مفاضلة تطوير التعليم أم مواجهة الفكر المتطرف بدول الربيع العربي؟

مفاضلة تطوير التعليم أم مواجهة الفكر المتطرف بدول الربيع العربي؟

باسم ثروت

 

 

بعد أن اجتاح الربيع العربي دول الشرق الأوسط كالعاصفة التي تقتلع الشجر من الجذور، تغيرت الطباع والأحوال، سقطت أنظمة وظهرت أخرى، فرغت الساحة لأصحاب خطابات التطرف والكراهية لينشروا سمومهم كما ينتشر الداء في جسد المريض الضعيف.

 

الفكر المتطرف الذي جعل الدول العربية كالمريض طريح الفراش لا يقوى على فعل شيء سوى أخذ الأدوية وصرف الأموال والوقت في مقابل علاج هذا المرض، جاعلاً حياته تفرغ من كل شيء مهم آخر، فيصبح المريض رويداً رويداً لا تشغله شاغلة في حياته إلا المرض، فإما انتصر عليه أو انتصر المرض وقتله.

 

أخذ الفكر المتطرف الدول العربية والإسلامية إلى وضع أسوأ مما كانت عليه قبل عاصفة الربيع العربي، فلم يكتفِ الفكر المتطرف بملء العقول البسيطة وحقن أبناء الوطن الواحد ليدخلوا في عداء حتى مع أنفسهم، بل امتدت تأثيراتها إلى الأداء الاقتصادي وهروب الاستثمارات، عطفاً على عدم الاستقرار السياسي والأمني.

 

ذهب الفكر المتطرف إلى ما هو أسوأ من انهيار سياسي أو اقتصادي، فضرب الدول في عماد خيمتها، ونعني بعماد الخيمة التعليم، لقد فتك الفكر المتطرف بقدرات ومقدرات الدول في تطوير التعليم، وعاد بهم إلى عصور ما قبل المصباح الكهربي إن جاز التعبير.

 

فأصبحت دول الربيع العربي في حال تعليمية يرثى لها، وهذا ما تعبر عنه المعايير والجداول الدولية التي تقيس عناصر مختلفة من التعليم مثل الجودة والإتاحة وتوافر الإمكانات التقنية، وللأسف الشديد تحصل هذه الدول على مراكز متأخرة جدا في تصنيف تلك الجداول الدولية مقارنة بالدول الأخرى.

 

صار التعليم إن وجد، يتخرج منه أفراد ليس لهم علاقة بسوق العمل، ومهارات الطلبة متدنية إلى أقصى درجة نظراً لوقوع دول الربيع العربي في مفاضلة ما بين نقيضين، إما الانتباه لتطوير التعليم أو التصدي للفكر المتطرف والإرهابي.

 

فقد صارت الدول أمام مفترقي طرق إما أن تواجه الفكر المتطرف الذي تحول بالفعل إلى إرهاب يرهب المواطنين أو أن تطور التعليم وتواكب ركاب الحداثة العالمي، فلم يكن أمام الدول سوى أخذ الخيار الأول بعد أن تحول عدد من دول الربيع العربي إلى ساحات حروب يراق في ميادينها العريقة دماء أبنائها.

 

ونتيجة لذلك، لجأت الدول لتكريس توجهاتها ومواردها الاقتصادية والسياسية وأيضاً التعليمية، أصبح شغلها الشاغل هو مواجهة الفكر المتطرف، فكما ذكر الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي في منتدى تطوير التعليم أن الفكر المتطرف كان سبباً في تعطيل خطط تطوير التعليم في الدول الإسلامية، ويدمر الشعوب وحضاراتها.

 

مجابهة الفكر المتطرف أنهكت الاقتصادات وجعلتها تهدر معظم مواردها إما في الموارد العسكرية اللازمة لمواجهة الفكر المتطرف والإرهاب الناتج عنه، أو في وضع مناهج وطرق لرفع وعي الطلاب لمواجهة الفكر المتطرف فقط دوناً عن غيره.

 

بسبب ذلك، أصبح التعليم والموارد المخصصة له في دول الربيع العربي لمجابهة الفكر المتطرف فقط، أصبح هذا هو التوجه العام للدول، عوضاً عن توجيه نفس هذه الموارد إلى تطوير التعليم ذاته على نطاق أوسع ليواكب ركاب الحداثة العالمية.

 

فكم رأينا في العقد الماضي، استخدام التعليم والمدارس والجامعات منبراً لبث الوعي ضد الفكر المتطرف، وأداة لتحصين النشء والشباب من الأفكار الهدامة، وتعزيز انتمائهم وولائهم للأوطان، نحن هنا لا نقول إن هذا شيء سيئ فقد كانت هذه الطرق فعالة إلى حد كبير في مواجهة هذا الفكر.

 

لكن ما نرمي إليه هو أن الجهد والموارد والأهم من ذلك الوقت الذين بذلوا في مجابهة هذا الفكر المتطرف، كان من الممكن أن يجعلوا دول الربيع العربي في وضع تعليمي أفضل لو كانت الظروف غير الظروف والسياقات غير السياقات.

 

إجمالاً، لا بد لمن نجا من عاصفة الربيع العربي، الخروج من وضعية مواجهة الفكر المتطرف إلى وضعية الهجوم، حتى يتم نسفه من أساساته من خلال تطوير التعليم على نطاق أوسع يشمل كل مناحي التعليم وتطوير المناهج ليس فقط لرفع الوعي وتزويد حس الوطنية لدى الطلاب، إنما لإنتاج طالب متسلح بكل وسائل العلم الحديث على دراية ومعرفة بما يدور حوله من حداثة وقادر على التعامل معها بكفاءة تامة.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية