حرب بوتين في أوكرانيا تؤثر في الاقتصاد العالمي وتزيل التفاؤل من مستقبل روسيا

حرب بوتين في أوكرانيا تؤثر في الاقتصاد العالمي وتزيل التفاؤل من مستقبل روسيا

في بعض الأحيان قد يكون النظر إلى المستقبل بعد عشر سنوات أسهل من توقعه بعد عشرة أيام، بل إنها الحال مع الحوادث المروعة التي وقعت في أعقاب غزو روسيا لأوكرانيا. لكن بات من الواضح، هنا في واشنطن في الأقل، أن الشعب الروسي سيواجه مستقبلاً اقتصادياً مظلماً إذا ظل النظام الحالي في السلطة.

إذ تتلخص الصورة المباشرة في دفع الولايات المتحدة بلدان الاتحاد الأوروبي إلى تشديد صرامة الرد الاقتصادي الأوروبي على روسيا. فقد تحركت ألمانيا خصوصاً في شكل جذري، ما يتناقض تناقضاً حاداً مع سياساتها المتبعة قبل بضعة أسابيع. ويبدو من غير العادي الآن أنه يجب على ألمانيا مواصلة تلك السياسة عبر استكمال خط أنابيب الغاز "نورد ستريم 2"، ولم توقف خطط التصديق عليه إلا في فبراير (شباط) 2022. واستبعدت بعض المصارف الروسية للتو من نظام "سويفت" للمدفوعات الدولية، لكننا لا نعرف إلى متى قد يدوم الحظر أو مدى اتساع نطاقه لاحقاً. إلا أننا نستطيع أن نبدأ في إلقاء نظرة خاطفة على كيفية التبدل المحتمل في العلاقات الاقتصادية الروسية مع الغرب على مدى هذا العقد، ما لم يحدث تغيير جذري في موسكو، بل إلى أن يحدث ذلك التغيير.

تتمثل نقطة الانطلاق هنا في أن الاقتصاد الروسي يتمتع بقوة أساسية بوصفه مصدراً للطاقة وبعض الموارد الطبيعية الأخرى. ويتمتع بعدد كبير من الموهوبين، بمعنى وجود قوة عاملة متعلمة ورائدة في الأعمال ونشطة، لكنها لا تستطيع أن تنشر مواهبها بالكامل إلا إذا دمجت روسيا في الاقتصاد العالمي. والآن، سيكون فعل ذلك أصعب عليهم. وإذا قيض لروسيا أن تزدهر، سيكون عليها أن تنتقل من بلد منتج للمواد الخام إلى اقتصاد للمعرفة.

في الأعوام المقبلة، ولى افتراض عدم حدوث أي تغيير في النظام، ستجد روسيا نفسها وقد عزلت بواسطة عدد من الطرق. تحتاج أوروبا إلى الغاز الروسي الآن، وبغض النظر عما سيحدث في الأسابيع المقبلة، أتوقع صدور التكليف بتشغيل "نورد ستريم 2" في نهاية المطاف. في المقابل، ستنوع أوروبا مصادرها من الطاقة. إنها مضطرة إلى ذلك. وسيكون الاستثمار الداخلي، سواء بالمال أو بالمعرفة، ضئيلاً للغاية في إنتاج الطاقة الروسية. وهناك دوماً سوق للنفط والغاز. ولم تمنع العقوبات إيران من تصدير النفط. بيد أن روسيا ستجد نفسها تصدر مزيداً من الطاقة إلى الصين وربما الهند، وليس إلى سوقها الطبيعية في أوروبا. ومع ابتعاد العالم عن الاعتماد على الوقود الأحفوري ستصبح ثروتها النفطية من الأصول الأقل أهمية، وستصبح البلاد أكثر فقراً قليلاً، بالمقارنة مع حالها إن تصرفت بخلاف ذلك.

 

وتتمثل ريح معاكسة أخرى في غياب الوصول إلى أسواق رأس المال الغربية. إذ تستطيع البلدان التي تتمتع بموارد طبيعية دوماً إيجاد الأموال اللازمة للاستثمار. في المقابل، إذا لم يكن لدى بلد ما القدرة على الوصول إلى الغرب، فسيضطر إلى الاعتماد، مرة أخرى، على الصين. ووفق ما اكتشفت بلدان عدة في "مبادرة الحزام والطريق"، قد تكون هناك شروط قاسية مرتبطة باستثمار كهذا. وتعد روسيا والصين شريكين غير متكافئين، وستدرك روسيا من يحتل الموقع الأول.

في سياق متصل، قد يتمثل التحدي الأكثر صعوبة الذي تواجهه روسيا المعزولة عن الغرب في الافتقار إلى القدرة على الوصول إلى التكنولوجيا. وقد شكل ذلك أحد الأسباب الرئيسة التي جعلت الغرب يتقدم على الاتحاد السوفياتي والبلدان التي دارت في فلكه في السبعينيات والثمانينيات من القرن العشرين. فقد وجدت أوروبا الشرقية نفسها في فقر متزايد بالمقارنة مع أوروبا الغربية، ويرجع هذا إلى حد كبير إلى عدم قدرتها على استخدام الكمبيوترات لرفع الإنتاجية.

لكن الأمر يختلف الآن، لأن هناك مصدراً بديلاً للتكنولوجيا. مرة أخرى، إنها الصين، التي اكتسبت من نواحٍ عدة مقدراً كبيراً من معارف الغرب. وهناك مسألة منفصلة تتعلق بمسألة مدى تمتع الولايات المتحدة بالحكمة إذ تسمح بحدوث ذلك، لكن أميركا لا تزال زعيمة تكنولوجية في غالبية المجالات، ومن المرجح أن تنافس الصين بمقدار أعظم من القوة في السنوات المقبلة.

وفي ملمح متصل، تبين نظرة إلى ما بعد عشر سنوات من الآن، عودة روسيا وقتذاك إلى الموقع الذي كانت فيه عام 1980، بمعنى أن تكون متخلفة في شكل متزايد عن الغرب. لا ينبغي لنا أن نقلل للحظة واحدة من طاقة الشعب الروسي وذكائه. وتتبدى النقطة المهمة ببساطة في أنه سيجد نفسه في مواجهة رياح معاكسة متزايدة القوة، إذ يحاول الحفاظ على مستويات معيشته، مع إخراج بلاده تدريجياً من الأسواق العالمية. ولن تكون هناك نقطة تحول واضحة وحيدة، بل مجرد خسارة تدريجية للقدرة التنافسية مع ما يترتب على ذلك من خسارة للفرص المتاحة لشعبها.

ثمة نقطة إضافية. ستجد روسيا صعوبة، بل استحالة، في اجتذاب المهاجرين الماهرين من الخارج، لذلك سيكون لزاماً عليها أن تدير الأمور بالاستعانة بمجموعة المواهب المتاحة لديها. ولن يكون هذا وصفة للنجاح الاقتصادي أبداً، لكنه يصح خصوصاً نظراً إلى حاجتها إلى الابتعاد عن اعتمادها على الصادرات النفطية.

يواجه الشعب الروسي مستقبلاً كئيباً على نحو متزايد في ظل النظام الحالي، إذ تصبح بلاده أقل أهمية في العالم. ويتلخص التحدي الذي يواجهه الآن في كيفية إصلاح حكومته.

 

ـــــــــــــــــــــــــــــــ

كاتب ومذيع، فاز بالعديد من الجوائز بما في ذلك لقب "صحافي العام في مجالي الأعمال والمال" في حفل جوائز الصحافة البريطانية.

 

نقلا عن اندبندنت عربية


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية