«جسور إنترناشيونال للإعلام» تعقد ندوة دولية بجنيف حول "الإعلام والعنصرية" (صور)

«جسور إنترناشيونال للإعلام» تعقد ندوة دولية بجنيف حول "الإعلام والعنصرية" (صور)
ندوة "الإعلام والعنصرية"

عقدت منظمة "جسور إنترناشيونال للإعلام والتنمية"، الأربعاء الماضي، بمدينة جنيف بسويسرا، ندوتها الدولية الثانية لمناقشة قضايا الإعلام والعنصرية وما تمثله من جدلية مستمرة في تناول قضايا التمييز والعنصرية في الإعلام العربي والدولي.
وتضمنت الندوة -التي تأتي على ضوء انعقاد الدورة التاسعة والأربعين للمجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة، وبمناسبة اليوم العربي لحقوق الإنسان الذي يصادف السادس عشر من مارس- تم استعراض الأبعاد الحقيقية لهذه القضية من منظور حقوقي، وفي إطار ما تنص عليه جملة التشريعات والصكوك الدولية المعنية بحقوق الإنسان، لا سيما مع التوسع الذي يشهده العالم من حيث سبل وقنوات ووسائل الاتصال والإعلام، والممارسات المختلفة التي تعبر عن فهم متفاوت لحرية الرأي والتعبير وممارستها بأشكال وصور لا تعبر عن فهم دقيق وممارسة رشيدة للقيم والمبادئ السامية التي أكدت عليها التشريعات الدولية المعنية بحقوق الإنسان.
وشهدت الندوة مشاركة العديد من الخبراء الدوليين المختصين في قضايا الإعلام والتطرف والعنصرية، وتناولت عدداً من المحاور المرتبطة بالإعلام والتمييز والعنصرية، وشهدت اهتماماً من وسائل الإعلام السويسري وتفاعلاً واسعاً من المختصين والمشاركين والمهتمين بقضايا الإعلام وحقوق الإنسان.
افتتح الندوة رئيس منظمة جسور إنترناشيونال للإعلام والتنمية، محمد الحمادي، حيث تناول أهمية دراسة وفهم جميع البواعث والأسباب التي تقف وراء ظاهرة تفشي خطاب العنصرية والتمييز بجميع صور وأشكال الإعلام التقليدية والحديثة، والعمل على توحيد الجهود لمعالجة قضايا التمييز والعنصرية التي بدأت تنتشر بالإعلام.


وأشار الحمادي إلى أنه لا مكان ولا جغرافيا للعنصرية، كما أنها ليست مرتبطة بزمان معين، مؤكداً أهمية الدور الذي تقوم به مراكز الدراسات والبحوث ومنظمات المجتمع المدني في تأطير كل الظواهر السلبية المتعلقة بالممارسات الإعلامية وتجاذباتها المرتبطة بحقوق الإنسان، مؤكداً أن العنصرية والتمييز لم تقف اليوم خارج حدود القارة الأوروبية التي تعمل على تكريس ممارساتها وسياساتها بما يتوافق والنهج القائم على احترام وتعزيز حقوق الإنسان وضمانة تمتع الجميع بها دون تمييز، بل إنها اليوم تبدو أكثر وضوحاً في القارة الأوروبية عن مثيلاتها في كل مناطق العالم.
واستشهد رئيس منظمة جسور إنترناشيونال للإعلام والتنمية بالنماذج التي أفرزتها الممارسات الإعلامية لبعض وسائل الإعلام، وآخرها ما صدر عن صحفيين وإعلاميين بارزين يعملون في بعض المؤسسات الإعلامية الغربية العريقة، في إطار تغطيتهم للغزو الروسي لأوكرانيا، حيث وقع أولئك الإعلاميون في فخ العنصرية التي يتم التحذير منها دائماً.
وأكد الحمادي أهمية تضافر كل الجهود وتعزيز العمل المشترك لمواجهة هذه الظاهرة والسعي لترشيد كل الممارسات الإعلامية والصحفية، وبما يتوافق مع القيم والمبادئ الإنسانية والأخلاقية والإعلامية، وبما يحقق للجميع -دون تمييز- حقوقهم الإنسانية ويضمن لهم معاملة عادلة ومتساوية بغض النظر عن لونهم أو هُويتهم أو دينهم.



دور مؤسسات المجتمع المدني

ومن جانبه، تحدث الباحث الدولي في علم الاجتماع والمتخصص في قضايا العنصرية والتمييز، سعيد بوعمامة، عن أهمية بعث قضايا الإعلام والعنصرية من قبل منظمات المجتمع الدولي، لا سيما مع ما تشهده أوروبا من تمييز يهدد التنوع المجتمعي السائد بها، ويقلص من الالتزام بالقيم والمبادئ التي سعت الدول الأوروبية إلى تكريسها طوال سنوات من تاريخها وحضارتها.
وأشار بوعمامة إلى أهمية التصدي لظاهرة التمييز والعنصرية التي بدأت في البروز، لا سيما بالخطاب الإعلامي، وأضحت تهدد المجتمع الدولي والمجتمعات الأوروبية تحديداً، وتؤطر للعديد من التحديات التي يجب العمل على مواجهتها، لا سيما من خلال التركيز على الإعلام ودوره في تعزيز أو معالجة هذه الظاهرة المتنامية.
وأوضح أن الفكر العنصري يهدد الاستقرار في العالم وبالأخص في القارة الأوروبية التي تقوم مجتمعاتها على التنوع وتتصف سياستها بالشمولية، مؤكداً أهمية سعي المجتمعات الأوروبية إلى تعزيز منظومتها القيمية، لتجنب الوقوع في الصراعات المجتمعية، لا سيما مع التحولات السياسية التي تمر بها القارة الأوروبية والتوجهات الخطيرة للميل نحو اليمين المتطرف.
 

استهداف المسلمين
ومن ناحيته، استعرض أستاذ العلاقات والعلوم السياسية والإنسانية بجامعة باريس، الدكتور أوليفي جراموزو، تجربته الشخصية في إطار قيامه بمهامه كخبير بالاتحاد الأوروبي لقضايا خطاب الكراهية والتطرف والحقد والاندماج الاجتماعي، مؤكداً أن المسلمين وبعض الفئات العقائدية أصبحوا اليوم هدفاً سهلاً للخطاب العنصري والتمييزي لدى الإعلام الغربي، وذلك نتيجة للتطورات الاجتماعية والاقتصادية التي تشهدها أوروبا بالخصوص.


وقال جراموزو، إن هناك من يعتقد أن الهجرة العربية والإفريقية لأوروبا أجهدت الاقتصاد الأوروبي، وإن الأمن الأوروبي بات مهدداً بحكم هذه الثقافات الدخيلة على أوروبا، لا سيما الثقافة الإسلامية أو ما يسمى بحركة الإسلام السياسي التي تتحمل أيضاً المسؤولية عن هذه الممارسات العنصرية وتعزيز خطاب الكراهية بالإعلام الغربي، وبالأخص المسلمين والعرب لسعيهم لاستغلال الأجندات العربية والإسلامية بالعديد من الدول الإسلامية، ومحاولاتهم من خلال هذه الحركات ممارسة شكل من أشكال الضغط السياسي والداخلي، وتسخير عدد من الأجندات التي مارستها بعض التنظيمات الإسلامية والعربية، وهو ما تسبب في ضياع الفرص على المجتمعات العربية والإسلامية للتوحد وتنظيم ممارساتهم وعملهم على نحو يبعدهم عن الصراعات الإقليمية والسياسية أو ما يوصف بالإسلاموفوبيا.
وأشار إلى أن المجموعة الأوروبية أدركت من خلال التقارير التي تم إعدادها لرصد الظواهر المجتمعية وقياس مؤشرات الاندماج المجتمعي من قبل الاتحاد الأوروبي، أسباب صعود العنصرية والطائفية ولكنها لم تفعل شيئاً، ولم تسعَ لتفاديها، بل سعت لتكريس التمييز بين الأحياء والطوائف والمجتمعات، وهو ما يهدد وحدة ومستقبل أوروبا، مشيداً بالدور الذي تقوم به "جسور إنترناشيونال" على هذا الصعيد، داعياً إلى مواصلة اللقاءات والبحث عن حلول لمواجهة خطاب الكراهية في الإعلام.

العنصرية ممارسة جمعية 
وفي كلمته، قال المستشار والخبير الدولي في الإعلام رئيس وكالة الصحافة الفرنسية لأكثر من 25 عاماً، المتخصص في التحقيق بمناطق الصراعات والحروب، جون بيير، إن العنصرية ممارسة جمعية لكل المجتمعات الإنسانية وليست حصراً على المجتمعات الغربية والأوروبية أو نوع محدد من المجتمعات الإنسانية، بل هي نتاج طبيعي لواقع سياسي واقتصادي واجتماعي وثقافي وفكري تعيشه المجتمعات وتتفاعل معه لتحقيق واقع أفضل يحقق لها ما تصبو إليه من تطلعات.
وأكد بيير، أنه -ومن خلال تجربته في العمل بالعديد من الدول العربية والخليجية والآسيوية والإفريقية- لاحظ أن العنصرية متجذرة في الخطاب الإعلامي والممارسات المجتمعية بشكل بارز، مشيراً إلى أن الحرب على العنصرية لا تستهدف التركيز على المهاجرين والمغتربين أو الأقليات تحديداً، أو معالجة التمييز القائم على الأصل أو النوع كالمواطن الأصلي والمواطن غير الأصلي.
وأوضح أن التمييز والعنصرية في إفريقيا -على سبيل المثال- يأخذ الصورة النمطية للمواطن الأسود على حساب المواطن الأبيض، كما أن هناك عنصرية في العديد من دول الشرق الأوسط وشمال إفريقيا تأخذ شكلاً آخر يتمثل في التمييز والعنصرية تجاه العمالة الأجنبية أو العاملات بالمنازل، أو تنطلق من صور عدَّة ومتنوعة كالتمييز القائم على اللون أو الأصل أو النوع أو الجنس على سبيل المثال، داعياً إلى ضرورة فهم قضايا العنصرية والتمييز بشكل حقيقي بعيداً عن النمطية التي تفترض أن المواطن الأوروبي هو الفاعل الوحيد والباعث الرئيسي لقضايا العنصرية والتمييز بالعالم.



 

إعلام موجَّه
ومن جانبه، قال الوزير الأسبق وأستاذ القانون والعلاقات الدولية الدكتور حاتم بن سالم، إن أوروبا تسعى من خلال عدد من الممارسات الإعلامية للهيمنة على الصورة النمطية للإعلام الموجه للرأي العام، وإن هناك سعياً حثيثاً من القيادات المجتمعية والمثقفين لتوجيه وسائل الإعلام الأوروبية إلى ممارسات معيارية تهدف لتقييم الآخرين، وهذه الإرادة تتأتى عن أحكام مسبقة تقوم على فهم سلبي لمقدرات وعطاء الآخر، خاصة في الشرق والدول الأوروبية.
وأكد بن سالم، أهمية فهم البواعث الحقيقية لهذه الممارسة السلبية المرتبطة بالإعلام والعنصرية، مشدداً على أن التحرك الدولي أصبح ضرورياً لترشيد كل الممارسات المرتبطة بالحق في ممارسة حرية الرأي والتعبير، لكيلا يكون الحق في التعبير تجريحاً وتقزيماً للآخرين على سبيل المثال، داعياً إلى إرساء الحوار ما بين الدول والشعوب والمؤسسات لتشخيص هذا الواقع المرير، ووضع آليات فكرية ومنهجية للتصدي له.

لوبي متطرف
وقال الباحث في جامعة اكس بيرومانس بمرسيليا ومعهد الدراسات الاجتماعية بباريس، ميتسون كيسر، إن ظهور المقالات والأقلام التي تخترق كل القيم العملية والأخلاقية والاجتماعية المتعلقة بالعمل الصحفي يرجع لتغلل اللوبي اليميني المتطرف بأجهزة الدول الأوروبية والمؤسسات الإعلامية.
واستشهد في هذا الإطار بالتحولات التي حدثت في العديد من الصحف الأوروبية نتيجة للأزمات المالية التي مرت بها أو بسبب ضعف التمويل، وهو ما أدى إلى سيطرة رؤوس الأموال على هذه الصحف والوسائل الإعلامية، وتسخيرها لخدمة الأجندات الانتخابية المتطرفة لليمين الأوروبي.




انعكاس الواقع
وقال أستاذ العلاقات الدولية والمشرف على قسم دراسات الإرهاب والتطرف بجامعة باريس، الدكتور أمين سيتول، إن الدراسات أثبتت العلاقة بين خطاب التطرف والعنصرية الذي يُبث في أحيان عدة عبر القنوات المرئية والمسموعة أو من خلال الصحف والجرائد المكتوبة، وبين الواقع المعاش بالمجتمعات الإنسانية، مشيرًا إلى أنه انعكاس طبيعي للواقع الذي يتم تناوله من خلال الإعلام المتمثل في المقالات والخطابات التي تنشر بمختلف وسائل الإعلام، والتي تتضمن الكثير من التطرف والعنصرية والتمييز التي تسهم بدورها أحياناً في إيجاد غطاء للأطراف المتشددة التي تقوم بتنفيذ الأعمال الإرهابية التي تستهدف المواطنين الأبرياء.


مواجهة العنصرية 
ومن جانبه، أكد الناشط الحقوقي بيرتي فينوا، ضرورة التحرك السريع لمواجهة خطاب العنصرية بكل وسائل الإعلام بجميع صورها وأنواعها وكذلك وسائل الإعلام الرقمية والاجتماعية، مشدداً على ضرورة أن تكون المدرسة منطلقاً رئيسياً من بين كل الميادين التي تستقطب تعزيز الجهود المجتمعية نحو ترشيد وتهذيب كل الممارسات الإعلامية وبما يعزز من مواءمتها مع القيم والمبادئ الإنسانية السامية، ويعزز من جهود المجتمع المدني ولا سيما النخب المجتمعية من الكتاب والمثقفين والقيادات الفكرية والسياسية للعمل على مواجهة ومحاربة العنصرية والتمييز بجميع الممارسات الإعلامية، إضافة إلى تفعيل دور المدرسة والتأكيد على خطورة تأثر التلاميذ بما يسمعونه ويشاهدونه من مواد إعلامية تستهدف الأقليات العرقية والدينية، والتفاعل معها سلباً أو إيجاباً، مشدداً على أهمية أن تكون المدرسة مكاناً للعمل من أجل الارتقاء بمحاربة خطاب العنصرية والتمييز بالمجتمع.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية