نقص المياه الحاد يغتال مواسم الزراعة في العراق (فيديو وصور)

نقص المياه الحاد يغتال مواسم الزراعة في العراق (فيديو وصور)
أزمة الجفاف في العراق

صراعات داخلية وسدود خارجية.. ندرة المياه تهدد الحياة في العراق 

 

العراق – عبد الرشيد الصالح

يقف "الحاج صالح" في أرضه الزراعية الواقعة في منطقة الطارمية (50 كم شمال بغداد)، ينظر بحسرة إلى الأشجار التي احترق معظمها بفعل العطش وأشعة الشمس، وسط انخفاض مناسيب المياه التي تستخدم لسقي الأشجار.

"نسبة المياه الواردة للمنطقة انخفضت بمقدار النصف عن العام الماضي، بسبب استخدام نظام جديد في الزراعة فرض من قبل السلطات الرسمية، يسمى "نظام المراشنة" الذي يعني ضخ المياه بالتقسيم بين قطاع زراعي وآخر في فترات زمنية معينة"، هكذا قال الحاج صالح.

وأضاف المزارع العراقي أن "الأيام المخصصة لسقي أرضه لا تكفي لري جميع المحاصيل".

وفي محاولة منهم للإنقاذ، لجأ المزارعون في شمال بغداد، للمياه الجوفية، عن طريق حفر الآبار داخل أراضيهم في خطوة تزيد من نفقات الإنتاج الزراعي وتقلل الأرباح.

وتأتي موجة الجفاف التي تضرب بلاد الرافدين حاليا بعد أن قطعت إيران من جانبها معظم الروافد المائية الواصلة للعراق، في حين تبني تركيا منذ سنوات مشروعا ضخما على نهري دجلة والفرات يعرف باسم (مشروع الغاب) يضم 22 سداً، 

وفي سبتمبر الماضي، وقع العراق مذكرة تفاهم مع تركيا، تنص على تقاسُم مياه نهري دجلة والفرات، بما يضمن توزيعًا عادلًا للمياه، ومن أهم ما جاء في الاتفاق إنشاء مركز بحثي مشترك للمياه بين البلدين، وتقاسُم الضرر في فترات الشح المائي.

النزوح خير من العطش

وفي الشمال، حيث تقع محافظة ديالي، المعروفة محلياً بـ"سلة العراق الغذائية"، يقتل العطش مئات الدوانم الزراعية (الدونم يعادل 2500 متر مربع)، وهو ما تسبب بزحف مئات الفلاحين من مناطق سكنهم، تاركين خلفهم أراض أصابها الجفاف.

مدير مفوضية حقول الإنسان في ديالي، صلاح مهدي، قال في حديثه لـ"جسور بوست"، إن محفظة ديالي شهدت في الآونة الأخيرة ما يطلق عليه "نزوح اقتصادي" بسبب تداعيات الجفاف الذي ضرب 70% من مناطق المحافظة، خاصة وأن تلك المناطق تعتمد بنسبة تصل إلى 65% على الزراعة بشكل مباشر".

وأضاف “مهدي”، أن "العشرات من الأسر بدأت تنتقل من الريف إلى المدن، فضلا عن تفضيل أرباب الأسر للعمل في مهن أخرى وترك الزراعة التي أصبحت بنظر الكثيرين قطاعاً خاسراً في ظل ظروف قاهرة متعددة أبرزها الجفاف"، محذرا من "تنامي النزوح الذي قد يتحول إلى ظاهرة، خاصة وأن ذروة الجفاف لم تصل بعد إلى مناطق واسعة في ديالى".

ودفعت أزمة الجفاف في ديالى، الحكومة العراقية إلى تقنين استخدام المياه وحصرها للشرب وإرواء البساتين في عموم المناطق، وإلغاء الخطط الزراعية بنسبة 100%.

بدوره، قال رئيس الاتحاد العام للجمعيات الفلاحية في ديالى، رعد التميمي، إن "المحافظة تحتوي على 3 بحيرات رئيسة، هي (سد حمرين، سد الوند- وسد العظيم)، والتي تعرضت جميعها لموجة جفاف، حتى أن بحيرة حمرين اختفت بشكل كامل".

وأضاف التميمي لـ"جسور بوست"، أن "مناطق جنوب بلدروز في ديالى جفت بشكل كامل، وأدى ذلك إلى نفوق الحيوانات ونزوح الأهالي، ولم تبق هناك مياه سوى ما يكفي للشرب"، موضحا أن "الخطة الزراعية لهذا العام حجبت بشكل تام عن ديالى بسبب شح المياه".

وأشار إلى أن "وزير الموارد المائية منح موافقات لإنشاء 70 بئرا للمياه في ديالى لتجاوز الأزمة"، لافتا إلى أن "الحكومة المركزية في بغداد خصصت 5 مليارات دينار (نحو 3 ملايين و431 ألف دولار أمريكي) لإغاثة ديالى، لكن هذه الأموال لم تُصرف حتى الآن".

وفي محافظة بابل، دفع الجفاف الذي تشهده ناحية "الطليعة" في قضاء "الهاشمية" العائلات للهجرة إلى مناطق أخرى تتوفر فيها المياه، وتحديدا في محافظة الديوانية، حيث توجد أماكن ملائمة للسكن وهناك فرص للزراعة وتربية الحيوانات.

تظاهرات وقطع للشوارع

ودفعت أزمة الشح المائي العديد من المواطنين للخروج في مظاهرات احتجاجية بعدد من المحافظات العراقية، حيث أقدم العشرات من أهالي منطقة "الدبلة" وسط مدينة الحلة مركز محافظة بابل الأسبوع الماضي، على قطع الشارع الرابط بين مدينة الحلة ومدينة القاسم.

وقال متظاهرون، إن "منطقة الدبلة واحدة من أكبر المناطق المشهورة بالزراعة والتي تتعرض محاصيلها للهلاك بسبب شح المياه المخصصة للزراعة فضلا عن انقطاع مياه الشرب لمدد تصل إلى أسبوعين.

وفي محافظة ميسان، نظم العشرات من أبناء منطقة "الطابو"، وقفة احتجاجية للمطالبة بإعادة المياه إلى منازلهم بعد انقطاعها لمدة شهر تقريباً.

والأسبوع الماضي، قطع عشرات المحتجين، الطريق الرئيسي الرابط بين العاصمة بغداد ومحافظة ذي قار، احتجاجا على أزمة المياه التي ضربت المناطق الزراعية بالمحافظة، بالتزامن مع قيام متظاهرين بقطع طريق بغداد - ديالى، في وقت سجلت فيه 3 محافظات هي (النجف، والديوانية، والمثنى) تظاهرات أخرى، استمرت لساعات، احتجاجا على شح المياه.

بدوره، قال مدير ماء محافظة كربلاء محمد فاضل النصراوي، إن "أزمة شح المياه أصابت المناطق الريفية في كربلاء، وهو ما تسبب في تقليل كمية المياه الواصلة إلى المناطق الزراعية، وإخضاعها لنظام (المراشنة)".

وبين النصراوي لـ"جسور بوست"، أنه "تم تقليل الإطلاقات المائية في كربلاء خلال هذه الفترة، للحفاظ على الكميات المخزنة"، موضحا أنه "تم تقليل حجم الخطة الزراعية في كربلاء بسبب شح المياه".

خلافات عشائرية

ولم تتوقف ردود الفعل عند الاحتجاجات، حيث تسبب شح المياه في اشتعال الخلافات بين أبناء العشائر التي تمتهن الزراعة في المحافظات الوسطى والجنوبية بالعراق، والتي طالبت كل منها بالحصول على حصتها من المياه.

ووقعت اعتداءات متفرقة على عناصر الحكومة المسؤولة عن رفع التجاوزات عن الأنهار وتأمين مياه الشرب، والتي كان آخرها إصابة أحد منتسبي مديرية الموارد المائية في محافظة واسط بطلق ناري على يد أحد المتجاوزين.

 

أضرار بيئية خطيرة

وتشير دراسات أكاديمية، إلى أن استمرار تركيا في تنفيذ المشاريع على مياه نهري دجلة والفرات سيؤدي إلى الإضرار بالسكان والبيئة، وقال الخبير البيئي تحسين الخفاجي الموسوي لـ"جسور بوست"، إن "العراق يمر بأكبر أزمة على مر تاريخه فيما يتعلق بملف المياه، لاسيما وأن ما نسبته 90% من الأراضي الزراعية في العراق أصبحت مهددة بالتصحر بسبب الجفاف ".

وأضاف الموسوي، أن نسبة الأراضي الصالحة للزراعة في العراق انخفضت في ظل الأزمة الراهنة إلى 20%، وهي نسبة غير قابلة للزراعة بشكل كامل بسبب جفاف بعض البحيرات والمصارف والأهوار".

وأوضح، أن "العراق بدأ يفقد خزينه الاستراتيجي في السدود المائية، لأن المياه المؤمنة حاليا مخصصة لسقي البساتين ومياه الشرب وليس للزراعة"، لافتا إلى أن نسبة الإيرادات المائية القادمة من إيران صفر، فضلا عن تعثر المفاوضات مع تركيا فيما يتعلق بتقاسم الضرر".

وفيما يتعلق بجفاف الأهوار (مسطحات مائية في جنوب العراق)، بين الخبير البيئي، أن "التنوع البيئي في الأهوار تعرض للضرر بشكل كبير جراء موجة الجفاف، ما تسبب بهجرة أنواع كثيرة من الطيور والحيوانات التي تعيش في محميات الأهوار، فضلا عن ارتفاع اللسان الملحي في محافظة البصرة وشط العرب".

وحذر الموسوي، من "خطورة ارتفاع درجات الحرارة والاحتباس الحراري في العراق والمنطقة بسبب جفاف الأهوار والبحيرات، لاسيما مع دخول التصحر في البلاد المرحلة الثالثة".

إجراءات حكومية لتدارك الأزمة

من جهته، قال المتحدث باسم وزارة الموارد المائية العراقي، علي راضي، لـ"جسور بوست"، إن "الوزارة وضعت خططاً للتعامل مع المياه في السدود والخزانات، وتغذية الخطة الزراعية وتأمين مياه الشرب، فضلا عن دعم الأهوار ومواجهة اللسان الملحي في البصرة".

وأضاف راضي، أن "الوزارة وضعت خطة لضمان التقسيم العادل للمياه بين المحافظات"، لافتا إلى أن "المياه التي يتم ضخها من السدود تأتي لسد العجز الحاصل نتيجة قلة المياه الواردة من دول المنبع، والتي تعتبر أقل من احتياجات العراق".

وبين، أن "بناء السدود في دول المنبع، وزيادة عدد السكان، إضافة إلى التغيرات المناخية، جميعها عوامل أدت إلى قلة الإيرادات المائية في العراق، وهو ما يحتم اللجوء إلى خزين السدود"، مشيرًا إلى تطبيق نظام "المراشنة" في ري المحاصيل الزراعية، وفق ما هو متاح من خزين مائي، فضلا عن الشروع بحفر عدد من الآبار وإعادة تأهيل العشرات منها".

وأوضح المسؤول الحكومي، أن "الوزارة نفذت حملة لإزالة التعديات على الأنهار، ومعالجة مصادر تلوث المياه"، مؤكدا أن "هناك توجيهات حكومية بمنع التدخل في عمل وزارة الموارد المائية، باعتبارها الوزارة الاتحادية المسؤولة عن إدارة ملف المياه".

وتعتمد نسبة كبيرة من سكان العراق في تأمين احتياجاتها من مياه الشرب والزراعة والاحتياجات الأخرى على نهر دجلة، فيما تشير الحسابات الفنية إلى أن حصول نقص مقداره مليار متر مكعب من واردات نهر دجلة سيؤدي إلى تلف مساحات زراعية تقدر بحوالي (62500) هكتار، وأن مجمل المساحات الزراعية التي ستحرم من المياه في العراق نتيجة لانخفاض الواردات ستبلغ (696000) هكتار.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية