واشنطن موسكو.. حرب باردة فرط صوتية

واشنطن   موسكو.. حرب باردة فرط صوتية

باسم ثروت

 

 

أخطأ من قال إن نهاية الحرب الباردة وانهيار الاتحاد السوفيتي، فى اوائل تسعينات القرن الماضي هي نهاية حرب التسليح بين الدول. فلقد انفردت أمريكا فى أواخر التسعينات ومطلع الألفينات بمقدرات ومسارات السياسة العالمية فراحت تثور وتجول فى ارجاء العالم تتدخل هنا وهناك تسقط أنظمة وتحيي أخرى.

 

متناسية ان هناك تنيناً صينياً، ودباً روسياً لن يتركاها تتحكم بمقاليد السياسة العالمية ومصائر البشرية وحدها، القوتان اللتان صعدتا إلى قمم السياسة الدولية بشكل لا يصدق، واحدة تملك مقومات اقتصادية وعسكرية عمالقة اكبر من تلك التي تمتلكها الولايات المتحدة الأمريكة وقد ظهر ذلك جلياً على سلاسل الإمداد العالمية في خضام فيروس كورونا حين أغلقت الصين.

 

أما الأخرى فقد ورثت ترسانة عسكرية ضخمة من سابقتها الاتحاد السوفيتي عطفاً على التقنيات والاختراعات التي تركها الاتحاد إرثاً لروسيا فلم تتوقف روسيا عن تطوير الأسلحة خاصة مع صعود بوتين لسدة الحكم، وخصوصاً الصواريخ الفرط صوتية، لكن الاقتصاد الروسي غير قوي بطريقة تجعله يجاري مثيليه الأمريكي والصيني.

 

لكن ماذا عن الأسلحة الفرط صوتية ماهيتها وما الأثر الممكن حدوثه عن استخدامها؟

 

هي عبارة عن صارويخ يمكنها الانطلاق بسرعة أكبر من “5 ماخ” أي أسرع خمس مرات من سرعة الصوت على الأقل، أي إنها قادرة على اجتياز ميل ـ 1.6 كيلومتر ـ في الثانية الواحدة، كما  يمكن لهذه الصواريخ حمل رؤوس نووية أو رأس حربي تقليدي وتدمير الأهداف بدقة شديدة دون الحاجة لوقود دافع بل باستخدام الطاقة الحركية فقط.

 

تعد الصواريخ الفرط صوية من الأسلحة الأكثر خطورة في العالم نظراً لصعوبة رصدها وتعقبها من خلال أنظمة الدفاع الجوي، كما أن سرعتها الفائقة تعطيها ميزة على نظيرتها الباليستية حيث يعتبر عامل السرعة ذا قيمة كبيرة أثناء الحروب.

 

علاوة على ذلك، فإن السرعة العالية لهذه الصواريخ الفرط صوتية وإمكانيةالتحكم بالصاروخ الفرط صوتي علي عكس البالستي، تزيد من صعوبة تتبعه واعتراضه، لدرجة تمكنها من التغلب على أعقد أنظمة الدفاع الجوي للأهداف كالدفعات الجوية لحاملات الطائرات.

 

ومنذ وقت ليس بالكثير، أشارت صحيفة فاينانشيل تايمز ألى أن الصين اختبرت قدرة فضائية جديدة بإطلاق صاروخ فرط صوتي في المدار في يوليو، كما قالت الصحيفة  إن بكين أطلقت في أغسطس صاروخاً اخر قادرا ًعلى حمل رأس نووي حلق حول الأرض على مدار منخفض قبل الهبوط صوب هدفه، وتمت عملية الإطلاق بواسطة صاروخ من طراز “المسيرة الطويلة” long march

 

وليست الصين وحدها التي تعمل على تطووير الصواريخ الفرط صوتية، بل تعمل الولايات المتحدة وروسيا وخمس دول أخرى على الأقل على تطوير التكنولوجيا الفرط صوتية.

 

لكن يبقي السؤال هنا، ما هو المميز والمخيف فى الصواريخ الفرط صوتية التي أطلقتها بكين عن الصواريخ التي تمتلكها أمريكا؟

 

تشير بعض التقارير إلى أن أحد الصاروخين دار دورة كاملة حول الأرض بسرعة تتخطي 5 ماخ وعلى ارتفاع منخفض، الأمر الذي نفته الصين تماماً. والمميز في الصاروخ الصيني يكمن فى دورانه حول الأرض دون أن تشعر أمريكا، الأمر الذي يعني أن الصين قادرة على مهاجمة أمريكا على حين غرة وعبر مسارات غير متوقعة من القطب الجنوبي مثلاً لتجنب أنظمة الدفاع.

 

وبطبيعة الحال، علقت الولايات المتحدة على التقرير، حيث أشار المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي إلى أنه لن يدلي بأي تعليق على ما ورد في التقرير لكنه أضاف «أعربنا بوضوح عن مخاوفنا بشأن القدرات العسكرية التي تواصل الصين تطويرها، وهي قدرات لا يمكن إلا أن تزيد التوتر وهذا أحد الأسباب التي تجعلنا نعتبر الصين التحدي الأول الذي يحتم تحركنا».

 

كما أكد المندوب الأمريكي الدائم المكلف بملف نزع الأسلحة روبرت وود أن الولايات المتحدة قلقة جداً لما تفعله الصين في مجال الصواريخ الفرط صوتية.

 

إن الولايات المتحدة قلقة جداً من تطوير الصين للصواريخ الفرط صوتية بشكل خاص، حيث تعتبرها التحدي الأول لها كما أشار المتحدث باسم البنتاعون، والشاهد هنا أن نصيب ميزانية تطوير الصواريخ الفرط صوتيه من ميزانية الدفاع فى أمريكا لعام 2021، تبلغ نحو 20.4 مليار دولار، هدفها تطوير نظام الدفاع الصاروخي متعدد الطبقات.

 

اجمالاً،  فإن الدولة التي ستتمكن من تطوير هذه الصواريخ بشكل يفوق نظيراتها ستتمكن من بث الرعب فى قلوب العالم كله وليس الأمريكان فقط، وهو ما فعلته الصين بالصاروخ الذي أطلقته ودار حول الكوكب دون أن يشعر به أحد، كما أشار التقرير، إلى أن التاريخ يعيد نفسه وتلوح في الأجواء المقولة الشهيرة التي تقول “من يملك القوة يملك كل شيء” ففي سابقات الأزمان امتلكت الولايات المتحدة القوة الاقتصادية والعسكرية للقضاء على الاتحاد السوفيتي ثم انفردت بمقدرات الأمور، والآن الصين باتت تمتلك القوتين الاقتصادية والعسكرية.

 

فهل سنري قرناً صينياً خالصاً أم نظاماً متعدد الأقطاب تتصارع فيه القوة الدولية فى قادم الأيام والأزمان؟


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية