائلا إنها لم تكن مخططة وأن من نفذها شخصان مأجوران.

كما دعا الدبيبة مناصريه للتظاهر يوم السابع عشر من الشهر الجاري لإسقاط مجلس النواب وذلك على احتجاجاً على تكليف باشاغا رئيسا للحكومة الجديدة.

وتشير تلك الأحداث إلى ظهور بوادر انقسام في الداخل الليبي بسبب وجود حكومتين في آن واحد وجراء اتساع الصراع السياسي بين الأطراف المختلفة، وخاصة بعد قرار مجلس النواب تكليف وزير الداخلية السابق فتحي باشاغا بتشكيل حكومة جديدة.

الأمر الذي قد يجعل ليبيا تمر بمنعطف خطير قد يعود بها إلى الصراع والاقتتال مرة أخرى، فدعوة الدبيبة مناصريه للتظاهر يوم السابع عشر تشير إلى عدم نيته التنازل عن السلطة أو حتى الوصول إلى توافقات، كما أنه يرى وجود عداوة سابقة بينه وبين رئيس النواب الذي طلب منه التخلي عن ترشحه للرئاسة في مقابل تركه في منصبه لفترة أطول، ما قد يجعل المشهد يتحول إلى صراع بين الطرفين وهذا هو الاحتمال الأقوى.

وعلى العكس تماماً، يرى آخرون بوادر وئام واتفاق، خصوصاً أنها المرة الأولى التي تتجه فيها البلاد إلى تشكيل سلطة تنفيذية جديدة منفتحة على جميع الفرقاء دون استثناء، بما في ذلك قيادة الجيش، وإلى تحقيق اتفاق عملي بين مجلسي النواب والدولة، تمهيداً لتنظيم انتخابات تحظى بموافقة الجميع على قبول نتائجها، كما قد يستطيع الدبيبة وباشاغا الوصول إلى توافقات برعاية الفعاليات الاجتماعية في مدينة مصراتة، وضمن تحرك إقليمي لمواجهة أية تهديدات لخريطة الطريق المعتمدة لتحقيق الحل السياسي.

حيث يمكن أن يتم ذلك عن طريق وساطة دولية تضغط على الطرفين وجعلهم يجلسون على طاولة المفاوضات كما حدث من قبل في العديد من المناسبات، يتحقق هذا في حال وجود الرغبة لدى الأطراف المختلفة بالوصول إلى تفاهمات لكن إن لم يكن هكذا كذلك فلن يكون هناك حل، بل قد تُجر ليبيا إلى حالة الحرب مرة أخرى.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية