جدري القردة.. وباء عالمي محاصر بـ"الوصم الاجتماعي"

جدري القردة.. وباء عالمي محاصر بـ"الوصم الاجتماعي"

منذ انتشاره في منتصف مايو الماضي، وإعلان منظمة الصحة العالمية فرض حالة طوارئ في منتصف يوليو الماضي، يحاصر المصابون بوباء "جدري القردة" بالوصم الاجتماعي في كل أنحاء العالم.

و"جدري القردة" مرض فيروسي نادر وحيواني المنشأ وينتقل إلى الإنسان، وتتشابه أعراض إصابته للإنسان مع تلك التي كان يشهدها في الماضي المرضى المصابون بالجدري، وفق منظمة الصحة العالمية.

ويسبب جدري القردة طفحا جلديا في الجسم، فضلا عن الحمى والشعور بالإعياء وآلام في العضلات، ورغم أنه أقل إيقاعا للخسائر البشرية حتى الآن مقارنة مع جائحة كورونا، لكنه يواجه وصمًا اجتماعيًا.

وارتبط المرض العالمي الجديد هذه المرة بالمثليين جنسيا، إذ تواترت تقارير إعلامية بشأن انتشاره بكثافة في أوروبا، عقب تنظيم مهرجانين في بلجيكا وإسبانيا للمثليين ومزدوجي الجنس من الرجال.

وذكر استشاريون أمميون أن "التواصل الجنسي ساهم في رفع مستوى العدوى"، فيما تشير منظمة الصحة العالمية إلى أن انتشار المرض يعد أمرا غير معهود، ما يعكس إمكانية أنه كان ينتشر بشكل صامت لبعض الوقت.

وبسبب انتشار تعليقات مسيئة للمثليين عبر منصات التواصل الاجتماعي، حذر برنامج الأمم المتحدة المشترك المعني بفيروس الإيدز مؤخرا من أن منشورات مماثلة "قد تقوّض بسرعة جهود مكافحة الوباء".

وأوضح البرنامج الأممي أن هذه الحملات "تتسبب بحلقة من الخوف تدفع الأفراد إلى تجنب المراكز الصحية، ما يحد من نطاق الجهود لتحديد حالات العدوى، وتشجع على اتخاذ تدابير قسرية غير فعالة".

وقبل أسابيع، نشرت سيدة على منصة "تيك توك" مقطعا مصورا لإصابتها بطفح جلدي، ليلقى مئات التعليقات التي تفترض إصابتها بـ"جدري القردة" وإقامتها علاقة مثلية للإصابة بالمرض.

فيما قالت السيدة المصابة آنذاك إنها بعد الفحص تبين أنها تعاني من حالة وراثية تسمى الورم العصبي، والذي أدى إلى ظهور أعراض جلدية تتشابه مع أعراض الوباء العالمي.

الوصم الاجتماعي

ووفق منظمة الصحة العالمية، يُعرف الوصم على أنه إشارة بالعار أو الخزي أو الرفض، ما يؤدي إلى الرفض والتمييز والإقصاء من المشاركة في عدد من المجالات المختلفة في المجتمع، كما يمكن للوصم الاجتماعي والتمييز المصاحب له أن يؤثرا أيضاً على كرامة الناس وثقتهم بأنفسهم.

لكن الوصم الاجتماعي في سياق الصحة يعرف أنه الارتباط السلبي بين شخص أو مجموعة أشخاص يشتركون في خصائص معينة ومرض مُحدّد، في حالة تفشي وباء، قد يعني هذا أن يتم تصنيف الأشخاص وتنميطهم والتمييز ضدهم بسبب تصوّر وجود ارتباط بينهم وبين المرض.

ويمكن لهذه المعاملة أن تؤثر سلبًا على المصابين بالمرض، كما على ذويهم والعائلة والأصدقاء والمجتمعات المحليّة، وقد يعاني من الوصم أشخاص لم يُصابوا بالمرض ولكن لمجرّد أن لديهم خصائص أخرى مشتركة مع هذه المجموعة.

وتفاديا لحدوث ذلك دعا مراقبون إلى ضرورة تقديم الجهات الصحية الخدمات للمثليين كغيرهم دون تمييز، لا سيما العابرين جنسيا الذين لا تنطبق هوياتهم مع وثائقهم الرسمية، ويعانون الكثير من الاحتقار عند البحث عن الرعاية الصحية.

وتعاقب عدة دول عربية على الممارسات الجنسية للمثليين، رغم خلو تشريعاتها المحلية من عقوبات صريحة، لكن معظمها يعاقب عليها تحت بند الإخلال بالآداب والأخلاقيات العامة.

 وتصل العقوبة في مصر وتونس والمغرب إلى ثلاث سنوات، فيما تصل العقوبة في الجزائر إلى عامين، أما في السعودية فيمكن أن تصل العقوبة إلى الإعدام في حال كان المدان متزوجا أو غير مسلم، بينما يتم في حالات أخرى الحكم بمدد سجن طويلة.

مخاطر صحية

بدورها، انتقدت الكاتبة الصحفية ومؤلفة كتاب "الوصم" علياء أبو شهبة، سلوك منظمة الصحة العالمية في الربط بين وباء جدري القردة ومجتمع الميم (المثليين جنسيا)، والتلميح إلى إمكانية أن يكون ذلك سببا في تفشي العدوى بالعالم.

وقالت أبو شهبة، في تصريح لـ«جسور بوست» إن المنظمة الأممية كان من الأجدر بها أن تؤكد على أهمية تنظيف وتعقيم دورات المياه واستخدام القواعد البلاستيك للمرحاض وغيرها من الإجراءات الوقائية للحد من تفشي الوباء.

وأضافت: "المنظمة ساهمت بشكل غير مباشر في الوصم للمثلية الجنسية، على اعتبار أنها مصدر لتفشي الوباء عالميا، رغم أن ذلك يتنافى تماما مع التقاليد والأعراف الدولية الخاصة بالإعلان عن الأمراض والأوبئة العالمية".  

واعتبرت علياء أبو شهبة أن تعزيز الوعي الجمعي بأعراض الأمراض والأوبئة وسبل الحماية والوقاية منها، أمر من شأنه تقليل مخاطر انتشارها أو التعايش معها مثل فيروس نقص المناعة البشرية "الإيدز". 

وتابعت: "غياب الوعي عادة ما يتسبب في تفشي الأمراض بسبب الخوف من الوصم والرغبة في التكتم وعدم المصارحة بالإصابة، ما يضاعف احتمالات تفشي الأوبئة ويعطل مساعي التعافي".

جدري القردة

واكتُشف المرض لأول مرة بين البشر في عام 1970 بجمهورية الكونغو الديمقراطية، على طفل صغير عمره 9 سنوات، ومنذ ذلك الحين بدأت تظهر حالات محدودة بين حين وآخر.

ورغم أن الجدري كان قد استُؤصِل في عام 1980، فإن جدري القردة لا يزال يظهر بشكل متفرق في بعض أجزاء إفريقيا، وانتشر مؤخرا في أكثر من 71 دولة بإصابات مؤكدة تصل إلى نحو 16 ألف شخص، وفق المراكز الأمريكية لمكافحة الأمراض والوقاية منها (سي دي سي).

وتقول منظمة الصحة العالمية إن القوارض هي المستودع الرئيسي، ولا يوجد أيّ علاج أو لقاح متاح لمكافحة المرض رغم أنّ التطعيم السابق ضد الجدري أثبت فاعلية في الوقاية أيضا من جدري القردة.

وتتراوح فترة حضانة المرض بين 6 أيام و21 يوما، وتنقسم إلى مرحلتين؛ أولاهما فترة حدوث العدوى وحتى اليوم الخامس، وتتسم بالإصابة بالحمى والصداع الشديد وتضخّم العقد اللمفاوية والشعور بآلام في الظهر والعضلات والوهن شديد.

فيما تتراوح المرحلة الثانية بين يوم واحد و3 أيام بعد الإصابة بالحمى، وهي التي ينتشر فيها الطفح الجلدي، بداية بالوجه، ثم ينتقل لباقي أجزاء الجسم، وفق تقديرات المنظمة الأممية.


قد يعجبك ايضا

ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية