"أزمة تواجه العدالة والديمقراطية".. الولايات المتحدة أمام اختبار تاريخي مع ترامب

"أزمة تواجه العدالة والديمقراطية".. الولايات المتحدة أمام اختبار تاريخي مع ترامب
الرئيس الأمريكي دونالد ترامب - أرشيف

في سابقة تُهدد أسس الديمقراطية الأمريكية، تمكن الرئيس الأمريكي دونالد ترامب من إعادة تشكيل العلاقة بين السلطة التنفيذية ومؤسسات الدولة التي طالما تمتعت باستقلالية دستورية ورقابية متينة. 

وقالت وكالة "فرانس برس"، اليوم السبت، إنه منذ عودته إلى البيت الأبيض، عزّز ترامب موقعه في أعلى هرم السلطة بوسائل وصفتها بعض الأوساط الأكاديمية والسياسية بـ"المخيفة"، مشيرة إلى تحوّله نحو نموذج "الرئاسة الإمبراطورية" وسط غياب فعّال لدور الكونغرس وضعف توازن السلطات.

ووفق الوكالة الفرنسية، فقد فرض ترامب هيمنته على الكونغرس، حتى بات يمرر كل ما يرغب به دون اعتراض يُذكر من أعضاء الحزب الجمهوري. 

وأشارت أستاذة التاريخ السياسي باربرا بيري إلى أن النواب الجمهوريين يخضعون لقرارات ترامب خوفاً من خسارة دعم قاعدته الانتخابية، في ظل تهديده المتكرر بدعم مرشحين بدلاء عنهم في الانتخابات التمهيدية، ما يُضعف إمكانية فوزهم بولاية جديدة.

وبدل أن يشكل الكونغرس حاجزاً أمام تغوّل السلطة التنفيذية، بدا وكأنه يرضخ لإملاءات البيت الأبيض، ليخسر بذلك دوره الرقابي الذي يُعد أحد أركان النظام الديمقراطي الأمريكي.

الالتفاف على التشريع

لجأ ترامب خلال الأشهر الأولى من ولايته الثانية إلى إصدار 170 مرسوماً تنفيذياً، متجاوزاً في ذلك العدد الإجمالي للمراسيم التي أصدرها جو بايدن خلال أربع سنوات كاملة. 

واعتمد ترامب على هذه الوسيلة لتجنب الاحتكاك بالكونغرس، متعمداً توسيع صلاحياته على حساب مؤسسات الدولة المستقلة.

وأثار هذا النهج مخاوف من إرساء سابقة خطِرة، إذ بات الرئيس الأمريكي يمارس الحكم بمراسيم شبه مطلقة، دون خضوع لمساءلة تشريعية حقيقية، في نموذج يُقوّض فعلياً التوازن بين السلطات.

استهداف الوكالات الفيدرالية والقضاء

لم تسلم الوكالات الفيدرالية من محاولات ترامب فرض سيطرته. ففي أيار/مايو، أقال ثلاثة من قادة "لجنة سلامة المنتجات الاستهلاكية" (CPSC) المعيّنين من رؤساء ديمقراطيين سابقين، في خطوة أثارت جدلاً واسعاً، وانتهت بتعليق قرار الإقالة قضائياً.

غير أن المحكمة العليا نفسها، التي يفترض بها أن تكون حصناً أخيراً ضد تغوّل السلطة، أصدرت حكماً في يونيو يقيّد قدرة القضاة الفيدراليين على التدخل في قرارات السلطة التنفيذية، وهو قرار عزز موقع ترامب، خصوصاً أن ثلاثة من القضاة التسعة في المحكمة العليا من تعيينه، ما رجّح الكفة لمصلحة المحافظين.

الاحتياطي الفيدرالي هدف جديد

في مشهد جديد من التصعيد، وجّه ترامب هجماته مؤخراً ضد الاحتياطي الفيدرالي، منتقداً قراراته ومُلمّحاً إلى إمكانية إقالة رئيسه جيروم باول، رغم أن القانون يمنع ذلك ما لم تُسجل تجاوزات خطيرة. 

وتكشف هذه الحملة رغبة ترامب في إخضاع حتى المؤسسات المالية المستقلة لإرادته، وهو ما يثير قلقاً بالغاً في الأوساط الاقتصادية والحقوقية.

ويرى مراقبون أن الضبط الوحيد المتبقي لتقييد سلطة ترامب قد يتمثل في الانتخابات المقبلة، المقررة في نوفمبر 2026، والتي قد تُعيد تشكيل الكونغرس وتحد من نفوذه. 

لكن هذا السيناريو يظل هشاً، وفق المستشار السياسي أندرو كونيشاسكي، الذي اعتبر الاعتماد على صناديق الاقتراع وحدها كآلية رقابية أمراً غير مطمئن في ظل هذا السياق السياسي الاستثنائي.

وبينما تُظهر استطلاعات الرأي تراجعاً في شعبية ترامب، لا تزال مؤشرات السلطة المتركزة في يده تثير قلقاً متزايداً، فالسياق الذي يصنعه ترامب يعيد طرح أسئلة عميقة حول قدرة الديمقراطية الأمريكية على حماية مؤسساتها من سطوة الرئاسة، خاصة في ظل غياب ردع حزبي داخلي وانهيار شبه كامل لأدوات الموازنة والرقابة التقليدية. 



موضوعات ذات صلة


ابق على اتصال

احصل على النشرة الإخبارية