تبادل المأكولات الرمضانية وإفطار العائلات.. موروث عربي لم يصمد بوجه الغلاء

تبادل المأكولات الرمضانية وإفطار العائلات.. موروث عربي لم يصمد بوجه الغلاء

"جسور بوست" تحدثت مع مسؤولي أسر في الوطن العربي عن الأزمة

الأردن يتخلى عن المنسف والمقلوبة لارتفاع أسعار السلع الرئيسية

الخبز أول الغائبين عن مائدة تونس وقلق سوري من عدم الصمود في وجه الغلاء 

فلسطين تلجأ إلى ضبط سلوك الإنفاق الشرائي وتعود للأكلات الشعبية منخفضة الثمن

الأسر المصرية تتخلى عن تقليدها العائلي وتجميعاته على وجبة الإفطار في البيت الكبير

 

قديمًا كانت العائلات في البلاد العربية تتجمع في ليالي رمضان، إما على وجبة الإفطار وإما قبيل منتصف الليل، تحضر كل أسرة ما تيسر من أطباق، وتستعرض بشكل فلكلوري أشكال وأصناف الوجبات الرمضانية المتنوعة، وعلى مذاق تلك الأطباق تدور الحكايا والسهرة.

يأتي رمضان هذا العام وسط عدد من الأزمات الدولية الكبرى فجرها الغزو الروسي لأوكرانيا، إذ تسببت الحرب في مشكلة عالمية في الغذاء والطاقة، ما جعل شعوب بأثرها تجد نفسها عاجزة عن توفير كلفة موائد الإفطار الغنية بأطباقها الرمضانية، بعدما فاقمت الحرب أزمات الغذاء الموجودة بالأساس في دول عدة وخصوصًا في المنطقة العربية بشكل يُفسد أجواء الشهر الكريم.

بشكل خاص يؤثر ارتفاع الأسعار بشدة على اللاجئين وغيرهم من الفئات المتضررة في المنطقة.

وذكر برنامج الأغذية العالمي أن قرابة 90% من 1.5 مليون لاجئ سوري في لبنان يعيشون بالفعل في فقر مدقع ويعتمدون على المساعدات الغذائية، كما يشعر بالقلق اللاجئون السوريون في مصر البالغ عددهم نحو 130 ألفا وسط تعداد سكاني تجاوز 100 مليون نسمة.

ومصر عادة هي أكبر مستورد للقمح في العالم، وتضررت بفعل ارتفاع حاد في أسعار القمح العالمية بسبب الحرب في أوكرانيا. 

يؤثر ارتفاع أسعار الغذاء أيضا على الجمعيات الخيرية التي تكثف مساعدة الأسر الفقيرة في رمضان عادة.

"جسور بوست" حاورت العديد من مسؤولي الأسر في عدة دول للوقوف على أبعاد الأزمة وتأثيرها على الموائد الرمضانية في الوطن العربي.

مائدة الأردن بلا منسف

سامر طه من الأردن يتساءل، كيف سيعد الصائمون مائدة رمضان؟ فالطحين والخبز ارتفع ثمنهما، وكلفة زيت الطهي والسكر وغيرها ارتفعت أسعارها بشدة، ما أصاب الكثيرين بحالة من الإحباط، الأردن ليس دولة زراعية، وليست لدينا موارد ولا نفط، هي دولة يعتمد اقتصادها على الخدمات، فمن الطبيعي إذن اختفاء الوجبات ذات التكلفة المرتفعة والتي كانت قديمًا وجبات رئيسية على الموائد الأردنية، كالمنسف والمقلوبة وغيرها من الأطعمة".

القاهرة تتخلى عن عاداتها الرمضانية

"رمضان في مصر حاجة تانية"، هكذا عودتنا القاهرة وهكذا تغنى العاشقون بمدينة المعز الساهرة، إلا أن الأمر ووفقًا لعزة محمد من القاهرة، أصبح مغايرًا بسبب ارتفاع أسعار السلع الغذائية، فتخلت الأسر المصرية عن تقليدها العائلي وتجميعاته على وجبة الإفطار في البيت الكبير أو عند الخال أو العمة.

في الصعيد وبحري اعتادت الأسر في أول يوم من رمضان الإفطار على وجبة "محاشي" بكل أنواعه ولحوم بكل أنواعها، سلطات بكل أنواعها وبكميات كبيرة، كل هذا تم التراجع عنه، للأسف عزومة العائلة ولأول مرة لم يدعو لها أحد.

كذلك اعتدنا شراء جميع المكسرات بكل أنواعها للتسالي أمام المسلسلات الرمضانية، حاليًا حل مكانها السوداني واللب فقط، كذلك الخُشاف وقمر الدين والتين المجفف، نكتفي الآن بالبلح مع اللبن.

وتضيف: "أثرت الأزمة على سفرة السحور، حيث كانت تزين الموائد جبن الريكفورد والرومي والشيدر والبيض الذي يُصنع بأكثر من طريقة، فأصبحنا لا نأكل سوى الجبن الأبيض العادي، حتى إن طبق السلطة أصبح مكلفًا، كيلو الطماطم بعشرين جنيه.

وتتابع: "أثرت الأزمة على موائد الرحمن المجاورة لمنزلي بحي السيدة زينب، قديمًا كانت تقدم كميات لحوم وأكلات متنوعة، الآن اختلفت وجبات الرحمن بشكل كبير، بعضها لا يقدم سوى طبق العدس أو الفول وبعضها يقدم الأكل بدون لحوم".

تأثرت كذلك الاحتفالات وعملية الشراء بعد صلاة التراويح، ومحلات الحلويات الشرقية التي تشتهر بها القاهرة في رمضان، البعض يعتمد كميات قليلة، والبعض لجأ إلى بدائل.

هل تصمد سوريا؟

آلاء إياد من سوريا تصف الأزمة بـ"الكارثة"، وتضيف: "من العادات الرمضانية التي نفتقدها اليوم، تبادل الأطباق بين الجيران، في حارتنا القديمة، كانت السفرة الرمضانية تتلون بالأطباق التي يرسلها الناس من حولنا، كل طبقٍ يمثل نكهة ومذاقًا وأسلوب حياة. 

بسبب الغلاء غابت المكسرات واللحوم بسبب الضغط الاقتصادي، فكيف لهم بصنع سفرة إفطار وهناك موجة غلاء عالية شملت حتى الخضار، هذا الحال ذهب ببهجة الشهر العظيم، فبدلًا من كونه مصدرًا للبهجة، أصبح عبئًا إضافيًا يؤثر علينا كشعب".

قالت اللاجئة السورية نورهان حسن، "لن نصمد"، مضيفة أنها تخشى استمرار ارتفاع الأسعار إذا استمرت الحرب.

لا مقلوبة على المائدة الفلسطينية

يقول هيثم أحمد من فلسطين، العزومات في رمضان كانت لدينا كما كانت في مصر، فالبيت الفلسطيني كان مكتظاً بها على الدوام، فما إن تمشي في حارة أو شارع حتى تشتم رائحة الإرث الحضاري والتاريخي المنبعثة من المائدة، ومن أطباق اشتهرت بها المناطق الفلسطينية بشكل عام، بما فيها: الفوارغ أو ما تسمّى في مصر بـ"الكوارع"، والقِدرة الخليلية، والمفتول أو"كسكس"، والمنسف، والمسخن.

لكن الأمر اختلف رمضان هذا العام تحت وقع الظروف الاقتصادية من ارتفاع أسعار السلع الاستهلاكية الرئيسة، التي أدت إلى ضبط سلوك الإنفاق الشرائي اليومي لدى غالبية الأسر، والعودة إلى الأكلات الشعبية التقليدية منخفضة الثمن. 

المشكلة أن الحرب الروسية الأوكرانية سبقتها أزمة كورونا، وما فرضته من ارتفاع أسعار بعض السلع الغذائية وتوقف أصحاب المهن الحرة من الذين فقدوا مصادر دخلهم، إضافة إلى بعض العائلات التي توقفت أيضا أعمال عدد كبير من معيليها، بسبب تداعيات الجائحة، تأثيرًا واضحًا وتغييرات متعددة طغت على أهم الموروثات الاجتماعية التقليدية، التي كانت جزءا من المظاهر المحببة والمألوفة لدى أبناء المدينة، في الشهر الفضيل.

 فقد لجأت بعض العائلات في المدينة إلى تغيير أنماط الغذاء داخل المنازل، من خلال التوازن والاعتدال في ترشيد الإنفاق الاستهلاكي في المواد التموينية، وابتعادهم عن الكماليات واعتماد الحاجيات الأساسية قليلة التكاليف، بعد أن حرمت هذه العائلات التي تعتمد على الأجر اليومي من التسوق وشراء احتياجاتها الضرورية.

الخبز أول الغائبين بتونس

ألفة أحمد من تونس تقول: "اختلف الوضع في رمضان هذا العام عن الأعوام السابقة، حيث غاب كثير من الأصناف عن المائدة التونسية، ولعل ما حدث أول رمضان أنذر بهذا الوضع، حيث اصطفت طوابير طويلة أمام عدة مخابز في العاصمة تونس، للحصول على الرغيف، وقبلها وعلى مدى  أسابيع، افتقدت الأسواق في تونس عدة مواد أساسية مثل السميد والدقيق والزيت المدعم وبدرجة أقل السكر والأرز.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية