«جسور بوست» تحاور اقتصاديين حول أزمة رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة وتأثيرها على الشعوب

«جسور بوست» تحاور اقتصاديين حول أزمة رفع الفيدرالي الأمريكي للفائدة وتأثيرها على الشعوب

أثار قرار الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي، رفع الفائدة 50 نقطة أساس، أو نصف نقطة مئوية، حالة من القلق في شتى أنحاء العالم، خاصة لدى الدول النامية بشأن التداعيات الاقتصادية المحتملة لهذا القرار، وتأثيره على الدول الأخرى، خاصة أنه من المتوقع أن تعقبه خطوات مماثلة هذا العام في محاولة من قبل الولايات المتحدة لاحتواء آثار التضخم الذي بلغ مستويات قياسية، ولتعزيز مكاسب الدولار. 

وبدورها، قالت وكالة أسوشيتدبرس: "إن قيام الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي برفع معدل الفائدة، لا يتوقف تأثيره على دفع مشتري المنازل الأمريكيين مزيدا من الأموال، أو مواجهة أصحاب الأعمال قروض بنكية أكثر تكلفة، بل إن تداعياته تتجاوز حدود أمريكا وتؤثر على المتسوقين في سيرلانكا والمزارعين في موزمبيق والعائلات في الدول الأكثر فقرا حول العالم، ويتراوح التأثير في الخارج ما بين تكاليف إقراض أعلى إلى خفض قيمة عملات". 

وفي تصريحات متتالية قالت المديرة التنفيذية لشبكة (جوبيل يو إس إيه)، وهو تحالف من المنظمات الساعية للحد من الفقر، إريك لوكومب: إن هذه الخطوة ستفرض ضغوطا على كل أنواع الدول النامية. 

وكان المدير العام لصندوق النقد الدولي "كريستالينا جورجيفا" قلقة الشهر الماضي لتحذر الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي والبنوك المركزية الأخرى ذات معدل الفائدة المرتفعة بضرورة إدراك المخاطر التي ستتعرض لها الاقتصادات النامية والناشئة.

ومن المرجح أن يرفع بنك الاحتياطي الفيدرالي سعر الفائدة نصف نقطة أخرى في اجتماعه المقبل في يونيو، وربما يتكرر ذلك في الاجتماع الذي يليه في يوليو، حيث يتوقع الاقتصاديون استمرار ارتفاع أسعار الفائدة خلال الأشهر التالية. 

"جسور بوست" حاورت اقتصاديين لقراءة المشهد الاقتصادي وللحديث حول الأحداث الاقتصادية الحالية، وتأثير رفع سعر الفائدة على الأسواق الناشئة والشعوب ووضع "روشتة" إنقاذ للخروج من مشكلات رفع الفائدة.

التكامل الاقتصادي هو الحل

الخبيرة الاقتصادية هدى الملاح، قالت: "قبل رفع الفائدة أمريكا رفعت الطاقة، وهو ما أثر تاثيرًا سلبيا كبيرًا وسبب تضخمًا، والتضخم يعني وجود السلعة في الأسواق دون استطاعة المواطن شراءها، وأستشعر أن وراء ما يحدث سياسة اقتصادية تتخذها أمريكا جراء رفع دول الخليج لأسعار البترول، بالإضافة إلى تداعيات الغزو الروسي لأوكرانيا، فالعالم يواجه أزمات منذ عامين بداية من كورونا والتي تسببت في شلل عالمي وتوقف التصدير والاستيراد، وبدأت الدول تستنفز احتياطياتها من الأغذية والمنتجات، خاصة دول الغرب".

وتابعت: "لهذا ولكي يمتص الفيدرالي التضخم، كان من الضروري تحريك معدل الفائدة، وهو ما أثر سلبيًا على اقتصاد العالم كله، وهناك ما يسمى بالأموال الساخنة، وهي عبارة عن أذونات خزانة تجوب العالم بحثا عن أعلى معدل فائدة، وهي أمريكا، فكلمة السر وراء ذلك هو الاقتصاد الأمريكي، وعليه رفعت الإمارات والكويت والبحرين والسعودية، ودول أخرى". 

ودعت الملاح إلى ضرورة عمل من دراسة جدوى جديدة تعطي الأولويات أهمية، كمنع الاستيراد والاهتمام بالصناعات الصغيرة والمستثمر الصغير وزيادة الإنتاج في ما هو أولوية أو يمكن تصنيعه داخل البلاد كمنع استيراد لعب الاطفال وتصديرها داخليًا، ومصر من الدول التي غيرت إستراتيجياتها وبدأت في زراعة المنتجات الإستراتيجية، وقد صرح المجلس العالمي للذهب، بأن مصر أكبر دولة لديها مخزون من الذهب خلال 2022، كتنويع سلة العملات وهي صفعة على وجه على كل من يحاول النيل للاقتصاد المصري.

وأضافت: "أتمنى من مصر ودول الخليج التعاون أن يكون هناك تكامل اقتصادي، فلا وقت للنزاعات، وأمريكا تحتاج إلى دول الخليج، بسبب البترول، أهم سلعة إستراتيجية يعيشون عليها".

وعن مصر تحدثت هدى: "لدينا وسائل أمان في كل ميدان من ميادين مصر توجد بضائع تابعة للقوات المسلحة، تنافس أصحاب المحلات والتجار المحتكرين، كذلك يجب الاهتمام بالمستثمر الصغير، هناك موجات غلاء جديدة ويجب الاهتمام بالإنتاج وتيسير الإجراءات للأفراد بحيث ننعش مشاريعهم، أيضًا لا بد أن نهتم بالدراسة التسويقية والصناعات الصغيرة، وتدريب المستثمر الصغير لئلا يفشل".

تشجيع الاستثمار

الخبير الاقتصادي وأستاذ الاقتصاد بجامعة الزقازيق، أحمد جمعة، قال:" إنه من الصعوبة التكهن بقرار البنك المركزي المصري القادم وإن كان من المرجح مزيد من الرفع لتفادي تناقص الفائدة الحقيقية مع ارتفاع معدلات التضخم بشكل كبير، وهناك توقع بأن يشهد سوق أدوات الدين في الأسواق الناشئة تخارجاً كبيراً من قبل الأجانب، وذلك لأن السوق الأمريكي سيوفر لهم عائداً جيداً ونسباً منخفضة من المخاطرة مما يضغط على مصادر العملة الأجنبية محليا، ويقلل من قيمة عملات الأسواق الناشئة مما يرفع أسعار السلع، ونشهد زيادة أخرى في معدلات التضخم، بالإضافة إلى تذبذب كبير في أسعار الذهب عالميا.

 وتابع جمعة: "رفع سعر الفائدة من قبل الفيدرالي يعنى مزيدا من الضغوط على الدول المدينة التي ستكون مضطرة إلى سداد أصل وفوائد الديون بعملة الدولار.. وبالنظر إلى تكلفة الاقتراض في ظل اتجاه البنوك المركزية العالمية لزيادة أسعار الفائدة بدايةً يمثل الدين الخارجي البالغ 145 مليار دولار بنهاية الربع الثاني من العام المالي الجاري 2021/ 2022 نحو 30% من حجم الناتج المحلي الإجمالي لمصر والذي يبلغ 460 مليار دولار، فهناك ضرورة لاستغلال المنح والقروض التي نحصل عليها من الخارج في تمويل مشروعات ذات عائد ووفقًا لجدول زمني محدد، ووضع حد أقصى لسقف الدين. 

 وأضاف: "بجانب وضع إستراتيجية جادة لخفض الدين العام على المدى المتوسط، ومد آجال استحقاق الديون، ولخفض حجم الدين الخارجي، علينا السعي نحو تحقيق هدف ذات أهمية كبيرة وهو تشجيع الاستثمارات المحلية وتحفيزها (القطاع الزراعي والقطاع الصناعي تحديدا) وفي سبيل ذلك، نثمن اقتراح أنه يمكن للدولة أن تطور سياسات الاستثمار بما يجعل هذه السياسات شريكة للمؤسسات المالية الوسيطة في تعبئة المدخرات المحلية، وفي توجيه هذه المدخرات مباشرة للاستثمار الإنتاجي، كأن تنشئ الدولة مثلا جهازا مستقلا لتلقي اكتتابات صغار ومتوسطي المدخرين، ثم تستخدم هذه الاكتتابات في تأسيس مشروعات إنتاجية تُختار بعناية تنموية فائقة، وعند اضطلاع أجهزة الدولة بهذا الدور، ستكون كالحاضنة التي تأخذ، مؤقتا، بيد صغار المدخرين والمستثمرين، كي يستطيعوا السير بمفردهم على الطريق الصحيح للاستثمار التنموي، وعلى الجانب الآخر وبهدف تحقيق التوازن الاقتصادي الخارجي، يقع على الدولة عبء تشجيع الصادرات، مثلما يقع عليها عبء الوقوف أمام تغول أنشطة الاستيراد، وخصوصا الترفيهي منها. 

واستطرد: "وكخطوة لتشجيع الاستثمارات المحلية وتشجيع الصادرات فالحكومة عليها أن تقود تأسيس المناخ للقطاع الخاص وإذا فعلت ذلك سنجد أن القطاع الخاص يتبع استثماراً أكثر وتشغيلاً أكثر ولن يقتصر ذلك على القطاع الخاص المصري فقط بل سيمتد إلى القطاع الخاص الخارجي، والذي سيضخ استثمارات، وهذا يدفعنا لتوضيح (الأسس العلمية لتدخل الدولة في الاقتصاد) ، فتدخل الدولة في الاقتصاد لا يمكن الاستغناء عنه، لأنه في ظل غيابها ستحصل الفوضى والأزمات الاقتصادية التي أثبتتها التجارب، وهذا ما لا يقبله منطق، وعليه لا بد من وجود تدخل للدولة بشرط أن يكون هذا التدخل مبنياً على أسس علمية، حيث إن الأصل في العلاقة هو التكامل والمشاركة وليس التنافس، ويُكمن التحدي الحقيقي في إيجاد التوازن المعقول بين دور الدولة في مقابل آليات السوق وبين النشاط الحكومي وغير الحكومي وألّا يكون هذا التدخل في صورة تأميم أو مصادرة أو القيام بكل الأدوار فهناك حدود لتدخل الدولة، فمن الممكن أن تتدخل الدولة في الاقتصاد إلى الحد الذي يفضي إلى غياب عامل المنافسة".

وأكد الخبير الاقتصادي ضرورة تدخل الدولة لمحاربة الاحتكار خاصة أن الاحتكار تعاظم خلال السنوات الأخيرة لبعض السلع ما أدى إلى انخفاض جودة هذه السلع وزيادة أسعارها بشكل غير مبرر، ولأن هذا الاحتكار سيشوه آلية سير النظام الاقتصادي ايضاً ويفضي إلى ما يعرف بـ"إخفاق السوق" في حال لم تتدخل الدولة لإنهائه.. ويمكن القول إن حدود التدخل ينبغي أن تكون مقصورة على مناطق الإخفاق وليس الاقتصاد برمته لأنه في حال إطلاق حدود التدخل سيؤدي إلى تعميم الإخفاق في الاقتصاد، وعليه لا بد أن تلتزم الدولة بحدود التدخل طبقاً للمطلوب وليس لما ترغب. وتتدخل الدولة أيضا لإقامة المشروعات الضخمة ذات المخاطر العالية التي لا يستطيع القطاع الخاص القيام بها.

وأكد الدكتور أحمد جمعة أنه على الدولة ألا تألو جهدا للدفاع عن مقومات العدالة الاجتماعية، ما وجدت لذلك سبيلا، وأن العدالة الاجتماعية الرشيدة لا تعمل على رفع الطبقات الفقيرة فوق خطوط الفقر فقط؛ بل هي تسعى للحفاظ على مقدرات الطبقة الوسطى من التآكل، كما تعمد، في ذات الوقت على أن تتقارب الطبقات الاجتماعية فيما بينها، وكي لا يتسبب تباعدها عن بعضها في ضرب جهود التنمية الاقتصادية في مقتل. وأخيرًا نثمن أن مناخ الاستثمار والتنمية في مصر يحتاج إلى الجدية والاستدامة، والقدرة على تقديم منتج منافس محليا ودوليا، ويجب على المجموعة الاقتصادية تدشين خريطة جديدة تكفل فرصا استثمارية حقيقية لرجال الأعمال والمستثمرين المصريين والعرب والأجانب، تمكنهم من خلق بيئة تنموية حقيقية قادرة على خفض معدلات البطالة، وخلق فرص عمل حقيقية تناسب الشباب.

 

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية