مدرجات كرة القدم في 2021.. محاولة جديدة لمكافحة آفة العنصرية

مدرجات كرة القدم في 2021.. محاولة جديدة لمكافحة آفة العنصرية

إسلام مجدي

 

العنصرية في ملاعب كرة القدم آفة قديمة ومرض نفسي ومجتمعي يتجدد في كل عام، دون إيجاد حلول جذرية لها، رغم المحاولات الحثيثة من قبل المنظمات والاتحادات الدولية والوطنية وروابط المشجعين للحد منها.

وصلت العنصرية إلى حدود غير مسبوقة في الملاعب خلال السنوات الأخيرة، لا سيما في أوروبا، التي تعد ملاعبها الأكثر عرضة لحالات التعصب والكراهية ضد اللاعبين بسبب لونهم وجنسهم ودينهم، رغم إعلان الاتحاد الدولي لكرة القدم (فيفا) تشديد عقوباته ضد السلوك العنصري أو التمييزي.

وتنص العقوبات التي تنحصر في المسابقات والبطولات التي تتبع للاتحاد الدولي لكرة القدم، على فرض حظر جزئي على الجماهير التي تمارس انتهاكات عنصرية، وتتم مضاعفة العقوبة، لتصل إلى خصم النقاط أو الاستبعاد من المسابقات، حال تكرار السلوك التمييزي بجانب بعض العقوبات المالية.

وأعطى «فيفا» السلطة للحكام إذا لزم الأمر بإنهاء المباريات، واعتبار الفريق الذي مارست جماهيره تلك الانتهاكات خاسراً.

الجديد في عام 2021 كما رصد موقع “جسور بوست” أن العنصرية لم تتوقف في المدرجات إلا قليلاً مع حظر دخول الجماهير وفرض التباعد الاجتماعي عقب انتشار جائحة كورونا، وكذلك لم تتوقف عند اللاعبين فقط بل امتدت لتشمل الحكام والمدربين، وهو ما دفع الهيئة الأسترالية لحقوق الإنسان خلال شهر نوفمبر الماضي، للتوصية بتعيين مسؤولي نزاهة لكل مباراة وفي هذا التقرير نسلط الضوء على الأزمة في ما يلي:

 

أسباب العنصرية

تقع إحدى المسؤوليات على وسائل الإعلام المختلفة، ومنها وسائل التواصل الاجتماعي الجديدة التي تساعد على بث أفكار العنصرية عبر المغردين، لذلك فإنه لم يكن غريباً بعد الأحداث الأخيرة في الملاعب الإنجليزية أن يلتقي مسؤولون من الدوري الإنجليزي الممتاز مع المديرين التنفيذيين لموقع «تويتر» لمناقشة خطط معالجة الإساءات والسلوك التمييزي الشائع على منصات التواصل الاجتماعي.

 

أما وسائل الإعلام التقليدية، فتلعب بطريقة مباشرة أو غير مباشرة دوراً في تغذية آفة العنصرية عبر عناوينها ونوعية أخبارها، كما أن المسؤولية المباشرة في المقام الأول تتعلق بالمجتمع، من هنا فإن اتهام رابطة اللاعبين المحترفين الإنجليز للحكومة البريطانية بالتسبب بزيادة معادلات العنصرية لم يأتِ من فراغ، ذلك أن حدة خطاب بعض الأحزاب السياسية ضد المهاجرين لا بد أن تنعكس في الشارع.

 

وقائع

خلال شهر يونيو الماضي نشرت صحيفة The Economist تقريراً أوضحت من خلاله أن اللاعبين من أصحاب البشرة غير البيضاء لعبوا بشكل أفضل حينما كانت المدرجات خالية أثناء فترة الوباء.

لاعب بريشيا السابق، ماريو بالوتيللي، كتب عبر حسابه على موقع إنستغرام رداً على هتافات عنصرية منذ عام: “لكل من يصدرون ضوضاء على صوت قرود، عار عليكم، عار عليكم”.

المنشور كان موجهاً إلى جماهير هيلاس فيرونا، منافس فريقه الذي قامت جماهيره بتوجيه هتافات عنصرية لإزعاج المهاجم خلال مواجهة الفريقين، بل وفي مرحلة ما من المباراة توقف اللعب بعد تسديد بالوتيللي الكرة تجاه المدرج الذي صدر منه الهتافات وهدد بترك الملعب.

بعد عام من الواقعة، أوضح فابريزيوكوليلا باحث تخرج في جامعة لوزان، أن أداء المهاجم الإيطالي الجيد خلال المواجهة وتسديده هدفاً كان مجرد استثناء وليس قاعدة.

وبسبب لعب الفرق بدون جماهير أثناء فترة تفشي وباء كوفيد-19 خلال الجزء الأكبر من عام 2020 وما تبعه من فترة خلال عام 2021، خلق ذلك بيئة تجريبية مكنت البحث الأكاديمي من دراسة أداء اللاعبين من منظور مختلف.

دراسات عديدة من ضمنها واحدة نشرت خلال عام 2020 وأخرى نشرت خلال 2021 أن كل اللاعبين يتعرضون لإهانات، لكن لا يحصلون على النوع نفسه، على الأقل في مدرجات الكرة الأوروبية، الجماهير تختار اللاعبين الذين ليسوا من أصحاب البشرة البيضاء ويكيلون لهم الإهانات العنصرية بهجمات مستمرة.

كوليلا قام بتصنيف لاعبي الدوري الإيطالي من الدرجة الأولى، وحصد مستوياتهم الفردية في كل مباراة في آخر عامين بتقدير من صفر إلى 10، وصنع خوارزمية هي ذاتها التي تستخدم في منافسات ألعاب “فانتازي” الشهيرة للدوريات.

بعد ذلك قام بتصنيف 500 لاعب سواء من بيض البشرة أو دونها، باستخدام نموذج Fitzpatrick لقياس لون بشرة البشر، وهو نموذج يستعمل عادة لأبحاث أطباء الجلدية، وقام بمقارنة كل بيانات اللاعبين.

النتيجة كانت صادمة، فمتوسط النتائج كان أن اللاعبين ذوي البشرة البيضاء أدوا بشكل أسوأ قليلاً بدون جماهير، وعلى النقيض من هم من غير البشرة البيضاء تطوروا بشكل إحصائي بدرجة كبيرة وأدوا بشكل متميز في غياب الجماهير.

 

يورو 2020

في بطولة يورو 2020، وبالتحديد عقب النهائي بين إنجلترا وإيطاليا، تعرض لاعبو إنجلترا من ذوي البشرة السمراء الذين أهدروا ركلات الترجيح أو فرصاً خلال اللقاء لعنصرية شديدة للغاية عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

3 لاعبين صغار السن هم بوكايو ساكا لاعب أرسنال، وماركوس راشفور دوجايدو نسانشو ثنائي مانشستر يونايتد تعرضوا لتعليقات عنصرية عبر حساباتهم على مواقع التواصل الاجتماعي، ما دفع الشرطة لفتح تحقيقات وأصدر الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم بياناً شجب من خلاله ما حدث.

الاتحاد كتب عبر موقعه الرسمي: “المنتخب يجب أن يعامل كبطل ولا يتعرض لإهانات عنصرية”.

بعدها اضطر الاتحاد بالتعاون مع روابط الدوريات لديه في إنجلترا لتكثيف حملة “لا للعنصرية” التي أطلقها منذ وقت طويل لإيقاف ما يحدث، كما عقد أكثر من اجتماع مع منصات التواصل الاجتماعي المختلفة لمحاولة عرقلة العنصرية.

 

تقرير تويتر

المشهد تطور أكثر، حينما أصدر تويتر بياناً رسمياً أوضح من خلاله نتيجة تحليله الذي أجراه حول العنصرية والإساءة التي تعرض لها لاعبو منتخب إنجلترا خلال بطولة يورو التي أقيمت في الفترة بين شهري يونيو ويوليو.

“تويتر” قال إنه قام بإزالة 1622 رسالة تحتوي على كلمات عنصرية في 24 ساعة خلال وعقب مواجهة إنجلترا وإيطاليا.

المنصة زعمت أن ذلك هو أكبر عدد من الرسائل المسيئة التي أتت من إنجلترا ونسبة 2% فقط من رسائل الكراهية شاهدها أكثر من ألف مستخدم.

تويتر أوضح أن 99% من الحسابات تم إيقافها بواسطة الشركة بسبب المحتوى العدائي الذي نشر علناً عن طريق العمد.

 

رابطة الدوري الإنجليزي

أطلقت رابطة الدوري الإنجليزي الممتاز حملة جديدة خلال شهر أكتوبر الماضي “لا مكان للعنصرية” لتذكير الجماهير الذين وجدوا مذنبين خلال الموسم الجديد بتوجيه إهانات عنصرية، وأنه سيتم منعهم من الدخول إلى أي ملعب في بريطانيا.

الحملة كانت في الفترة من 16 إلى 24 أكتوبر، لتحديد والإبلاغ عن أي سلوك عنصري، وتوضيح دورهم بالحفاظ على اللعبة “جميلة”.

الحملة جاءت عبر كل المنصات، سواء مواقع التواصل الاجتماعي أو التلفاز، بجانب الملاعب نفسها.

 

وسبق ذلك خلال شهر أغسطس الماضي، أن أعلنت الرابطة معايير جديدة لمواجهة سلوكيات التمييز العنصري، مشددة على أن أي شخص يصدر منه أي فعل بالتمييز العنصري سيمنع من دخول أي ملعب تابع لرابطة الدوري الإنجليزي الممتاز.

الجماهير حينها كانت قد بدأت في العودة للمدرجات بعد فترة غياب بسبب تفشي وباء كوفيد19، ورابطة الدوري أعلنت حينها عقوبات جديدة للغاية، أضيفت لحملة “لا للعنصرية”، منها عقوبات كانت تطبق بواسطة الأندية فقط بشكل فردي، لتصبح جماعية وصارمة.

 

يأتي ذلك مصحوباً بزيادة التركيز على تحديد السلوك المسيء في المدرجات أو على منصات التواصل الاجتماعي والمواقع بمختلف أشكالها، بتقديم نظام شكاوى جديد للسلوكيات المسيئة بشكل عام.

العقاب سيكون مصحوباً بتوجيهات تعليمية جديدة، فأمن المباريات وعمال الملاعب سيتم تعليمهم وتوجيههم حول تحديد السلوك المسيء والعنصري، بجانب فيديو يطالب الجماهير بعدم التصفير خلال الجلوس على الركبة قبل انطلاق المباريات.

 

الجماهير والعزوف عن المدرجات

كشفت دراسة نشرها مدير الأبحاث في موقع YouGov خلال شهر أغسطس الماضي، أن واحداً من كل 8 مشجعين لا يرغب في حضور المباريات في المدرجات بسب العنصرية، على الرغم من شوق الجماهير للعودة.

موقع YouGov حينها عقد شراكة مع شبكة “سكاي نيوز” و”سكاي سبورتس” لكي يبحث في مسألة العنصرية في المدرجات، وركز على خبرة الأقليات العرقية من جماهير كرة القدم.

ووجد البحث أن ثلث الأقليات العرقية من مشجعي كرة القدم شاهدوا على الأقل مباراة في الملعب من المدرجات، واجهوا إهانات عنصرية، في حين أن هناك نسبة 8% تقول إن العنصرية حدثت لهم “مرات عديدة”، وارتفع الرقم إلى 43% حينما اتجه البحث جهة المشجعين الذين يزورون المدرجات مرة كل عام.

وفي بريطانيا وجدت دراسة أن 29% من المشجعين الذين حضروا المباريات شهدوا واقعة عنصرية لمرة واحدة على الأقل.

وحينما بحثت الدراسة حول استخدام اللغات العنصرية في المدرجات، مثل الهتافات التي تقولها الجماهير خلال المباراة، قال 41% من المشجعين الذين حضروا مباريات في الاستادات إنهم سمعوا هذه اللغة، فيما ارتفع الرقم إلى 56% بين الأقليات العرقية ومن أتى من هذه الخلفية.

واعترف 14% من جماهير كرة القدم باستخدام لغة عنصرية أثناء مشاهدة المباريات في الاستاد.

بشكل عام، 6 من أصل 10 سمعوا إهانات عنصرية قد يجدها الآخرون مهينة، في حين أن نسبة 40% قالت إنهم استخدموا هذه اللغة العنصرية بأنفسهم.

 

أستراليا

أصدرت الهيئة الأسترالية لحقوق الإنسان خلال شهر نوفمبر الماضي، توصية بتعيين مسؤولي نزاهة لكل مباراة في الدولة استجابة لتقارير عديدة رصدت قيام الجماهير بتوجيه هتافات عنصرية تجاه اللاعبين.

التوصية التي أصدرتها الهيئة الأسترالية لحقوق الإنسان لقيت استحساناً كبيراً من إدارات الملاعب والشركات والاتحادات الرياضية في الدولة، خاصة لرياضات أخرى مثل التنس والكريكت والرغبي بجانب كرة القدم.

وقال نص البيان حينها: “نحتاج لاستجابات ثابتة وقوية لعنصرية الجماهير في المدرجات في جميع الرياضات وأن نرسل رسالة موحدة بأنه لا تفاهم مع العنصرية”.

 

 

التحكيم

في شهر نوفمبر الماضي نشرت صحيفة “غارديان” البريطانية تقريراً أوضحت من خلاله أن حُكماً في نظام الاتحاد الإنجليزي يمنع أي حكم من أصول سمراء أو آسيوية من الوصول إلى مراتب الصفوة في اللعبة.

الفضيحة ضربت الكرة الإنجليزية ضربة قوية للغاية، إذ إن أكثر من حكم وفقاً كذلك لموقع Observer زعموا أن هناك عنصرية داخل جنبات الاتحاد الإنجليزي لكرة القدم، وبالتحديد في نظام الحكام، وأنه يتم التقليل من أي حكم غير أبيض ومنعه من الوصول إلى قمة هرم اللعبة.

التقرير تم تقديمه حينها إلى الاتحاد الإنجليزي الممتاز، وتضمن توجيه عبارات عنصرية بواسطة المراجعين الذين يقيمون أداء الحكام لتحديد إما ترقيتهم بين المراتب المختلفة للدوريات أو الإبقاء عليهم.

وصرح المدير التنفيذي لجمعية تحدي العنصرية في بريطانيا توني بارنيت، حسبما نقلت صحيفة “غارديان”: “قلة التنوع بين الحكام هي أكبر فشل في كرة القدم، الحكام من أصول إفريقية وآسيوية لا يحصلون على فرصة للتحكيم في فئات الصفوة”.

الإدارة الفنية

خلال شهر ديسمبر، تعرض فينسنت كومباني أسطورة مانشستر سيتي ومدرب أندرلخت، لهتافات عنصرية خلال تعادل فريقه أمام مضيفه كلوب بروغ.

 

وصرح كومباني: “خرجت من هذه المباراة وأنا مشمئز، طاقمي وأنا تعرضنا للإهانات طيلة المباراة، إهانات عنصرية، وجهت كذلك للاعبين أيضاً”.

 

رغم الجهود الكبيرة التي يبذلها الاتحاد الدولي لكرة القدم والاتحادات المحلية والقارية، فإن أزمة العنصرية فرضت نفسها في الأعوام الأخيرة على الساحة الرياضية، سواء المدرجات أو مواقع التواصل الاجتماعي، فهل تتمكن الاتحادات من وضع حل لهذه الأزمة؟


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية