تعليق حوار موريتانيا.. استمرار لمسلسل "الفرص الضائعة" بين الحكومة والمعارضة

تعليق حوار موريتانيا.. استمرار لمسلسل "الفرص الضائعة" بين الحكومة والمعارضة

رغم التعهدات والتحضيرات التي امتدت لنحو عام، أعلنت السلطات الموريتانية تعليق الحوار "التشاوري" مع قوى المعارضة إلى أجل غير مسمى، لتلوح أزمة سياسية جديدة في الأفق.

في فبراير 2021، طرحت الأحزاب الممثلة في البرلمان (12 حزبا معارضا ومؤيدا) وثيقة تضمنت خارطة طريق لتنظيم حوار بين قوى المعارضة والحكومة.

وتعهد الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، في سبتمبر من العام نفسه، بتنظيم حوار سياسي شامل، قال وقتها إنه "لن يستثني أحدا ولن يُحظر فيه أي موضوع".

وفي الوقت الذي كانت فيه الأحزاب تجري تحضيرات جلسات الحوار، أعلن أمين عام رئاسة الجمهورية يحيى ولد أحمد الوقف، في مؤتمر يوم 2 يونيو الجاري، تعليق مسار الحوار المرتقب إلى أجل غير مسمى.

وقال “الوقف” آنذاك، إن "تعليق الحوار لا يعني إلغاءه وإنما إعادة الكرة إلى الطيف السياسي للاتفاق على مسار شامل يشمل جميع الأطراف بدون استثناء أو إقصاء أي طرف".

وأثار قرار تعليق جلسات الحوار التشاوري، حالة من الاستياء والغضب لدى مختلف القوى السياسية، التي دعت لاستئناف الحوار مجددا، واصفة قرار التعليق بـ"طعنة من الخلف". 

وأفادت 6 أحزاب موريتانية، في بيان، بأن "وضع حد للاستعدادات للحوار بصورة قسرية عشية افتتاح جلساته، يضيع مجهودا كبيرا بذلته القوى السياسية مع السلطة خلال العامين الماضيين".

مبررات تعليق الحوار

وأكد البيان أن الأسباب التي قدمتها الحكومة لتبرير تعليق الحوار "حجج لا أساس لها"، مضيفا أن البلاد تحتاج إلى تكاتف الجميع أكثر من أي وقت مضى لمواجهة التحديات القائمة. 

وحملت الأحزاب المعارضة السلطات المسؤولية الكاملة، عن انهيار المسار التشاوري، وما يترتب على ذلك من أزمة سياسية من المرجح أن تضرب البلاد.

وبررت اللجنة المشرفة على الحوار الوطني (رسمية) قرار التعليق بـ"إقناع قوى المعارضة التي قاطعت الدعوة، والاتفاق بين الجميع على ملفات محددة، ليكون الحوار شاملًا ويعزز التهدئة بين جميع الأطراف".

ونقلت صحف موريتانية عن مصادر لم تسمها في نواكشوط، قولها إنه "من الممكن أن تكون السلطة لجأت لتعطيل مسار التشاور، خوفًا من تداعيات فتح ملفات تصر المعارضة على مناقشتها". 

وأوضحت المصادر أن "المعارضة تحاول فتح ملفات تتعلق بالهوية الوطنية وأسس الدولة، وبعض القضايا التي تخشى السلطة أن تبث الفرقة بين مكونات المجتمع العرقية والثقافية والاجتماعية". 

إلا أن حزب "الاتحاد من أجل الجمهورية" الحاكم، أكد أنه لم يشارك في قرار لجنة الإشراف على التشاور بتعليق الجلسات، متطلعا إلى العودة لمواصلة المسار التشاوري على أسس أكثر شفافية ومصداقية. 

إجهاض الفرصة

بدوره قال الإعلامي والمحلل السياسي الموريتاني السالك زيد، لـ"جسور بوست" إن "نظام الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني، ليس مطالبا كثيرا بالحوار مع المعارضة".

وأضاف: "بعض المسؤولين لا يرون مشكلة حقيقية بين السلطات والقوى المعارضة، بل هناك تشاور دائم بين الرئيس ومعارضيه والأحزاب السياسية ومرشحي الرئاسة السابقين". 

وأوضح زيد: "أصحاب هذا الرأي يقولون إن الرئيس يستمع للجميع ويريد التقدم للبلد وحل المشكلات الاقتصادية والاجتماعية، التي تواجه موريتانيا، ولذلك فليست هناك ضرورة للحوار أو التشاور مع المعارضة". 

وأكد أن الوزير الأمين العام للحكومة الذي كان مشرفا على الحوار، قال إن تأجيل التشاور لأجل غير مسمى بسبب عدم تفاهم المعارضة فيما بينها، وغياب بعض الشخصيات المعارضة، التي طرحت شروطًا لا مجال لها. 

ومضى مدللا بـ"مقاطعة الزعيم السياسي البارز ورئيس حزب التحالف الشعبي التقدمي مسعود ولد بلخير، جلسات التشاور بسبب مطالبته بمشاركة المجتمع المدني، وذلك بعد تحديد نقاط التشاور". 

وأشار السالك إلى أن المعارض ورئيس حركة "إيرا" بيرام الداه أعبيد، أعلن في البداية استعداده للمشاركة في التشاور، قبل أن يتراجع في اللحظات الأخيرة بسبب ما وصفه باستفزازات الدولة بشأن نزع لافتة لحزبه -غير المرخص- شمالي البلاد.

واستطرد: "اشترط  أعبيد للمشاركة أن يتم ترخيص حزبه، لكن الحكومة قالت إن هذه الشروط والمطالب ليست من ضمن الموضوعات المطروحة على طاولة التشاور الوطني". 

قضايا مهمة

وأضاف أن التشاور الوطني طرح قضايا مهمة، أبرزها اللجنة الوطنية المستقلة للانتخابات، والعنصرية والعبودية والإرث الإنساني المتعلق بإعدام وإبعاد بعض القوميات من أصول إفريقية في الثمانينيات والتسعينيات من القرن الماضي. 

وحمل السالك بعض قوى المعارضة مسؤولية تأجيل جلسات التشاور، لأن الشروط التي طرحتها جاءت معظمها بعد انتهاء عمل اللجان التحضيرية، وليست في موضعها أو وقتها. 

وتابع: "النظام كان واضحا منذ البداية، لأنه قال أكثر من مرة بأن التشاور غير منطقي في هذه اللحظة، لأنه ليست هناك أزمة أو مشاكل مطروحة بحدة في البلاد، لكنه أيضا قال إنه مستعد للاستجابة لمطالب المعارضة بالحوار". 

وأشار إلى أن المعارضة في البداية رفضت التشاور لأن مخرجاته ستكون غير ملزمة، وطالبت بأن يتم عقد حوار نتائجه ملزمة، لكن النظام قال في النهاية سنتشاور وسط قبول المعارضة. 

أزمة سياسية

وأكد أنه حتى الآن ليست هناك أزمة سياسية بارزة بين الأغلبية والمعارضة، لأن الأخيرة تغيب حتى الآن عن الساحة السياسية على عكس ما كانت عليه من نشاط وقت النظام السابق. 

وأشار إلى أن نظام الغزواني مر عليه 3 سنوات أي أكثر من نصف مدته، دون مظاهرات ودون معارضة حادة ولا نقد لاذع، ومن غير المرجح أن تكون هناك أزمة على المدى القريب. 

ورجح زيد أن تستغل المعارضة حالة الهدوء السياسي من أجل تحقيق المكاسب وتلبية بعض مطالبها، خاصة المتعلقة بالقوانين واللجنة المستقلة للانتخابات ومكافحة الفساد وأزمات اقتصادية واجتماعية.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية