ممر التنمية.. بحيرة فيكتوريا- البحر المتوسط

ممر التنمية..  بحيرة فيكتوريا- البحر المتوسط

باسم ثروت

 

دُشنت مبادرة حوض النيل‏ بهدف تدعيم أواصر التعاون الإقليمي بين دول حوض النيل، عام‏ 2000‏ بتنزانيا‏، وتضم في عضويتها جميع دول حوض النيل‏ وهي من المنبع إلى المصب كما يلي: بوروندي ورواندا وتنزانيا وكينيا وجمهورية الكونغو الديمقراطية وأوغندا وإثيوبيا وإريتريا والسودان ومصر.

تهدف إلى تحقيق عدد من الأهداف مثل تنمية المصادر المائية لحوض النيل وضمان كفاءة إدارة المياه والاستخدام الأمثل لمواردها، وضمان تحقيق التعاون المشترك واستهداف إبادة الفقر وتعزيز التكامل الاقتصادي‏.‏

في سياق متصل وبالكاد مر عقد على تدشين الاتفاقية، وجدت مصر نفسها عام 2010 أمام دول منابع النيل التي اتفقت فيما بينها بما يسمى اتفاق “عنتيبي” الذي تضمن 3 بنود خلافية ترفضها مصر، وهي: بند الأمن المائي، مقابل عدم الاعتراف بالحصة التاريخية لمصر في مياه النيل المقدرة بـ55.5 مليار متر مكعب وفق اتفاقية 1959.

 

وبند الإخطار المسبق رقم 12 بتنفيذ أي مشروعات على النيل، وبند التصويت على القرارات بالإجماع بدلا من الأغلبية، وكأنهم يدرون ما سيعصف بمصر من أحداث في عام 2011، بدلت أوراق اللعبة وأربكت مصر وأبعدتها عن الساحة الإفريقية والإقليمية.

لكن بعد مرور عقد من الزمان وربيعا عربي قاسٍ كاد أن يقتلع الأخضر واليابس في شرق أوسط على صفيح ساخن، وبعد أن تدهورت أحوال الداخل المصري جراء فعل ثورتين ذهبت بها الأولى إلى حافة الهاوية قبل أن تنقذها الثانية من السقوط مرة وإلى الأبد.

رويداً رويداً تحركت مصر وكأنها تستفيق من كابوس كاد أن يودي بحياتها أثناء المنام، ربيع ساخن عدل الأوضاع وبدل الطباع دفعة واحدة، فكان مقدراً لها أن تتحرك وتضطلع بدورها الإفريقي والإقليمي مرة أخرى، فهي مصر رمانة ميزان الشرق الأوسط وبوابة إفريقيا الواسعة.

فعادت مصر تدعم إفريقيا من جديد وبخاصة الأقربون من دول حوض النيل لكن هذه المرة على غير مبادرة حوض النيل، فانتهجت مصر مبدأ الخطوة تلو الخطو والمشروع تلو الآخر، كان آخرها محطة طاقة شمسية بمقاطعة “تورورو” بدولة أوغندا، نفذتها الهيئة العربية للتصنيع.

عطفاً على الكثير من مشروعات التعاون الثنائي مع دول حوض النيل خلال السنوات الماضية في مجالات المياه والربط الكهربائي، منها سدود لحجز مياه الأمطار ومحطات مياه الشرب الجوفية لتوفير مياه الشرب النقية في المناطق النائية البعيدة عن التجمعات المائية، ومزارع سمكية ومراسٍ نهرية، ومشروعات في مجال تطهير المجاري المائية.

ومن بين المشروعات، إنشاء (7) سدود لحصاد مياه الأمطار بدولة أوغندا، وحفر 180 بئرا جوفية في كينيا، وتركيب وحدة رفع لنقل مياه الأنهار للتجمعات السكانية القريبة من المجاري المائية بمدينة واو بدولة جنوب السودان، وتنفيذ مشروع لتجنب مخاطر الفيضان بمقاطعة كسيسي بغرب أوغندا، وإنشاء مركز للتنبؤ بالفيضان بدولة الكونغو الديمقراطية وغيرها.

أما عن أحدث المشاريع التي تم الإعلان عنها مؤخراً، فهو مشروع ممر التنمية “فيكتوريا – البحر المتوسط” الذي يشمل ممراً ملاحياً وطريقاً وخط سكة حديد وربطاً كهربائياً وكابل معلومات.

لكن ماذا عن دلالات التوقيت؟ وماذا عن المكتسبات التي قد يحققها مثل هذا المشروع لمصر ولدول حول النيل؟

يلفت النظر هنا توقيت ظهور المشروع الذي يتم التفكير فيه منذ عام 2017، حيث بدأت مرحلة إعداد الدراسات المؤسسية والقانونية، لكن ظهر هذا المشروع بشكل واضح في لقاء عقد مؤخراً، جمع وزير الري المصري وخبير مياه أمريكياً بمصاحبة نائب السفير الأمريكي وممثلي السفارة الأمريكية بالقاهرة.

يأتي ظهور المشروع في توقيت تعثرت فيه مفاوضات سد النهضة بين مصر والسودان وإثيوبيا، بل تكاد تكون توقفت تماماً، وهنا ترغب مصر في أن تبرهن للمجتمع الدولي والإقليمي على أنها ليست عدو التنمية في حوض النيل كما تروج إثيوبيا، بل إنها قاطرة التنمية، في توقيت يكتظ فيه الداخل الإثيوبي بالصراعات التي قد تؤدي إلى سقوط الحكومة، تقدم مصر ذاتها كقوة إقليمية واعدة تزخر بالخبرات والإمكانات التي تؤهلها لقيادة قاطرة التنمية في منطقة حوض النيل.

وحري بنا التطرق إلى المكتسبات التي قد تحصدها مصر ودول حوض النيل جراء التعاون وتنفيذ هذا المشروع، الذي وإن جاز التعبير يمكننا تسميته بقناة السويس النيلية الجديدة.

فعلى المستوى المحلي ستنفرد مصر بمكانة قوية بين دول حوض النيل، بالإضافة إلى المكتسبات الاقتصادية التي ستضاف إلى الاقتصاد المصري، ناهيك عن تنشيط حركة النقل، حيث إن النقل النهري أحد أفضل الوسائل القادرة على نقل حركة التجارة بمختلف أنواعها وأحجامها بتكلفة منخفضة واستهلاك أقل للطاقة ومعدلات أمان أعلى مقارنة بوسائل النقل الأخرى وبحيث يتم التكامل مع وسائل النقل الأخرى.

 

علاوة على آلاف فرص العمل التي ستولد جراء المشروع، وترويج المنتجات المصرية والتجارة البينية في الداخل الإفريقي، كما قد يعزز هذا المشروع الموقف المصري في مفاوضات سد النهضة حيث يعد هذا المشروع بادرة حسن نية تظهر فيها مصر رغبتها في تنمية حوض النيل على عكس ما يتم ترويجه أو تناقله.

أما عن مكتسبات دول حوض النيل، فيظهر المكتسب الأهم هو فتح مجال للدول الحبيسة مثل (إثيوبيا– أوغندا- روندا.. وغيرها) من الاتصال بالبحار والموانئ العالمية من خلال البحر المتوسط، ما سيعود عليهم بمردود اقتصادي كبير من خلال نقل بضائعهم وتجارتهم بشكل سهل وتوليد فرص عمل وبينة تحتية معلوماتية أكبر وزيادة النشاط التجاري البيني بين دول حوض النيل والعالم الخارجي، علاوة على الأنشطة السياحية والثقافية بين دول حوض النيل.

وبطبيعة الحال، تقوية وضع المنطقة في النظام الاقتصادي العالمي، فضلاً عن دعم التعاون والتكامل بين الدول المشاركة بكافة المجالات.

إجمالاً، تتقدم مصر نحو إفريقيا ودول حوض النيل بخطى ثابتة مدروسة قادرة على تغير الأوضاع والسياقات وسط محيط إقليمي مضطرب، وأمام حالة إثيوبيا الداخلية التي تبدو كأنها في مخاض عسير لا نعرف ما سينتج عنه، فمصر الوحيدة القادرة على قيادة قاطرة تنمية حوض النيل لما وصلت إليه من استقرار سياسي واقتصادي جراء برامج الإصلاح التي انتهجتها في الأعوام القليلة الماضية.

 


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية